حقوق وحريات

إضاءات سياسية (22)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

نص المحاضرة التي ألقاها هيثم المالح في البرلمان الألماني :

الحالة العامة لحقوق الإنسان في سورية في ظل حالة الطوارئ

10/12/2003

في العاشر من كانون الأول/ديسمبر لعام 2003 وبدعوة من البرلمان الألماني ألقيت كلمة ، تحدثت فيها عن حالة الطوارئ في سورية وآثارها على الحياة العامة .

نص المحاضرة :

يعتبر العالم العربي -كما هو معروف- جزء من العالم الثالث . ويعاني العالم وبخاصة سورية من النظام الاستبدادي .

فقد بدأت سورية عهداً ديمقراطياً عقب خروج الفرنسيين من بلدنا ، إلا أن أول برلمان لم يكمل مدته حين وقع الانقلاب الأول الذي قاده الضابط حسني الزعيم ، وكان ذلك بفعل وتوجيه السفارة الأمريكية في دمشق ، وتتالت الانقلابات العسكرية منذ ذلك الوقت ، تتخللها ديمقراطية لفترات بسيطة ، حتى كان الانقلاب الذي وقع في الثامن من آذار/مارس 1963 حيث جاء العسكريون إلى الحكم تحت ستار حزب البعث الذي دفع إلى الواجهة وأعطيت له صلاحيات قيادة الدولة والمجتمع بموجب دستور عام 1963 .

ولا نزال نعاني من نظام فاشي استبدادي شمولي يسيطر على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . كما أعلنت حالة الطوارئ بدءاً من يوم استيلاء العسكريين على السلطة ولا زالت حتى الآن ، مع أنها باطلة بطلاناً مطلقاً ، إلا أن هذه الحالة الاستبدادية أرخت بظلالها على المجتمع بحيث تم تغييب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية لصالح تضخم السلطات الأمنية المنتشرة في كل مناحي الحياة ولا تزال هذه الحالة سائدة حتى اليوم بحيث أدت إلى مجموعة عوامل سلبية نلخصها بما يلي :

1- انعدام ممارسة السلطة القضائية لأية صلاحية بصدد الاعتقالات ، سواء لجهة الأمر بالاعتقال أو تنفيذه ، ومسؤولية التحقيق مع المعتقل ، أو معاقبته ، أو الإفراج عنه ، فضلاً عن أن ذلك يتعارض مع الفقرة (3) من المادة /9/ من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها سورية .

2- حرمان المواطنين من ممارسة حقهم في الطلب من القضاء البت بشرعية توقيف أي شخص وهو يخالف الفقرة (4) من المادة /9/ آنفة الذكر .

3- حجب حق الدفاع عن المعتقل أو توكيل محام للتشاور معه ومن ثم منع المحامين من ممارسة مهامهم ، وهذا يتعارض مع الفقرة (7) من المادة /14/ من الاتفاقية المذكورة .

4- عدم نفاذ أي قرار قضائي بإلغاء الأوامر العرفية والحيلولة دون وصول المواطنين إلى حقوقهم .

5- منع ذوي المعتقل من معرفة مصيره أو التهم الموجهة إليه وعدم إمكان زيارته .

6- إن الأوضاع الجائرة التي تخرج عن مفهوم الأحكام القضائية والتي صدرت إما عن محكمة أمن الدولة أو عن المحاكم الميدانية ، قد قضت بإعدام الآلاف من المعتقلين بالجملة حتى إن بعض من أعدم كان بطريق القرعة .

ثم إن من حكم بأحكام جنائية قد تم وصم كافة مستنداته في سجلات الأحوال المدنية والسجلات العدلية بهذه الأحكام بصورة تؤدي إلى عرقلة عودته للحياة الطبيعية واستئناف عمله ، إذ سوف يخرج أصحاب الأعمال من وظائفهم ومن ثم ، تسد في وجوههم سبل العيش الكريم .

7- تعمد السلطات استناداً لإعلان حالة الطوارئ إلى مراقبة الاتصالات الهاتفية والبريدية ، وتخترق بذلك سرية المراسلات والمكالمات الهاتفية . كما تعمد إلى مراقبة البريد الإلكتروني ، وحجب العديد من المواقع على شبكة الإنترنت بهدف منع المشتركين من الوصول إلى معلومات محددة .

8- يمنع المحكومون بعد الإفراج عنهم والناشطون في الشأن العام من الحصول على جوازات سفر بأوامر الأجهزة الأمنية أو يمنعون من السفر خارج القطر .

9- أدت حالة الطوارئ وممارسة القمع إلى فرار عدد كبير من المواطنين خارج القطر ، ومنع هؤلاء من الحصول على جوازات السفر مما يتناقض مع المواثيق الدولية .

10- إن طغيان الأجهزة الأمنية والرعب الذي عشش في النفوس ، أضحى عاملاً حاسماً في الحيلولة دون اتخاذ قرارات من قبل السلطة القضائية في الرقابة على الإدارة العرفية ، وأدى بعد ذلك لطغيان هذه الإدارة واستهتارها بكل القيم والحقوق جملة وتفصيلاً ، وقد جرى منع بعض الناس من حضور المنتديات .

11- ألغيت حصانة الملكية الفردية وتمت مصادرة الآلاف من دور السكن بحجة الأمن ، ولقد مارستُ إقامة الدعاوى على السلطة في هذا الشأن وحصلت على أحكام دون تنفيذ حتى الآن ، وأرفق مع هذه الكلمة بياناً صادراً عنها يبين مدى استهتارها بقيمة الملكية .

12- أدى إعلان حالة الطوارئ لفقدان شخصية العقوبة ، فتم اعتقال الأقرباء والأصدقاء للشخص المطلوب لممارسة الضغط عليه لتسليم نفسه مما أدى لفقدان حصانة المواطن لشخصنة العقوبة .

13- إن اختلال العدالة الناجم عن إعلان حالة الطوارئ واستغلالها من الفاسدين الذين همهم جمع المال والمنافع بأية وسيلة ، يؤدي لابتلاع الثروات العامة ونهبها وإلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء ، ويؤدي بالتالي للإحباط ، وقد يكون سبباً لتولد العنف أو ما اصطلح عليه بالإرهاب .

14- لقد أدت حالة الطوارئ التي نعيشها منذ أربعين عاماً إلى تراجع الفكر وانحسار الإبداع وتردي الحالة العلمية لأن يد رقيب حالة الطوارئ هي فوق كل اعتبار إلا اعتبار أمن السلطة .

15- لقد دعمت حالة الطوارئ والخوف الذي عشش في نفوس الناس إلى تفشي الفساد الذي أضحى هو الفاعل الرئيسي في الحياة العامة وتغلغل في جميع أجهزة الدولة حتى وصل إلى التعليم والقضاء ، وهما الجهازان المفروض أنهما يؤمنان بناء مجتمعياً سليماً وحصانة للناس للوصول إلى حقوقهم ، ولم يعد أحد يستطيع أن يمارس نقد الفاسدين بسبب تمتعهم بحصانة الطوارئ ، ووجودهم في قمة هرم السلطة .

وعقب كل ذلك تم بسط صلاحيات المحاكم العسكرية الميدانية التي ينحصر اختصاصها بمحاكمة العسكريين أثناء الحروب لتحاكم المدنيين من المعارضة السياسية وسواها وجرى باسمها تصفية الخصوم وتم اختفاء الآلاف من المعتقلين دون أن يعرف مصيرهم حتى الآن .

ولا بد لنا هنا من التنويه بالخلل الذي أصيبت به السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، إذ تداخلت الأوامر والبلاغات ووقعت هذه السلطات تحت خوف سطوة الأجهزة الأمنية ، وليس عنا ببعيد ملاحقة النائبين الحمصي وسيف ورفع الحصانة عنهما بصورة تلبي رغبات الأجهزة ، في حين أن بعض أعضاء مجلس الشعب الذين اتهموا بالفساد تم التحقيق معهم ومحاكمتهم دون أن يجري توقيفهم .

وإن أعظم الخلل هو الذي لحق بالسلطة القضائية التي من المفروض أن تكون هي الحصن الأخير للأمة ، فكانت مطواعة لرغبات الأجهزة الأمنية وقد شهدنا محاكمات للنائبين المذكورين لا تمت للقانون والحق بأية صلة ، بل ولا حتى لفهم العربية بصورة صحيحة .

وأخيراً :

لا مناص لنا من أن نجري مصالحة مع الذات في الداخل ، وتعيد السلطة تقويمها للأوضاع وتحفظ للمواطن كرامته وحقوقه وتلغي إلى غير رجعة الخطوط الحمراء التي وضعتها لمنع النقد من أن يطال الفساد ، وبذلك نضع أرجلنا على بداية الطريق الصحيح ، والتي نرجو أن لا نخطئها حتى نتمكن من اللحاق بركب الحضارة والتقدم .

ولقد دعم الغرب عموماً الأنظمة الاستبدادية في سورية والعالم العربي إلا أن الصحوة الحديثة التي بدأنا نتلمسها من توجه الحكومات الغربية ومجتمعاتها نحو حجب الدعم لهذه الأنظمة لأن في دعمها ما ينعكس سلباً على المجتمع الغربي مما ينجم عن ذلك سيل من المهاجرين نحو الغرب هرباً من القمع .

إن ما شاهدناه من احتجاجات جرت في ستمائة مدينة في العالم ضد الحرب على العراق لهو مؤشر واضح على رغبة الشعوب في تحقيق العدالة ورفع الظلم وتحقيق المساواة والسلام وإنهاء النـزاعات المسلحة ، والعالم يحتفل اليوم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، أليس من واجبنا جميعاً حماية هذه الحقوق ؟ .

شاكراً لكم حسن إصغائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى