تحقيقات

إدلب بين الدبلوماسية الناعمة والقوة الخشنة

أحمد الحسين – رسالة بوست

ترقب وحذر  يعيشه السكان المحليون في إدلب، وذلك بعد تزايد إرسال الحشود من قبل النظام، والمليشيات الإيرانية نحو جنوب المحافظة شمال غربي سورية،  في حين تكررت الخروقات وزادت وتيرتها في الأيام الأخيرة، حتى شهدت

إسقاط طائرة استطلاع مسيرة للميليشيات الإيرانية على محور جبل الزاوية في إدلب.

  كما أجرى سلاح الجو التابع للنظام السوري طلعات تدريبية لطائرات “ميغ 29” تسلّمها من روسيا، نهاية الشهر الماضي، من خلال مناورات في سماء ريف حماة الغربي.

كل ذلك يجعل احتمالية شن عملية عسكرية أمراً وارداً، في الأيام القلية المقبلة ربما، في محاولة النظام استكمال قضمه للمناطق تدريجياً، وتلك سياسة اتبعها، منذ نيسان/إبريل من العام الماضي، إذ يبدو أن الهدف الحالي والاستراتيجي لقوات النظام وحلفائها في إدلب، يتمثل في السيطرة على جبل الزاوية وتسهيل الوصول إلى مدينة أريحا وجبل الأربعين، ووضع قدم على الطريق الدولي حلب – اللاذقية “m4″، ومن ثم التوجه نحو جسر الشغور، وتلك أهداف لم يخف النظام نيته في الوصول إليها عبر إعلامه .

في مقابل ذلك، زادت التحركات العسكرية التركية في إدلب و”منطقة خفض التصعيد”، لجهة الاستعداد للمواجهة التي يراها الأتراك على ما يبدو أمراً حتمياً، أو للتقليل من احتمالية المواجهة بإبراز القدرات العسكرية الكبيرة لدى الجيش التركي، وذلك عبر نشر منظومات مضادة للطيران تركية الصنع من نوع “أتيلغان” قصيرة المدى في عدة مواقع، أهمها تلة النبي أيوب، التي تعد القمة الأعلى في جبل الزاوية جنوب غربي إدلب.

وكانت تركيا استبقت ذلك بنشر منظومة “حصار إيه” على حدودها الجنوبية مع إدلب، وسط معلومات بإدخال أجزاء من تلك المنظومة إلى داخل إدلب، في الأيام الأخيرة.

وتعد هذه المنظومة قصيرة ومتوسطة المدى مجهزة بصواريخ (أرض– جو) يصل مداها حتى 15 كيلومتراً، في حين شهدت الأشهر السابقة، نشر تركيا منظومة “إم آي إم-23 هوك” الأميركية للدفاع الجوي في أكثر من نقطة داخل “منطقة خفض التصعيد”، لا سيما في ريف حلب وعمق إدلب.

وكان النظام قد اختبر القدرات العسكرية التركية، خلال الأيام الأخيرة من المعارك والعملية العسكرية التركية “درع الربيع” التي توقفت بداية آذار/مارس الماضي، بعد ما تمكنت الطائرات المسيّرة التركية من ضرب خطوطه الخلفية وخطوط إمداده، في حين تمكن سلاح الجو التركي من خلال طيران “إف 16” من إسقاط عدد من الطائرات الحربية للنظام في عمق إدلب، حتى من دون تجاوز الطيران التركي للحدود السورية.

ويبدو أن تركيا باتت تدرك أهمية ضرب الخطوط المتقدمة والخلفية للنظام ضمن استراتيجية اختبرتها في المعارك السابقة، لذلك عززت قدراتها المدفعية من مدافع الميدان والراجمات، القادرة بالوصول من خلال صواريخها على تدمير تحصينات النظام وحلفائه على الخطوط الأمامية والخلفية.

وأنشأ الجيش التركي، أربع نقاط في كل من قرى معراتة، وبسنقول، ومرعيان، ونقطة حاجز القياسات القريبة من الطريق الدولي m4، كما دعّم نقاطه في جبل الزاوية، ولا سيما في قرى إحسم وإبلين وشنان، بالأسلحة الثقيلة من مدافع الميدان والراجمات، كما دعّم بهذه الأسلحة نقطة شلخ العسكرية التركية، القريبة من مطار تفتناز في عمق إدلب، والذي يعد من أكبر القواعد التركية في المحافظة.

الهدوء الروسي مع الاستفزازات التي تصدر من قبل مليشا أسد والمليشات الإيرانية يلخص موقف موسكو بتفضيل  بوتين الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع أنقرة، وعدم دفع تركيا بالعودة إلى تحالفها القديم والتاريخي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويسعى بوتين إلى رفع التبادل التجاري، خصوصاً للمنتجات العسكرية، على غرار تشغيل المفاعل النووي وبيعها منظومة S400، والتي حالت دون تزويدها بمنظومة باتريوت وحرمتها من طائرات F35، بالإضافة إلى تفعيل خط غاز السيل الشمالي الواصل إلى أوروبا عبر أراضيها.

بالنهاية الجميع يعلم خلال العملية التركية ضد النظام السوري، أن الدبلوماسية الغربية دعمت تركيا بشكل واضح (بما في ذلك تقديم الولايات المتحدة دعماً إضافياً وقدره ١٠٨ مليون دولار).

لكن صفقة صواريخ S400، حالت دون مزيد من الدعم. وهنا عملت أنقرة على ملاقاة حلفائها التقليديين في منتصف الطريق في مسألة منظومة الصواريخ الروسية ،وذلك بتجنّب تشغيلها، ما سيشكل خطوة إيجابية  ستستعيد أنقرة دعم حلف شمال الأطلسي،

ويرجح الجميع سيناريو انهيار الاتفاق التركي الروسي. فقد أصبح المشهد أشبه بوعاء ضغط يفتقر لصمام تنفيس. وهنا يتعين تضافر جهود اللاعبين الدوليين لتجنب الانفجار حفاظاً على الأمن والسلم لجميع الأطراف، وخشية أن يُفرض واقع  جديد، يكرس النفوذ الإيراني، وينهي عملية الانتقال السياسي الذي سعت إليه الأمم المتحدة بقرارها 2254.

إلى ذلك، يجب العمل مع أنقرة لإخراج الأجانب المنضوين في صفوف الفصائل المتشددة في إدلب، والعمل على رسم خريطة حل لاستعادتهم. ويقدّر عدد الأوروبيين منهم بأقل من ستين مقاتلاً، وهو رقم يمكن احتوائه في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بأعداد المتسرّبين إليه في حال انفجار الوضع. وتعتبر مساندة حلف شمال الأطلسي لتركيا وتقديم المساعدة لها أمنياً ولوجستياً في الحرب على هيئة تحرير الشام، إذا رفضت الأخيرة حل نفسها، حجة منطقية للتدخل في إدلب تحت شعار الحرب على الإرهاب. فالقضاء على المتطرفين ينزع الذرائع الروسية باستمرار العمليات العسكرية، وهو أقل كلفة على دول شمال الأطلسي من مخاطر الانفجار الذي سيسببه هجوم النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى