مقالات

الدكتور مرسي: “الشهيد الذي وفَّى”.

مجدي شلش

أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر الشريف
عرض مقالات الكاتب

تتفق تختلف حول إدارة السنة التي عاشها في الحكم من حيث الإيجابيات أو السلبيات، لكن المتيقن منه أن غالب ممن تكلم متفقا أو مختلفا بتقييم المدة الزمنية التي حكمها جاء بانطباعات أو قيّم دون معلومات تجعل التقييم قائما على أساس علمي يؤدي إلى نتائج صحيحة أقرب للصواب.

آفة غلبت على الكثير، الكلام فيما لا يعلم، الكل أصبح عالما بالكل، تعلو الصيحات بالموافقة على حسن الإدارة وأنه رحمه الله بذل أقصى الوسع في إدارة الدولة، حيث القرارات كانت صائبة تماما، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، حيث التحديات والأزمات الحقيقية والمفتعلة، فالرجل اجتهد فأصاب قدر مكنته وحسب طاقته، وطائفة أخرى من الناس تحمله فشل الثورة، وأن قرارته واختياراته للأشخاص كانت متأخرة وغير موفقة، الكل يعجن الكلام بحسب رؤيته ومشاعره ومعرفته، ويبقى التقييم الدقيق لهذه المرحلة الزمنية المهمة في تاريخ الثورة المصرية خصوصا ومصر عموما يحتاج إلى ذوي التخصص من أهل العلم والسياسة في ضوء الواقع وتحدياته وفرصه ومميزاته.

هذا كله لا يمكن أبدا أن ينفي عن الرجل أنه وفّى تجاه كثيرا من القضايا، ومنها:
أولا: وفّى نحو إيمانه بالثورة من حيث المفهوم والمعتقد، وأنها الحل الأمثل للتغيير في ذلك الوقت، وإن اختلفت معه في بعض الممارسات أو القرارات التي اتخذها كما قلنا، إلا إنه دائما ما أعلن أن ثورة 25 يناير وتحقيق مبادئها دونها الحياة والرقاب، وأن شرعيته التي استمدت من الثورة لن يتنازل عنها أبدا ولو كلفته حياته، والرجل وفّى أحسن الوفاء، فما لانت له قناة أو عزيمة تجاه إيمانه بثورة 25 يناير 2011م.

ثانيا: الرجل أحسبه وفّى لدماء الشهداء الذين صعدت أرواحهم في ثورة يناير وما بعدها، لم يتنازل عن القصاص لدمائهم الزكية، قد تختلف معه في كيفية التعاطي مع القصاص، إلا أنه من المؤكد أن إيمانه بالقصاص لهم كان حتميا، وأقرب الأدلة على ذلك أنه صار شهيدا من أجل ما يعتقد ويؤمن بحسب ظنه وعلمه، الرجل لم يخن الله أو رسوله فيما أمر بحق الثورة أو القصاص للشهداء، الدكتور مرسي الشهيد بإذن الله يمثل مرحلة من مراحل الثورة، وطريق من طرقها، الثورة التي تغير الحال من الفساد والظلم والاستبداد إلى الصلاح والعدل والمساواة ليست أمرا سهلا أو هينا في إحداث حالة التغيير الجذري في واقع الأمة، إنما تمر بمراحل ومنعطفات كثيرة، كان أحد مقومات ثباتها واستمرارها وفاءَ ذلك الرجل وثباته أمام أكبر طغيان وظلم عرفته مصر.

ثالثا: الدكتور الشهيد مرسى وفّى نحو ما يؤمن به من إسلام حضاري إنساني يؤمن بقيمة الإنسان من حيث كونه إنسانا، لا بحسب معتقده أو خلفية سياسية معينة، المدة التي حكمها رحمه الله تعالى لم يظلم فيها إنسانا بسجن أو تقييد حرية، العام الذي حكم مصر فيه أصبح كل عاقل الآن يعلم مدى الحرية التي عاشها أبناء الوطن في التعبير عن آرائهم، لم يفعل هذا تصنعا منه رحمه الله قدر ما كان إيمانا بحق الإنسان أن يكون حرا فيما يقول ويفعل في إطار القيم المجتمعية وفي حدود القانون والدستور، وأظنه وفّى لتحقيق الحرية التي ينشدها الجميع أحسن الوفاء.

رابعا: رغم قصر المدة التي حكم مصر إلا إنه وفّى بحسب ما يملك تجاه قضية فلسطين والمسجد الأقصى وغزة، قدم الدعم الذي يمكنه نصرة لها، حيث قضية فلسطين محور الصراع في الشرق الإسلامي، إيمانه بعدالة القضية نابع من أصل ديني إيماني وليس مجرد صراع سياسي، فكان موقفه الحاسم والمعروف من حرب غزة، وبالفعل لم يترك غزة وحدها أمام آلة الحرب الصهيونية، ذكر الشيخ رائد صلاح شيخ الأقصى أن الدكتور مرسي ـ رحمه الله ـ الرئيس الوحيد الذي كان يتصل به ليطمئن على المسجد الأقصى.

قضية فلسطين أهم عوامل الانقلاب عليه رحمه الله، حيث أيقن الصهاينة أن الدكتور مرسي كأحد أبناء دعوة الإخوان المسلمين الذين جاهدوا في أرض فلسطين المباركة، والذي أصبح رئيسا للشعب المصري لن يبيع أو يهادن في ذرة تراب من أرض فلسطين، والأدلة على ذلك كالشمس في رابعة النهار لا ينكرها إلا أعمى القلب والبصيرة.

خامسا: أظنه وفّى تجاه الثورات العربية التي جاءت قبل ثورة يناير 2011م أو بعدها، فموقفه من ظلم الحكام المستبدين نابع من تصور إيماني أخلاقي فضلا عن المعنى السياسي، موقفه من الثورة السورية واليمنية والتونسية وغيرها من ثورات الربيع العربي معروف ومعلن، الأمة عاشت حلقة من حلقات الثورة في كثير من بلدان العالم العربي الإسلامي، وهذه الحلقات لها ما بعدها إن شاء الله ولكن بعضنا يستعجل النجاح المبهر الكامل الذي لا شك بإذن الله قادم، يحتاج إلى عدة النصر والأخذ بأسبابه، بعد هذه الخبرات التراكمية في النجاح الجزئي والإخفاقات المتعددة، وسيبقى وفاء الدكتور مرسي لحقيقة الثورة، وأنها بنية التغيير أحد الخبرات التراكمية للمستقبل القادم بمشيئة الله عز وجل.

سادسا: الرجل الذي وفّي في الحفاظ على مقدرات الأمة، وفي مقدمتها نهر النيل، شريان الحياة الذي يمتد في أرض مصر من أسوان إلى الإسكندرية، ومعلن ما قاله الشهيد: ” إن نقصت قطرة من مائه فدماؤنا هي البديل” أرعب الخائن والغادر في الداخل والمتربص بمصر في الخارج، ولعل وفاءه للنيل كان أحد أسباب الانقلاب عليه، والواقع خير دليل وشاهد، قالوا عنه: باع قناة السويس والأهرامات، وشهروا به في كل محفل وميدان، وبان الآن من الذي فرط، ومن الذي خان، فباع العرض والأرض والحقوق التاريخية لشعب مصر.

عشت رجلا يا سيدي، تعلمنا منك الأدب الجم، والسياسة المتوازنة، والجرأة في الحق، ومجاهدة الباطل، رضي الله عنك وأرضاك بمنازل الشهداء، ومرافقة الأنبياء، من عزيمتك نستمد العون والقوة بعد الله القوي، ومن إرادتك تتعلم الأجيال فن الثبات على الحق والاستمرار في الطريق حتى يأذن الله بالنصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى