غير مصنف

كيفَ تُتخذ القرارات في حَياتنا؟

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

القرار : هو عملية عقلية يقوم بها المَرء لاختيار إسلوب تنفيذ فعل أو قول من بين عدّة خيارات مع الأخذ بعين الاعتبار الأهداف المنشودة والآراء المُناسبة لشَخصيته ،وتتطلب استخدام قُدرات التحليل والاستقراء والتقويم والاستنباط لأنها مُهمة جدا في حياة الفرد . فالإنسان يتعرض إلى مواقف كثيرة تحتاج إلى الاختيار المُناسب واعتماد الأفضل لتحقيق النتائج السليمة البعيدة عن أي أضرار يتوجّب مُعالجتها في وقت لاحق . فنحنُ بين طلوع الشمس وغُروبها يوميا نتخذ عشرات القرارات . منها ماذا سنأكُل أو نلبَس وأخرى في غاية الأهمية لأنها ترسم ملامح مُستقبلكَ وتُشَكِّل حياتكَ ولهذا يجب أن تُعطيَها انتباهًا أكبر وحرصًا أشد وللأَسَفِ يترُكها كثيرٌ منَا إلى الأهل أو الناس او الحَظِّ أوِ الصُّدفَة . منها قرار التَّدَيُّن والالتزام ومَن أُصاحِب ومَن أتزوج؟ وهناك فرقٌ كبيرٌ بين مَن عاش في ظُلُمات الشَّكِّ والتَّرَدُّد حتى تنتهي حياته وهو ما زال يسأل أين الطريق ؟ وبين من وجد ضالتهُ من البداية .

تراهُم يعيشون حالةً منَ التَّوَهَان والتَّشَوُّش رغم انهم يعرفون أنَّ التَّخَصُّص الجامعي الذي سيختارونهُ سيرسم ملامح مُستقبلهم ، وقد تجدهُ عازمًا على دراسة اللغة الإنكليزية وفي طريقِه إلى الجامِعة قابَلَ صديقه فغير رأيهُ الى كلية الإدارة ،أو تطوع الى الجيش أو الشرطة إرضاءً لوالده أو حبيبته. إن الفوضى العارمة التي تسود حياة شبابنا اليوم تُشارك في حالة التَّخَلُّف والتَّأَخُّر الذي تعيشه أمتنا . لأنه عند بلوغه مرحلة المُراهقة يبدأ بِفِقدان الاهتمام بأسرته وتعليماتها ويتجه إلى الأصدقاء أو قد يتعرف على رُفقاء السوء فينحدر إلى الهاوية ،لايعرف نفسه ولاتعلم كيفية قيادتها والنتيجة ، الضياع هل نلومه هو ؟ أم نلوم الأهل؟ أم البيئة ؟ هذا الأمر لا ينطبق على الصِّغار فقط فحتى نحنُ الكبار تترك الصُّحبةُ فينا أثرًا كبيرًا ، لأن الجلوس مع يائسٍ أو مُحبَط أو مُستهترٍ أو ضعيف الهمَّة ينقُل إليك حالتهُ النفسيَّة وموقفهُ من الحياة شيئًا فشيئًا وما هي إلا أيام حتى تجد نفسكَ غارقا في المُستنقع الذي جَرَّك إليه . فالمشاعر السلبية أو الإيجابية مُعدية مثل الأمراض والفايروسات .

إن منَ أشد القرارات أهمية وأخطرها تأثيرًا في حياتنا هي اختيار الزوجة أو الزوج ،لأن 90 % من أسباب البُؤس والانحراف ناتج عن الخطأ في اتخاذ قرار الارتباط واختيار نوع العمل … تتحول حياتنا إلى مأساة إذا اتخذ بعشوائيَّة وحالة من غياب الوعي والحسابات الدقيقة ، فبين شاب تقودهُ الشهوة والجهل ورغبات الأهل برؤية الحفيد والمزيد من الأطفال والعائلة التي تنظر إلى البنت كأنها جرثومة تريد التخلص منها في أقرب فرصة وبأي ثمن ، حتى لو كان على حساب كرامتها ، وهي لاتصدق أنها ستخرج من الدار الذي لم ترى فيه غير العبودية والذل ولم تشعر يومًا سوى أنها خادمة محكومٌ عليها بالأشغال الشاقة المُؤبدة . كم رأيتُم وسمعتُم عن فتاة مُتَوَقِّدة ونشيطة تَوَرَّطَت مع زوجٍ سيِّئ حَطَّمَها بكل ما لهذه الكلمة مِن معنى ، لم يُطفئ شُعلة الحماس وحُب الحياة لديها فحسب بل جَرَّعَها الأَلَم والمَرَارة وحَوَّلَها إلى كائنٍ ميِّت يمشي على الارض . جثة تتكلم وتأكل وتشرب وتتحرك أكثر قراراتها ،قد تكون مُستنبطة من مُسلسل تلفزيوني أو فلم لم تجد ما يملأ عقلها سوى تلك القصص ، وعندما تبحث عن السبب تكون الإجابة استهتار وتعجُل في الموافقة أو مُبررات غير دقيقة ، منها مثلاً : الجمال أو من أجل المال أو الجنسية الأجنبية وأحيانًا خفة الدم والخُدعة الأكثر شيوعًا هي الحُب . المشاعر الغير مُسيطر عليها والنفس الجامحة التي تريد إشباع شهواتها بأي وسيلة بغض النظر عن النتائج والتبعات . والمصيبة الأكبر هي عودتها بعد الانفصال مع كومة من الأطفال، ثم تبدأ حينئذ قصة اكبر خطيئة لن يفُضَّ شباكها إلا التدخل الإلهي … ومرحلة أخرى من بناء الشخصيات التي تأخذ جانب السلوك السلبي الذي يمد المُجتمع بالكثير من الافكار الخطيرة مع الأنواع الجديدة والغريبة من الجرائم والانحرافات .

إن التدريب على اتخاذ القرارات الصغيرة مُنذ الطفولة وطريقة رؤيتنا لأنفسنا واحترامنا لها، تلعب دورًا كبيرًا في رسم شخصياتنا ونمط حياتنا ونجاحنا يأتي نتيجة لصوابها وفي المقابل فإن الخطأ قد يُؤدي إلى الفشل .
تعلَّموا كيف تقولوا : لا … فقد انقذت هذه الكلمة الناجحينَ من مُشتتات كثيرة تعترض حياتهُم كل يوم لتصرفهم عن تحقيق أهدافهُم . قرارات قد نَتَّخذها في أوقات مُبَكرة من حياتنا في عمُر نحتاج فيه إلى المُسانَدة والتوجيه وللأسف قد نتجاوز آباءنا نتيجة كبريائنا وأفكارنا الخاطئة ونتجه الى فاشلين لأخذ آرائهم وندفع مُقابل ذلك ثمنًا باهظا .

يعتمد الصواب في اتخاذ القرارات على دقة المعلومات والحلول ودراسة مزاياها وعيوبها والنتائج المُترتبة على اختيار أحدها ،وتختلف طبيعتها تِبعاً لاختلاف الزمن الذي ظهرت فيه فقد تكون على شكل حقائق يقدّمها أصحاب الخبرة ووجهات نظرهم تجاه مُشكلة أو وضع مُعين ، هكذا يُصبح الفرد مُلماً بجميع السلبيات والإيجابيات ونقاط القوة والضعف حتى يستقر الاختيار ، وتأتي عملية التنفيذ تتبعها بداية ظهور النتائج المُترتبة عليها سلبية كانت أم إيجابية وبدء عملية تقييمها ومدى كفاءتها في تلبية المُتطلبات التي وُضعت لأجلها وفي حال التعثر والخطأ يجب إعادة هيكلة قرارات بديلة وتصحيحيّة لسد الثغرات وإيجاد الحلول المُناسبة ،وهذه المهارة تتطور بالتدريب المُستمر والدراسة واكتساب الخبرة من التجارب السابقة .

إن من الأسباب التي تُنَمي القُدرة على حُسن الاختيار هي مُراعاة الحقائق العلمية والابتعاد عن التشبث بالرأي والتحلي بالمرونة والسلاسة وطرح البدائل وعرضها بطريقة موضوعيّة وحياديّة هدفها حل المُشكلة ومُراعاة الراحة البدنيّة والنفسيّة ،ولا يجوز أن يتخذ الفرد قرارًا مُعينًا وهو في حالة من الإرهاق والابتعاد عن الاستهانة، و التضخيم تجاه بعض المعلومات ،وتجنُب القيام ببعض الإجراءات غير معروفة النتائج .والأهم التأخير ومنح النفس فرصة التفكير المنطقي ،ومن أجل عدم الوقوع في مطبات الحياة يُمكننا تطبيق المُعادلة التالية ( المثير ، هو كل ما يثيرنا من مال وجمال وشهوة ومناصب ، ثم التفكير ، وبعدها ردود الافعال ) هكذا سنبتعد كثيرًا عن الندم . لأن المُخطئ دومًا يفهم المعادلة ويطبقها بهذا الشكل ( المثير . رد الفعل ثم التفكير )

والسؤال الذي علينا أن لاننساه أبدًا هو … هل يُمكن أن يعود بي الزمن حتى أعدل أو أبدل قَرارتي وهل يُمكنني أن أصححَ مَسيرتي وأخطائي في حياتي ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى