تحقيقات

التمييز العنصري من منظور إسلامي

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

تتوجه الأنظار منذ أيام مولية وجوهها شطر الولايات المتحدة عقب الحادثة المفجعة التي وقعت فيها وهي قتل المواطن جورج فلويد بدم بارد وجريمته الأساسية التي ارتكبها هو أنه ذو بشرة سوداء.

هذه الحادثة العنصرية المقيتة دفعتني للحديث عن التمييز العنصري وموقف الإسلام منه.

جاء في معجم المعاني الجامع: أنّ العنصرية مصدر صناعيّ من عنصر: مذهب يفرّق بين الأجناس والشعوب، بحسب أصولها وألوانها، ويرتّب على هذه التفرقة حقوقاً ومزايا، مذهب المتعصبين لعنصرهم، أو لأصلهم العرقيّ.

والحقيقة أن العنصرية كانت منتشرة ومستشرية في العصور البدائية ما قبل مجيء الإسلام، سواء أكان ذلك عند العرب أو عند الفرس والروم.

وعندما جاء الإسلام الذي يحمل بين طياته الرحمة والخير والحب والفضيلة والجمال، حاول أن يقضي على كل من يعكر صفو الإنسانية، واعتبر الإنسان سيد الكون، وحارب وحرّم كل المظاهر التي من شأنها أن تغمز من إنسانية الإنسان، فحرّم الظلم والاضطهاد والغش والتكبر والتجبر والسخرية… وأحلّ كل ما يسمو به ويرفع من شأنه، وسخر له كل الكائنات الأخرى من حيوان ونبات…” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)”  الإسراء

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” (4) التين

وعندما جاء الإسلام كانت هناك ظاهرة الرّق مستفحلة في المجتمع، فحاول القضاء عليها رويدًا رويدًا وذلك بجعل كثير من كفارات للذنوب لا تكون إلا بتحرير رقبة.

وأما ظاهرة التمييز العنصري في اللون والعرق والشكل والحسب والنسب واللسان…فقد غلظ في محاربتها ومناهضتها؛ لأنه ليس للإنسان يد فيها، فإذا خُلق الإنسان وكان أبيض أو أسود أو طويل أو قصير أو معاق…فليس عليه حرج في ذلك، وإذا ما وُلد أبيض وكامل الخلقة فليس له فضل في ذلك، لأن الأمر ليس بيده.

ومن هنا جاءت النصوص المقدسة والقصص التي تذم وتحذر كل من يقع في شراك هذه الجريمة (جريمة التمييز العنصري).

وكان أول من مارس هذه الجريمة الشيطان

“قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ” (12)  الأعراف

ولو وقفنا عند الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تناولت هذه القضية لوجدنا أنها تفيض بالحديث عن هذه الظاهرة وتحذر من مغبتها، نذكر من ذلك يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) الحجرات

” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات

ومن الأحاديث الشريفة

“لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى”

“دعوها فإنّها منتنة”

انصر أخاك ظالماً أو مظلومًا، فقال رجل: يارسول الله ، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره”.

وجاء في خطبة الوداع:

أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم.

ومن القصص التي تُروى في هذا الصدد: أن عمرو بن العاص أرسل عبادة بن الصامت وكان أسود على رأس وفد للتفاوض مع المقوقس عظيم القبط، فاستاء المقوقس من سواد لونه وطلب من الوفد أن يفاوضه غيره، فرفضوا لأن الأمير أمّره عليهم وهو أفضلهم رأياً وعلماً,

ويُروى أن بعض التابعين وهو الأحنف بن قيس كان قصير القامة، أسمر اللون، أحنف الرجل، فيه عرج، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، لم يكن شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضب غضب لغضبته مئة ألف سيف لا يسألونه فيمَ غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ماشربه…

وهكذا يتبين لنا مما تقدم عوار الحضارة الغربية وزيفها، على الرغم مما وصلت إليه من تقدم في اختراع التقنيات والأسلحة الفتاكة، ولكنها بقيت عاجزة عن بناء القيم الإنسانية الرفيعة.

ولا يمكن أن نصف تلك الحادثة التي حدثت مع جورج فلويد إلا بالردة الهمجية إلى العصور الحجرية.   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى