مقالات

تونس الإمارات هل من أمل في اصلاح العلاقات رغم تباين المسارات؟

أنور الغربي

الأمين العام لمجلس جينيف للعلاقات الدولية والتنمية
مستشار سابق في رئاسة الجمهورية
عرض مقالات الكاتب

يدرك أغلب التونسيين بأن الدعوات الجديدة والمتجددة للإطاحة بالمسار الديمقراطي والإجهاز على مؤسسات الدولة، هي محاولات يائسة ولا وزن ولا تأثير لها على المستوى الداخلي، وإن كان من حق أي مواطن أن يعتصم ويتظاهر ويعبر في إطار القانون واحترام المؤسسات.
فأما الأمر الخطير وغير المسبوق فهو سكوت الديبلوماسية التونسية، ورئاسة الجمهورية على التدخلات السافرة والعدوانية للإعلام العربي المعادي لحرية وكرامة الشعوب ،والجميع يعرف بأن هذه النوعية من الحملات الإعلامية لا يمكن أن تحصل بدون توجيه ودعم رسمي من صناع القرار في هذه البلدان. فتونس ليست في حالة حرب مع الإمارات ومصر والسعودية، ولكن ما يصلنا هذه الأيام من الإعلام الموجه من هذه البلدان يبين بأن البعض ضاق ذرعًا برسوخ التجربة التونسية في مجال الديمقراطية والحريات، ويحلم بالإجهاز عليها ،ويعمل كل ما في وسعه في سبيل ذلك.
وتعددت التدخلات العبثية خاصة للإماراتيين ،وضاقت مساحة صبر التونسيين على السلوك المعادي لبلادنا وقيمنا وثوابتنا ؛ والآن أصبح من المؤكد والضروري أخذ خطوات ديبلوماسية في مرحلة أولى وقانونية إن اقتضى الأمر من أجل حماية البلاد ،والشعب من العبث والطيش.
فعلى المستوى الداخلي، فهناك أمر واحد مطلوب الآن من السلطات التونسية ،وهو كشف الحقيقة للشعب أيًا كانت هذه الحقيقة ،وعدم التردد في محاسبة المذنبين مهما كانت انتماءاتهم أو خلفياتهم.
وللتذكير فإنه يكاد لا يمر أسبوع دون أن يتم التطرق الى دور سلبي وأحيانًا تخريبي يقوم به الممسكون بمقاليد السلطة في دولة الإمارات العربية المتحدة في العديد من البلدان الاسلامية، ومازال الإعلام الدولي يتناول بالتحليل المغامرات المثيرة للقلق الشديد التي يقوم بها القادة الإماراتيون في كثير من البلدان الإسلامية مثل ماليزيا وتركيا واليمن وليبيا ومصر والجزائر وقطر والكويت وعمان والصومال وموريتانيا وغيرها ؛ واليوم أصبحت تونس في مرمى الهجومات التخريبية المباشرة.
ولقد أشرنا مرارًا لخطورة المشاريع “الموازية” التي تدعمها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة العدالة وحقوق الشعوب العربية والإسلامية وبخاصة عند تحولها من “الموازي” إلى التخطيط والفعل الانقلابي الدموي، وهذا ما أشارت اليه في السابق تقارير فرنسية وجزائرية ذات مصداقية.
بأن القادة الإماراتيين يرسخون صورة بلادهم لدى الشعوب العربية والإسلامية كدولة مارقة أو منبوذة، وهي الحليفة لأنظمة الاستبداد والفساد والقمع ولعل الوفود الإماراتية التي تشارك في القمم والفعاليات الدولية وقفت على هذه الحقيقة، لدرجة جعلتها تستعين وفي مناسبات عدة بجنسيات غير إماراتية لتكون ضمن الوفد الرسمي للدولة لمحاولة كسب التعاطف والدعم لمصالحها.
وندعو مرة أخرى السلطات الاماراتية إلى وقف تبذير ثروات الأجيال والحفاظ على مقدرات الشعب الإماراتي والتعقل والتوقف عن سياسات التدخل والوصاية واستحداث أو دعم الكيانات الوهمية و الموازية وغير المقبولة لدى الشعوب الحرة، ولعل نتائج الانتخابات في كل من تونس والمغرب وماليزيا وتركيا وتطور الأحداث في ليبيا والجزائر خير دليل على عبثية وخسران المشاريع المسقطة وغير الوطنية رغم كلفتها العالية.
وقد قلنا مرارًا ومنذ انتخابات أكتوبر 2011 في تونس بأنه يجب الانتباه والحذر الشديدين من الأدوار المشبوهة لرجال الإمارات في تونس ،وكذلك لتوابع منظومة الاستعمار الفرنسي التي استماتت في الدفاع على بن علي ورجاله وخدمه ؛ ونذكّر مرة أخرى بأنه يجب تقبل علاج مؤلم ليتعافى الجسم ،وسياسة المراوحة والتردد في التعامل مع هذا الملف ستجلب للبلاد والأجيال الويلات.
والآن السؤال المطروح هو كيف ستتصرف بلادنا مع هذه التطورات ؟ هل من الممكن مواصلة التعامل مع الملف الإماراتي وكأنه خلاف بين “أشقاء” ؟ أين وصل ملف التعويضات الإماراتية بخصوص ملف البحيرة والأموال التونسية المهربة في أبوظبي ودبي والشارقة؟ مرة أخرى نسأل لماذا تجاهل الحقائق ولا يتم مساءلة الأشخاص و الجمعيات والهيئات التي تحركها الإمارات في تونس؟ لماذا تم تجاهل التقرير الاستخباراتي الذي نشر منذ مدة وتعرض بالتفصيل لما يحصل اليوم في البلاد أي ترذيل المشهد السياسي ونشر الفوضى ومحاولة تغييب سلطة الدولة؟
ونذكر مرة أخرى بأننا وقفنا مع الإمارات العربية لرفض الضغوطات الدولية عليها، وعملنا مع المجتمع المدني على وضع شروط مقبولة للتحكم في وتيرة التجنيس ومعايير الحقوق المدنية بما في ذلك حق الانتخاب ل 90 بالمائة من سكان البلاد أغلبيتهم الساحقة من الهنود وقلنا مرارًا بأن تركيبة المجتمع لا تحتمل التساهل ،أو الخضوع للضغوط الاقليمية والدولية في ملفات التجنيس وحقوق الأقليات؛ وكنا مع الإمارات لما كانت تطالب بجزر طنب الكبرى والصغرى الخاضعتين للسيطرة والسيادة والاحتلال الإيراني.
ولكن في المقابل، يجب على قادة دولة الإمارات تصحيح مسارهم ،والاعتذار للشعوب والتراجع عن هذه السياسة الانتحارية قبل فوات الأوان وأن لا يثقوا بتحاليل توني بلير أو برناردينو أو عنتريات دحلان وغيره من الخدم فهؤلاء مجرد تجار ومصلحتهم في أن تبقى المنطقة في توتر دائم، وأن تبقى العداوة والتوجس بين الشعوب والحكام .
وليس من أولوية التونسيين الخوض في الشأن الإماراتي ولكن يؤلمهم ما وصل إليه حال هذا البلد في اتجاه عروض التطبيع المهينة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتبذير مقدرات البلاد في مشاريع خاسرة.
تتحدث التقارير الغربية الموثقة عن انقلاب ولي العهد محمد بن زايد على أخيه من خلال فرض العزلة والحصار على رئيس البلاد الشيخ خليفة ؛ وفتح العديد من الجبهات الخارجية مما جلب له ولبلاده خصومًا آخرين لا طاقة للدولة الصغيرة على تحمل تبعاتها؛ ويرى كثيرون أن أجندات الرجل الإقليمية والدولية صنعت واقعًا يصعب على الإماراتيين الخروج منه على المدى المتوسط والبعيد.
والغريب في الأمر ،هي المواقف المتشددة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، وتماهي السياسات المتبعة مع السياسات الإسرائيلية المعلنة ، فمنذ سنوات أعلنت السلطات في غزة عن كشف شبكة تخابر إماراتية تعمل تحت غطاء خيري، كما كان ولي العهد من الأوائل الذين قاموا بتصنيف المقاومة في فلسطين ووصفهم بالإرهاب قبل أن يتبنى ترامب ذلك علنًا ، وله مواقف وصفها الأتراك بالمعادية.
وتنظر مراكز بحث ودراسات روسية إلى تعاظم الدور الإماراتي والاستثمارات الكبيرة في صربيا على أنه يخدم الأمريكان والحلف الأطلسي بخاصة وأن الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات يخص الصناعات الحربية.
وتأتي التقارير الجديدة في الوقت الذي تخوض فيه البلاد معارك طاحنة لأثبات الوجود والتماهي مع السياسات الإسرائيلية والأمريكية المتطرفة ،مع تزايد كشف ملفات موظفين أممين ومسؤولين كبار وجمعيات على علاقة بالتمويلات الإماراتية المشبوهة، وتخضع الآن للمساءلة القانونية في عدد من البلدان منها: سويسرا، وفرنسا ،والنرويج.
الجميع يتمنى الازدهار والسلام للشعب الاماراتي ،وندعو قادة البلاد للتوقف فورًا عن هذا السلوك العدواني تجاه شعبنا، وفي كل الحالات سنتابع عن قرب ما ستقوم به الديبلوماسية التونسية في هذا الملف لأهميته على شعبنا في تونس ،ومن أجل أمن واستقرار منطقتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى