مقالات

أسماء هندية وأسماء سورية

م. خالد المحيميد

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

تقول الحكاية : إن الهنود الحمر- سكان أمريكا الأصليين – درجوا على تسمية أبنائهم المولودين حديثاً وفقاً لظاهرة طبيعية شاهدها الأب عند ولادة ابنه أو وفقاً لحدث تزامن مع قدوم ذلك المولود ، وربما تبعاً لأول شعور أو حالة يمر بها الأب فور خروج (الداية) من خيمة القصب لتبشره بمولوده .

وجرت العادة أيضاً – وفق الحكاية – على أن تكون تلك الأسماء طويلةً ومركبةً ، بل قد يبلغ اسم الشخص لديهم من الطول بأن يشكل جملة تصف لك الحالة أو المشهد وصفاً تصويرياً دقيقاً يأخذك إلى تلك العوالم البكر الساحرة .

فحين تكون الولادة في يوم شتويّ مطير مثلاً يمكن أن يكون اسم المولود : خيط الماء المنساب على ورقة موز عريضة في يوم ماطر ، وإذا وقعت عين الأب على الغيوم في ذلك الحين سمى مولوده : أكداس الغيوم السوداء المتلبدة فوق جبال الآنديز .

وربما كان اسم المولود الذي يأتي في يوم عاصف : صفير رياح الشمال عند مرورها على على أغصان شجر الماهوجاني على ضفاف الأمازون .

وكذلك قد تجد لديهم أسماء أخرى مثل : صهيل الخيول قبل سباق حماسي عظيم للفوز بقلب ابنة شيخ القبيلة ، أو هجوم البيض في ليلة مقمرة على ظهور خيولهم الحديدية .

هذه الحكاية البسيطة وبصرف النظر عن صحتها وبصرف النظر عن مصدرها أيضاً ، تعكس لنا نمط حياة لأولئك الناس ، وتصور لنا واقعاً معاشاً إلى حد ما ، مبينة لنا من خلال مفردات وتراكيب تلك الأسماء مدى ارتباط الهندي بالطبيعة والمناخ وعناصرهما ، لكن وفي المقابل فقد أوحت لي هذه الحكاية أيضاً بفكرة لا تخلو من طرافة ، إذ ماذا لو اتبعنا – نحن السوريون – طريقة هؤلاء القوم في تسمية أبنائنا ؟

فماذا يمكن أن نجد في سجلات القيد المدني من أسماء ؟

أظن أننا سنجد من بين تلك الأسماء مثلاً : الخائن الذي سلم المحتل وثيقة ً يطالبه فيها بدوام الاحتلال وإقامة دويلة لهم في بعض الجبال ، ولكن سنجد في سجل آخر وفي الفترة عينها  : المقاوم لاحتلال بلاده حتى آخر قطرة من دمه الزكي .

وفي فترة لاحقة ربما تجد : الرئيس المُنقَلَب عليه يعود ليحكم فترة أخرى قبل أن نمزق صورته ، وستجد في السجلات نفسها : البرلماني الذي رفض الموافقة على استبدال سيارة السيد الرئيس أو إصلاحها، أو الرجل الأول في البلاد الخارج من صلاة الصبح ليقف في طابور الخبز دون مرافقة أو حتى سائق .

في فترة تلت ما سلف تطالعنا السجلات بأسماء لم يكن في بال أحد أنه قد يأتي ذلك اليوم الذي يسمع فيه ما يسمع ، مثل : الخائن لرفاقه الذي اغتصب السلطة في بلد الحضارات ، وهذا المولود نفسه له من الأسماء ما يفوق العدّ ، منها : بائع الجولان في زمن الخذلان ، الحارس الأمين لحدود المحتلين ، مرتكب المجازر في عهد لم تكن فيه الفضائيات قد دخلت البلاد، والكثير الكثير …

وفي عهده أيضاً درجت بين العامة أسماء جديدة أيضاً مثل : المنسيُّ في سجن تدمر منذ سنوات طوال دون ثبوت أية تهمة عليه ، الخارج من المعتقل وفي رأسه مرض سببه التعرض المديد للصعق بالكهرباء حيث لم يستطع التعرف على ذويه ، ومن أسماء النساء : المُعيلة لخمسة أيتام بعد أن مات زوجها في سجن صيدنايا تحت التعذيب .

في الفترة التي تليها تغير إيقاع تلك الأسماء بحكم حتمية التطور الزمني للمجتمعات وربما بفضل التواصل الكبير بين الأمم ، والأهم هو أننا نفضنا عن أنفسنا غبار المهانة ، فأصبحت الاقراص المدمجة والحافظات الرقمية تطالعك بأسماء جديدة مثل: الوريث القاصر ، ذيل الكلب ، مختار المهاجرين ، أم منجل ، المندسّون، فبركات إعلامية ، ومن أسماء البنات في حاسبات أخرى تجد : ثورة ، حرية ، كرامة ، أما أسماء الرجال فمنها : ثائر ، حر ، شهيد ، مهندس لوحات كفرنبل رائد الفارس و حارس ثورة الكرامة الشهيد عبد الباسط الساروت .

اي نعم..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هناك على الساحة العربية مفرزات أسماء كثيرة يا صديقي
    أرجو أن تجعلها ملحقا لهذا المقال الرائع
    إسقاط جميل على ساحة السياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى