مقالات

لا داعي ولا مِندعي

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

 قد يضطَر الفَقير في أحيان كثيرة على السُكوت عن حُقوقه أو إذلاله أو إهانته من القَريب أو البعيد . ليس خَوفا أو ضَعفا أبدا، ولكن المَشاكل تحتاج إلى نقود كحاجة المَركبات الى وقود … وإن كان لديه أطفال، فتلك هي الطامَّة الكبرى لأنهُ ( راح يشبع كفخات ) ولكن البُؤس قد يتراكم شيئا فشيئا، حتى يُصبح أطنانا من الإحباط، وعندها يكونُ المَوت هدفا وحُلُما عند الكثيرين بعد أن تعوَدت ألسنتهُم على تذوق المُر، وجُلودهم عن الشعور بالألم وأمعائهم على الصبر على الجوع، فقد كانوا يُطعمون أطفالهُم من سواعدهم ويَروونَ ظمأهُم بكؤوس من دمائهم …

في عراقنا المليء تاريخهُ بالحُزن والظُلم . جُمعت كل نفايات البشر في الدنيا . أرذلهُم وأكثرهم دونية، وعزلة وتعودوا على الخسة والانهزامية، والعُبودية، والكذب، والاحتيال، والسادية، وسلموهُم ذلك الرداء الأبيض الذي أطلق عليه بلاد وادي الرافدين . وشعبهُ الذي أتعبهُ الزمن لأنهُ حمّال الخطايا ومُختبر التجارب السياسية . سرقوا كل شيء فوق الأرض وتحتها . حولوا الحقوق إلى أحلام ثُم ذبحوها، وقريبا سيفعلون كما فعل القاضي الذي كان لا يُعيّن إلاّ برشوة يُقدّمها إلى مَن بيدهم الأمر . وأهم ما يسعى إليه بعد ذلك هو جمع المبلغ الذي قدمهُ وما يمكن أخذهُ أيضا من الناس . وذات يوم نقل إلى إحدى المدن التي كان أهلها يتجنّبون المشاكل وينزّهون أنفسهم عن العداوة والبغضاء،  فلم تكن هناك دعاوى، ومن ثمّ لا توجد رشوة،  فحار في أمره ولم يكن يعرف كيف يخرج من هذه الورطة،  وفجأة تفتّق ذهنه عن حلّ سديد، وطلب من حاجب المحكمة أن يقف على الباب، ويُدخل إليه أي رجل يمرُ من أمامهُ حتى يسأله القاضي : أنت داعي ؟ فيجيب : لا .. يا مولانا .. فيسألهُ أيضا : هل أنت مندعي ؟ فيقول : لا .. يا مولانا … فيقول لكاتبه : هذا الرّجّال( خوش آدمي) اكتب له شهادة، وخذ منهُ ليرتين رسوم … وبهذه الطريقة جمع الكثير من الأموال،  فاْنتشر الخبر وتندّروا به حتى وصل إلى الوالي الجديد،  وما أدراك ما المُمثل الجديد ؟ الذي انزعج من هذه التفاهة، وأمر بأن يوضع في يديه الحَديد ويُحال إلى هيئة النزاهة قبل العيد،  ولما دخل وجد مديرها الدلال، فأعطاه جزءا من المال، فتغيرت الأحوال، وتبين أنهُ بريء بعد فحص المعدة والطحال، والمَريء ولم يأكل شيئا من الحرام يا أمة الإسلام .

ولهذا علينا جميعا أن نعمل بطاقة الهوية التي تثبت أننا لسنا سرسرية، ولا مطلوبين أمنيا، أو إيرانيا، وإلا فأنت بعيد عن الوطنية، ومطرود من الدنيا غير مأسوف عليك، ولا عليَّ . وهذا الأمر رغم أنفك وليس بيديك … أيها الشعب الذي تعوّد السكوت حتى فقد الحَمِّية . رغم أنهُ من أحفاد رجال القادسية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى