مقالات

حبر فوسفوري

م. خالد المحيميد

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

إذا كان السكوت من فضة، فإن نترات الفضة تعتبر أهم المواد الكيميائية الداخلة في صناعة الحبر الفوسفوري المستخدم في صبغ إصبع الناخب أو المستفتي، دلالةً على أنه قد مارس حقه الانتخابي ولم يسكت، هذه المواد الكيميائية تتفاعل مع الضوء ، فيتحول لون الحبر على الجلد إلى اللون البنفسجي.

كما تضاف إليه المواد المطهرة أيضاً ، والمواد المطهرة حسب معرفتي الطبية التي لا تفوق معرفتي بأصناف الطعام التي يفضلها سكان الكاريبي هي مواد تستخدم للقضاء على الجراثيم ، تلك المخلوقات المجهرية التي شبَّهَنا بها رأس النظام السوري عند الخروج في المظاهرات  .

مر أسبوع كامل دون أن يحدث أي أمر مما توقعته، لم أُطلب لتحقيق ، ولم أخضع لمساءلة، ولم يكن هناك أية إشارة إلى أن ما حدث هو أمر جلل عدا نظرات رئيسي في العمل، تلك النظرات التي صارت مدعاةً لسخريتنا أنا وزميلي الذي يشاركني المكتب وبعض الرؤى والأفكار، وربما بعض الأسرار، وذلك بعد انقضاء اليوم الثالث من الحدث.

كنت أدرك تبعات عمل كهذا في القطاع الذي أعمل فيه والذي مازال تحت قبضة النظام وتجد فيه بين المفرزة الأمنية والأخرى مفرزةً ثالثة ، لا تكاد تبرئ ذمتك لدى إحداهن حتى تستدعيك الأخرى ، ولسبب أقل بكثير مما اقترفت .

مرت ثلاث ليال لم أنم فيها جيداً ، ففي اليوم الثاني حين فُتح الباب بقوة وأنا في مكتبي ، ظننت أن تلك السيجارة التي كنت قد أحرقت نصفها ولم أغادر من دخانها أي خيط ستكون الأخيرة حتى خروجي بعد أيام من التحقيق الذي قد يتجاوز صلاحيات المفرزة ، فتمسكت بها بقوة ، ورحت أسحب منها بنهم شديد ، كما كنت أفعل مع سيجارتي الأولى بعد كل إفطار في رمضان.

تبين أن تحليلاتي كلها خاطئة حين عرفت السبب، السبب في عدم استدعائي للتحقيق رغم أني أعلنت جهاراً بأنني أقاطع مهزلة الاستفتاء على الدستور المعطل أصلاً.

لقد قاموا بكتابة اسمي ضمن قوائم الناخبين ، وقاموا بالتوقيع بدلاً عني، بل سمعت أنني كنت موافقاً على التعديل الدستوري، وأنني صوّتت بـ ( نعم ) .

خدمات مجانية يا رعاك الله يقدمونها لك وعلى مدار الساعة ، لا تتعب نفسك فهم يستفتون بالنيابة عنك ويلوثون أصابعهم بالحبربالنيابة عنك.

المسألة لم تتوقف عند الحبر الفوسفوري إذاً ، ولا عند الحبر الأزرق أو الأسود ،الذي كنت توقع به على ورقة بيضاء وأنت رهن الاعتقال ، فالمصادر التي تقول  إن الصينيين هم أول من استخدم الحبر ، قالت هي ذاتها إنهم استخدموه في الكتابة ،لا لصبغ أصابع الناخبين، ويُرجعون ذلك إلى عام 2500 قبل الميلاد ، فقد كانوا يصنعونه من سُخام المصابيح ممزوجاً بالصمغ ، ثم تطورت صناعته حتى وصل إلينا كما نراه اليوم بكل أشكاله وألوانه .

الصينيون لم يقفوا في صناعة الحبر عند السُّخام ، تجاوزوه منذ قرون لا أعرف عددها ،

نحن السوريون مَن صبغ آلُ أسد بالسُّخام حياتنا منذ أن اغتصبوا السلطة في بلادنا.

ولشدة التصاق السَّخام بحياتنا مذ عرفناهم فقد فكرت أن أبحث عن المعنى اللغوي للسُّخام فوجدت في مختار الصحاح إن :

( السُّخمة هي السواد ، والسُّخام هو سواد القدر، وسخًّم الله وجهه أي سوَّدَه ).

كذلك الرمادي ، فهو من درجات الأسود ، أي من درجات السُّخمة .

سخَّم الله وجه عجي أنيسة وزبانيته ، وسخَّم الله وجه الرماديين أيضاً.

هامش : مفردة (عجي) ليست سُبَّة ، مع أنني كنت أتمنى هنا أن تكون كذلك وهي عربية فصيحة ومن دلالاتها أنها تطلق على فاقد أمه من الناس فيربَّى بلبن غيرها .

اي نعم ..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جميل استاذ خالد، اذكر في عام ٢٠١٤ عند تجديد انتخاب البهرزي استعملوا الحبر الذي تتحدث عنه،وكانت الاصبع المدموغة بالحبر جواز سفر للعبور من حواجز الجيش والحواجز الامنية وذات الاصبع المدموغة والتي بصمت للبهرزي كانت وصمة عار على السوريين ممن ذهب من تركيا الى مناطق النظام وانتخاب البهرزي ومن ثم العودة لكن دباغ الاصبع لم يذهب واصبح مثل البطن المنتفخة لبنت قد حملت بالزنى….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى