مقالات

حفتر والسيسي والبشير وآخرون أمثالهم.. كيف طال التعفيش لقب “المشير”؟

ياسر العيسى

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

يذكر التاريخ، أن الجنرال الفرنسي ديغول الذي قاد بلاده إلى نصر عسكري وسياسي في الحرب العالمية الثانية، لم يحمل رتبة مارشال (مشير)، لأن فرنسا اعتبرت أن دخوله باريس محرراً لها، وتأسيسه الجمهورية الخامسة (عام 1958)، وتحقيقه انتصارات وانجازات عسكرية عدة، لا تخوله لنيل هذه الرتبة، التي حصل عليها رجالاً أسهموا في معارك كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى.

في أمريكا، لا يوجد الآن من يحمل هذه الرتبة، التي يقابلها “جنرال الجيش” في تسميات الجيش الأمريكي، ولم يحصل على هذه الرتبة في تاريخ هذا الجيش سوى 5 ضباط، لإسهامهم في الحربيين العالميتين الأولى والثانية، وآخرهم “أومار براديلي” عام 1950.

الجيش الألماني، منح رتبة جنرال فيلد مارشال (مشير) لحوالي 100 من الضباط على مدار تاريخه، جلهم كان ما بين عام 1806، وتاريخ انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، ولا يوجد أي شخص منهم اليوم على قيد الحياة.

في الصين، أعلى رتبة في الجيش حالياً هي رتبة الجنرال، ولا توجد فيه رتبة المارشال، وآخر من نال هذا اللقب كان في عام 1955، ومنح لعشرة من كبار الضباط، قبل أن يصدر قرار إلغاء الرتب العسكرية (1965)، ومن ثم إعادتها عام 1988، باستثناء رتبة مارشال.

المفارقة، أن الدول العربية التي تمتلئ صفحات تاريخ جيوشها الحديث بالهزائم، لم يمنعها هذا التاريخ المخزي من “تعفيش” هذا اللقب، من قبل أشخاص هزموا، وآخرون لم يكونوا في الميدان أصلاً.

الجنرال الليبي خليفة حفتر، ممن اعتاد تاريخه العسكري على الهزيمة تلو الهزيمة، كان من بينها هزيمته في تشاد التي أسر فيها وأودع السجن، صاحب الانقلابات الفاشلة، عرّاب الثورة المضادة في ليبيا اليوم، لكن كل هذا لم يقف حائلاً أمامه لـ”تعفيش” لقب المشير، وهو – اللقب – الذي الذي لم يتجرأ حتى معمر القذافي بسطوته الحديدية على “تعفيشه”، وبقي على لقب العقيد عقب انقلابه على النظام الملكي واستيلائه على السلطة عام 1969.

رتبة المشير (المارشال)، أعلى رتبة عسكرية في أغلب جيوش العالم، لا يوجد إلا عدد قليل يحملها خارج بلادنا العربية ، لأنه يجب توفر ميزات وشروط صعبة لصاحبها، من بينها قيادة الجيش في إحدى الحروب (وليس المعارك) والانتصار فيها، مع ذلك حملها الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، ويحملها اليوم عبد الفتاح السيسي، وعبد ربه منصور هادي، وحفتر، مع التنويه إلى اختلاف تسمية هذه الرتبة في دولةٍ مثل العراق؛ حيث تسمى “مهيب”، وفي سورية يطلق عليها اسم آخر وهو “فريق”، و”عفشها” بشار الأسد بعد تسلمه السلطة من والده، الذي “عفشها” من قبله.

في اليمن يوجد 3 أشخاص حصلوا على رتبة المشير، جميعهم من رؤساء اليمن، وآخرهم عبد ربه منصور هادي ومن قبله علي عبد الله صالح، وفي البحرين يوجد اثنان حاصلان على رتبة مشير، بينهم الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وفي عُمان لم يحصل أحد على هذه الرتبة إلا السلطان السابق قابوس.

في مصر حصل على رتبة المشير 10 أشخاص كان أولهم عبد الحكيم عامر، وتولى قيادة القوات المسلحة المصرية في هزيمة 1967، وآخرهم السيسي، وكان “تعفيشه” هذا اللقب عام 2014، عقب انقلابه واستلامه السلطة، رغم عدم خوضه أي حرب وخلوا تجربته من أي إنجازات عسكرية، وكان رد “طبيلة” السيسي على هذه الفضيحة العسكرية والسياسية في تاريخ الجيش المصري الحديث “مشيرُ بلا حرب”، أن السيسي يخوض “حرباً ضد الإرهاب” ولذلك يحقُّ له الحصول على رتبة مشير..!!

يقول الفريق حمدي وهيبة رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق، في تصريحات سابقة لبرنامج “يحدث في مصر” على قناة “ام بي سي مصر”، إنه “على المستوى الدولي لا يمكن منح هذه الرتبة إلا لقادة الجيوش الذين يخوضون معارك وحروباً ميدانية، وينتصرون بها”.

إن كان هذا شرط الحصول على لقب “المشير” وفق تأكيد المختصين، فكيف الحال إذاً بمن لم يخض حرباً بالمعنى الحقيقي، وأمثالهم كُثر في الوطن العربي وعلى رأسهم السيسي والأسد، أو بمن لم ينتصر في أي حرب خاضها، وأمثالهم كذلك كثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى