مقالات

بين بشار والنمرود

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

يقول الكاتب بيرل باك: ” لو أردت فهم الحاضر فادرس التاريخ”

ويقول شيشرون: ” من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلاً صغيراً”.

ويقول جورج برنارد شو: ” إذا أعاد التاريخ نفسه سيظهر عجز الإنسان عن التعلم من التجارب”.

وقد صدرت أقوال كثيرة عن أقلام الكتاب والمفكرين حول أهمية التاريخ منها من يراه ممكن التكرار ومنها من يراه أنه مرحلة من الزمن قد ولّت ولا يمكن أن تعود.

والذي أراه أن التاريخ مدرسة كبيرة لا يمكن لمفكر أو مبدع أو شاعر أن يتميز في فنه إلا ويكون قد نهل من معين تلك المدرسة وإلا سيكون هزيلاً وضعيفاً ومتقهقراً.

والواقع الذي يتراءى لي أن التاريخ لا يمكن تكراره مرة ثانية بجسده وروحه وإنما يمكن أن يُستعاد بروحه فحسب.

وهناك صور متعددة في الأحداث والدول والشخصيات نجد لها مثيلاً في التاريخ وسأقف عند شخصيتين أرى أنهما متشابهتان في إيغالهم بالدماء والإجرام وهما شخصية قد طواها التاريخ منذ آلاف السنين ولكن ذكرها ما يزال على الألسنة والأقلام وهي شخصية(النمرود) والشخصية الثانية هي معاصرة وماثلة أمامنا وهي مازالت تمعن في الإجرام وسفك الدماء منذ عشرة أعوام، ألا وهي شخصية  المدعو بشار أسد.

على الرغم من البون الشاسع من حيث الزمن بين المجرمين إلا أن القرب الصارخ بالصفات لا تخطئه البصيرة بينهما، فكلاهما صاحب سجل أسود تفوح منه رائحة كل ألوان الموبقات، ولو شرعنا بترجمة حياة هذين الكائنين لأدركنا القواسم المشتركة بينهما والتنافس الهستيري في إراقة الدماء.

وأستهلها بالحديث عن النمرود.

هو ملك بابل واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، وكان أحد ملوك الدنيا وقد وُلد في قرية يقال لها “برس”  في ناحية طريق الكوفة.

إنّ الله سبحانه وتعالى حين أراد أن يبعث إبراهيم عليه السلام حُجّة على خلقه ورسولاً إلى عباده، لم يكن فيما بينه وبين النبي نوح عليه السلام إلا هود وصالح.

ولمّا تقارب زمان إبراهيم عليه السلام ذهب فريقٌ من الكهنة إلى النّمرود، وقالوا له:

لقد علمنا من أخبار النجوم التي نرصدها أنّ غلاماً سيولد في قريتك اسمه إبراهيم وأنّ هذا الغلام سوف يفارق دينك، ويُكسّر الأصنام في شهر كذا وفي سنة كذا، وصَدّق النمرود ما قالوا.

ولمّا أتت السنة التي ذكرها المنجمّون أمر النمرود بسجن كلِّ النساء الحَبَالى!..

وذَبْح كلِّ غلام يُولد، ولم تُسجن أمّ إبراهيم، إذ لم يعلم أحد بأنها حُبلى لأنّ حكمة الله تعالى أرادت ألا يَكبُر بطنها ولا تظهر عليها مظاهر الحمل.

حتى زوجها آزر والد إبراهيم لم يَفطن إلى حملها إلا قُبيل ولادتها بأيامٍ معدودة.

  ولمّا أحسّت أمّ إبراهيم بالطّلق، تسلّلت من بيتها وذهبت إلى جبلٍ قريبٍ، ودخلت إحدى المغارات ووضعت طفلها فيها وأرضعته أمّه ثمّ سَدّت عليه باب المغارة ببعض الأحجار حتى تحميه من الوحوش، وعادت إلى دارها حتى لا يستلفت غيابها انتباه الناس.

ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل، فكان يشبّ في اليوم ما يشبّ غيره في الشهر وكانت تجده حيّاً يمصّ إبهامه جعل الله رزقه فيها.

وعندما ترعرع إبراهيم عليه السلام وكبر في مملكة ذاك المتكبر الطاغية الذي يُسمى النمرود وكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار فإذا مرّ به ناس (بنمرود) قال: من ربُّكم؟ قالوا: أنت، حتى مرّ به إبراهيم، قال: من ربك؟ قال: ” رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة

قال: فردّه بغير طعام.

ولما دعاه إبراهيم  الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، حمله الجهل والضلال وطول الإمهال على إنكار الصانع، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادّعى لنفسه الربوبية.

فلمّا قال له الخليل: ” ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت” البقرة 258

يعني أنه إذا أتى بالرجلين قد تحتمَّ قتلُهما، فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.

وقد حاول النمرود إحراق إبراهيم عليه السلام في القصة المعروفة فنجاه الله تعالى من فجور ذلك المتمرد وتحولت النار إلى برد وسلام بقدرة الله عزّ وجلّ.

إنّ أول جبّار في الأرض كان نمرود، وجار بالفجور والعَسْف، وبسط يده في القتل، وكان أوّل من سنّ الصّلب وقطع الرّقبة، وأول ملك يأمر بأن يُذكر اسمه في الأغاني التي يأمر أفراد الشّعب بالتغنّي بها في المناسبات التي تحلو له.

وقد كانت نهاية هذا الملك الجبار مذلة ومهينة، حيث بعث الله تعالى له ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى عليه، ثم الثالثة فأبى عليه، وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، فأرسل الله عليه ذباباً من البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس، وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاماً باليةً، ودخلت واحدةٌ منها في منخري الملك، فمكثت في منخريه أربعمئة عام، فعذبه الله أربعمئة سنة كملكه وأماته الله.

تلك هي قصة حياة ذلك السفاح الذائع الصيت.

أما الشخصية الثانية فهي شخصية معاصرة ربما قرأت ترجمة الشخصية السابقة واقتدت بها بل حاولت أن تبزّها؛ إنها شخصية مجرم العصر المدعو بشار أسد.

لقد اعتلى هذا الكائن عرش سورية عام 2000إثر موت أبيه وورث سورية عنه وقد كانت يدا أبيه ملطختين بالدماء وقد تجاوزت ضحاياه  ال40000 الأربعين ألف إنسان مدني، فبشار سليل والد مجرم، ويبدو أن الإجرام متأصل في جينياتهم ينتقل من السلف إلى الخلف.

حكم بشار سورية بالحديد والنار، فنهب الشعب وأفقره واعتقله وقتله وأذله مدة أحد عشر عاماً حتى ضاق الشعب به ذرعاً وقرر خلعه بعد أن رأى أن الوقت قد أزف وأن الصبر قد نفد، فراح الشعب يتعاطى مع الطاغية بالمظاهرات والأساليب السلمية الأخرى أسوة بالدول المتقدمة والمتحضرة، ولكن هذا الكائن المفعم بالأمراض النفسية (جنون العظمة – السايكوباتية – السادية – النرجسية) قد صبّ جام غضبه وأمراضه على الشعب وشرع بطريقة هيستريا يقتل ويعتقل وينفي …

واستدعى كل شذاذ الآفاق من الدول والميليشيات والأفراد ليناصروه ويساعدوه في قتل شعبه حتى بلغ عدد ضحاياه ما يناهز المليون، وعدد المعتقلين نحو المليون أيضاً، وهجّر أكثر من سبعة ملايين أطفال وشباب وشيوخ وقام بأفعالٍ لا يمكن لأي شخص طبيعي القيام بها.

ولو وازنا بين الشخصيتين على الرغم من تباعد المسافات والظروف والحياة، لوجدنا ثمة نقاط كثيرة متماثلة بين هذين الشريرين.

فكلاهما ملتصق بالكرسي ولا يمكن أن يفرط به ولو قتل جميع مواطنيه وكلاهما مصاب بداءات نفسية معضلة لا يمكن علاجها فهما يعشقان ويتلذذان بإراقة دماء الآخرين وتعذيبهم، ووكلاهما أجبر الشعب على تمجيده ومدحه إلى درجة التقديس والتأليه، فقد رأينا فيما سبق من سيرة النمرود أنه يطلب من الناس أن يؤلهه، ويقتل كل من يشم منه رائحة المعارضة، وكذلك رأينا على القنوات التلفزيونية كيف يطلب شبيحة نظام الأسد من المعتقلين السجود لصورته وإلا فتكوا بهم، لكن إذا ما نظرنا بموضوعية إلى الشخصيتين واخذنا بعين الاعتبار المراحل التاريخية لوجدنا أن النمرود أخفّ وطأة من بشار؛ لأن الحقبة الزمنية التي كان يعيش فيها، يسيطر عليها حكم الفرد والديكتاتورية والناس بعيدون عن الرسائل السماوية، أما حقبة بشار فإن الرسائل السماوية كلها نزلت، والعالم بأسره يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك فقد فتك بالشعب واتبع أسلوب الأرض المحروقة والإبادات الجماعية متفوقاً على النمرود بمئات الأشواط.                             

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى