مقالات

ابن زايد بين رشاوى العسكر والهزائم العسكريّة

يوسف الحمود

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

يعتبر محمد بن زايد من أكثر الشّخصيّات العالميّة في السّنوات الخمس الأخيرة شهرةً وإثارةً وعدوانيّةً في كلّ حقول الصّراع المفتوحة وغير المفتوحة في منطقة الشّرق الأوسط، وتكمن المعادلة في عدم التّوازن بين حجمه الجغرافيّ والدّيموغرافي وبين مشاريعه العابرة للحدود ومغامراته العسكريّة الشّرسة في دعم الدّكتاتوريّات والعسكرتاريّات العربيّة، لأنّ النّجاح مرهون بالقدرات العسكريّة والبشريّة والإيديولوجيّة والإستراتيجيّة القادرة على التّمدد والتّوسّع في حقول الصّراع المفتوحة في ليبيا واليمن وغيرها من المواقع، ولا يملك ابن زايد من مقوّمات الصّراع سوى الاقتصاد والقدرات الماليّة الكبيرة الّتي ظنّ أنّها العامل الحاسم في معاركه السّياسيّة والعسكريّة دون إدراك لأبعاد الصّراع وشروطه الموضوعيّة والإستراتيجيّة، ويمتلك ابن زايد باعتباره الحاكم المطلق في الإمارات 6 % من البترول في العالم ويدير ثالث أكبر صندوق استثمارات عالميّ، كما أنّه يعتبر من أكبر الشّخصيّات ثراءً إذ يتحكّم بثروات إجماليّة تبلغ قيمتها 3،1 تريليون دولار ممّا جعله من أكبر زبائن ” لوكهيد مارتن ” شركة الصّناعات العسكريّة في العالم، كما أنّه استطاع الوصول إلى كثير من المؤسّسات الدّوليّة ومراكز القرار من  خلال مستشاريه من الإسرائيليّين والأمريكيّين والغربيّين ممّا مكّنه من إقامة شبكة مرعبة من المافيات والمرتزقة وتجّار الحروب الّذين يقيم أكثرهم في أبو ظبيّ في السّنوات الأخيرة.

من المعلوم أن ابن زايد كان مهووساً بعداوة الإيرانيّين والإخوان المسلمين، ولكنّ عدواته توسّعت إلى عموم الإسلامييّن الحركييّن وإلى مجمل الرّبيع العربيّ بشكلٍ هستيريّ لا مثيل له في تاريخ الصّراعات المعاصرة، إضافةً إلى عداوة طاحنة ومفتوحة مع تركيّا وقطر باعتبارهما داعمتين للإسلاميّين وللربيع العربيّ عموماً، وبذلك أصبحت الإمارات رأس الحربة في معسكر ما يسمّى بالانقلابيّين وهو المعسكر المضادّ للثورات العربيّة والدّاعم للدكتاتوريّات العسكريّة.

لقد تمّ دعم السّيسيّ بأكثر من 14 مليار دولار بحسب كثير من المواقع إضافة إلى استثمارات هائلة في الاقتصاد المصريّ والسّيطرة على مفاصل ماليّة حيويّة كانت مملوكة للدّولة، كما تمّت رشوة حاكم موريتانيا العسكريّ وتهديده بتجميد الأموال في بنوك الإمارات ممّا جعله يرضخ للإملاءات الإماراتيّة وهذا ما جعل الباحث الموريتانيّ عبد الرّحمن ولد غده يقول: ” أينما تجد انقلاباً على الدّيمقراطيّة في بلاد العرب فابحث عن أصابع أبو ظبيّ”، وكلّ ذلك لإقصاء التّيار الإسلاميّ والدّيمقراطيّ، كما تمّ إغلاق ” مركز تكوين العلماء ” الّذي أنشأه الدّدو بإيعاز إماراتيّ.

وليس خافياً الدّعم الّذي قدّمته السّعوديّة والإمارات لعسكر السّودان في ذات السّياق الصّراعيّ مع قوى التّحرّر المدنيّ الممثّلة بقوى الحريّة والتّغيير، وترتيب لقاء البرهان مع نتنياهو.

إنّ هذه الرّشاوى والأموال الشّيطانيّة الهائلة بدأت بالتّبدّد والخسران بعد خمس سنوات من الحرب في اليمن وليبيا وهذا ما جعلها أكبر مستورد للأسلحة بين عاميّ 2011 – 2015 ورابع أكبر دولة مستوردة للسّلاح في العالم ، وزادت حدّة الهوس والجنون في دعم عمليّات حفتر الأخيرة منذ 2014 واستعرت منذ 2019 وحتّى الآن ورغم شدّة التّمويل والقصف المباشر لطرابلس إلاّ أنّها عجزت أن تسقط طرابلس وخاصّة بعد أن زوّدت حفتر في العام 2020 كما قالت صحيفة الغارديان بأكثر من خمسة آلاف طن من الإمدادات العسكريّة والتّكنولوجيّة عبر أكثر من مائة رحلة جويّة على الرّغم من قرار الأمم المتّحدة بحظر توريد الأسلحة.

إنّ الخسائر و الهزائم الأخيرة في ليبيا تؤشّر إلى حقيقة واضحة بأنّ ضخ الأموال ورشوة طواغيت العسكر في الشّرق الأوسط والعالم العربيّ ليست كافيّةً للانتصار في الحروب ورسم استراتيجيّات طويلة الأمد لصالح هذه الأنظمة الطّغيانيّة الشّموليّة الّتي تريد أن تلعب فيها الإمارات دور ” إسبرطة الشّرق الأوسط ” كما في تعبير الكاتب الفرنسيّ البروفسور جان فيليو الخبير بشؤون الشّرق الأوسط.

إنّ الانهيارات والهزائم الأخيرة جعلت حفتر وداعميه يطلبون وقفاً لإطلاق النّار وهو وقف واضح أنهّ كاذب وتكتيكيّ لاستعادة ترتيب الأوراق والأولويّات، وبغضّ النّظر عن الدّعم التّركيّ الّذي غيّر الموازين العسكريّة والحسابات الميدانيّة إلاّ أنّ هناك أمراً أشدّ وضوحاً وهو إرادة الشّعوب في الدّفاع عن وجودها وقضاياها المصيريّة ممّا جعل صمود اللّيبيّين لمدة عام كامل في طرابلس هائلاً وعظيماً وكلّ ذلك قبل التّدخّل والإسناد العسكريّ التّركيّ.

ومن هنا بدأت أهداف ورهانات ابن زايد التوسعيّة والعدوانيّة بالانهيار، وهو الّذي كان يسعى للقضاء المطلق على الثّورات العربيّة وعلى كفاح الإسلاميّين ضمن الرّبيع العربيّ لإحداث التغيير والانتقال السّلميّ والدّيمقراطيّ للسّلطة، كما كان يسعى إلى حرمان الإسلاميّين من مجرّد المشاركة في الحياة السّياسيّة والدّيمقراطيّة في كلّ النّماذج والثّورات العربيّة، وهذا ما جعله حليفاً إسرائيليّاً وأمريكيّاً موثوقاً به لتنفيذ هذه الأجندات الكارثيّة الهدّامة.

إنّ كابوس البعبع الإسلاميّ ومحاولات إطفاء جذوة الرّبيع العربيّ جعلت من ابن زايد يعيش عقدة جنونيّةً هستيريّةً فظيعةً للنّجاح بالمال والرّشاوى وتعميق التّنسيق مع الجانب الصّهيو أمريكيّ ناسياً أنّ صراعات التّاريخ تحدّدها سنن إلهيّة وقيم وشروط موضوعيّة وإيديولوجيّة للصّراع والتّدافع وأنّ معادلة رشاوى العسكر لم ولن تنجب إلاّ الهزائم العسكريّة.   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى