مقالات

هل ساهم إعلام الثورة في تراجعها؟

محمد غسان عبدو

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

لا يزال الإعلام الثوري في سوريا يعيش حالة من التخبط و عدم فهم طبيعة المرحلة و مقتضياتها، فعلى الرغم من ما ساهمت به منصات التواصل الإجتماعي في بداية الحراك و كشفها بطش النظام، و إطلاقه الشبيحة لجز حناجر كل من يعارضه حتى و ولو بالطرق السلمية ، و نشر عشرات مقاطع الفيديو لإطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل . لكن هذا الإعلام بدا فيما بعد ضعيفاً تائهاً تحركه أيادي غريبة، قد تكون تابعة للنظام أو لدول ترغب في بقاء الأسد و زمرته، فنتج عنه في بعض الأحيان تشويه لصورة الثورة، و تلميع لصورة نظام المليشيات و احباط الروح المعنوية لدى الثوار و حاضنتهم الشعبية .
تنظيم داعش
 فيما يخص تنظيم داعش فشل الإعلام الثوري فشلاً ذريعاً، على الرغم من كل الجهد و التضحيات و الأموال المبذولة في محاربته، فأعداد القتلى من المعارضة في مواجهة هذا التنظيم أضعاف أعداد قتلى النظام لكن بنظر الدول الغربية أن من حارب هذا التنظيم و حارب الإرهاب و استطاع التغلب عليه هو النظام، حيث تمكن من تصوير نفسه على أنه المخلص من هذه التنظيمات المتطرفة بينما اعتبر داعش فصيلاً ثورياً، و ما ساهم في ذلك هو معارك مطار الطبقة و الفرقة سبعة عشر في الرقة حيث أعدم التنظيم المئات من عناصر النظام و بث إصدارات بهذه العمليات، و ساهم الإعلام الثوري بنشر هذه المقاطع للدلالة على وحشية التنظيم او للتشفي بعناصر النظام، لكن ذلك ساهم في تصوير النظام على أنه المحارب للتنظيم المساند بدوره للثورة بينما ذهبت كل تضحيات الفصائل بسبب الفشل بنقل طبيعة العلاقة بين الفصائل و بين داعش، و كيف ساهم في اخماد الثورة مع مليشيات النظام و أعاد مساحات واسعة من المحرر لحضن النظام .

 قضية المهاجرين

لم يستطع الإعلام الثوري التعامل مع قضية المهاجرين في صفوف المعارضة ( عدا مهاجري داعش ) ، و بدا ذلك  واضحاً بطلب النظام عدة مرات خروج غير السوريين من سوريا و اصراره من خلال إعلامه على أنه يقاتل مقاتلين من جنسيات مختلفة خلال معاركه، ليبدو أنه على حق و يسعى لاستعادة أراضيه من جماعات شردت الأهالي و نهبت خيرات البلاد . و لكن ماذا عن عشرات آلاف المقاتلين الأفغان و الباكستانيين و العراقييين و مقاتلي حزب الشيطان اللبناني ؟  . لم يستطع الإعلام الثوري فضح هذه الأعداد و نشر الصورة الواقعية على الأرض بأن جيش النظام لم يعد عدداً يذكر مقارنة بأعداد المليشيات المساندة له و بدت الصورة للعالم أجمع أن فصائل المعارضة تحوي جهاديين يقاتلون جيش حكومي و هذا ما ساهم بدعم الدول للروس في محاربة هؤلاء الجهاديين .
هيئة تحرير الشام
ظهرت جبهة النصرة في بداية عام 2012 و اكتسبت شعبية كبيرة لدى الحاضنة الثورية لشجاعة مقاتليها و عدم الاعتداء على المدنيين و التزامها بالقتال فقط دون الحكم، و كانت ذروة ازدهارها و تنامي سمعتها في منتصف 2015 بعد تحرير محافظة إدلب كونها كانت رأس الحربة في هذه العملية، لكن و بعد تسلطها على رقاب المدنيين بدأت ملامح الخلاف و فقدان قاعدتها الجماهيرية، فعلى الرغم من فك الارتباط بتنظيم القاعدة في نهاية 2016، لا زالت شعبية تحرير الشام بانحدار مستمر نتيجة بعض تصرفات من افرادها و شرعييها و اقصائها لفصائل كبرى في الشمال المحرر، لكن ذلك لا ينفي فشل الإعلام الثوري في التعامل مع هذا الفصيل فاليوم ينظر العالم للمحرر على أنه معقل الهيئة فقط و هذا ينافي الواقع فعدد مقاتلي تحرير الشام لا يتجاوز الخمس بالنسبة لمقاتلي الفصائل الأخرى حيث استفاد النظام من هذه الصورة السوداء للشمال في تبرير استهداف المنطقة بأكملها بالبراميل و الصواريخ المحرمة دولياً، و نرى تأييداً عربياً و دولياً له في حملاته، بينما جلسنا نستجدي العالم و هو يتفرج على مذبحتنا و اخماد الثورة تحت مبرر قتال هيئة تحرير الشام.
روح الثورة
لم تعد الروح المعنوية للثوار كما كانت في البدايات فالجميع في المناطق المحررة يعيش حالة من اليأس، و ينظر للفصائل على أنها وجه آخر للنظام، و ذلك نتيجة نقل الأحداث في الشمال دون الاكتراث لتأثيرها على عزيمة أبناء الثورة و حاضنتهم الشعبية فبعد اخراج  النظام لمئات الألاف من الثوار من مناطقهم الى الشمال عزز إعلام الثورة حالة الإحباط من خلال نشر أخبار الاقتتالات او تجاوزات بعض العناصر، و هو ما زاد الهوة بين هذه الفصائل و المدنيين، و ما زاد الطين بلة هو استخدام مصطلح باعوها خلال المعارك الأخيرة لتخوين الفصائل و اعطاء صورة عن أن هذه المعارك شكلية و خارطة السيطرة تحدد في الاتفاقات السياسية، و هنا لا أعارض هذه الفكرة أو أؤيدها لكن الجميع يعلم أن في كل معركة قاتل الآلاف من أبناء الثورة لصد ثاني أعتى قوة عسكرية في العالم، و استشهد الآلاف الموثقين بالأسماء لكن إعلام الثورة كان يجاري قوات النظام في تقدمها على الأرض من خلال احباط عزائم الثوار، و تأليب الحاضنة عليهم من خلال نقل صورة سلبية مفادها أن النظام يتقدم دون أي مقاومة .
 

لا يمكن تخوين إعلاميي الثورة لكن الفشل في نقل الأحداث و رسم رأي عام مساند للثورة ناتج عن أسباب عديدة منها قلة خبر الكادر الإعلامي الثوري و خاصة المتواجد على الأرض أو تأثرهم بإيديلوجييات الفصائل و أحيانا كثيرة تكون بسبب الدعم المشروط لتبييض صورة فصيل و كيل التهم لفصيل ثوري  آخر، وقد يكون الدعم المشروط نفسه هو ما ساهم في ظهور إعلاميين مبتدئين لا يملكون الخبرة وإيعاد الكثير من الخبرات وأصحاب الاختصاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى