منوعات

الإعلام الثوري بين الضعف والغياب

علي الصالح الظفيري

ناشط سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

لا شك أن الإعلام بأنواعه يعتبر سلاحًا فتاكًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، خصوصًا بعد التقدّم العلمي الكبير في وسائل الاتصال والبث ومنصّات العرض الإعلامي الرسمي والخاص ، وتَعزّز هذا بقوّة رهيبة بعد تنوّع وسائل التواصل الاجتماعي.
فالقفزة العلمية والمتسارعة التي نعيشها اليوم كان الإعلام في طليعة المستفيدين منها ، فجيل الخمسينات الذي مايزال على قيد الحياة سيُبهرُك عندما يتكلم عن حال الإعلام في تلك الفترة وماقبلها ، وحال الإعلام اليوم ، فنجد بأن سيطرة الدول وخاصة المغلقة منها تكاد تصبح معدومة في ظل الفضاء الإعلامي المفتوح والواسع .
ولكنّنا في سورية وبعض الدول العربيّة والإسلاميّة غالبًا ما كنا نتأخر بعدّة سنين أو ربما لعقود بالاحتكاك بكل ما يصل له التطور العلمي في الدول المتقدمة بكافة المجالات ومنها الإعلام .
عاش السوريون في ظل الحكم الدكتاتوري زمن حافظ المجرم أسوء أيام الإعلام السوري منذ الاستقلال ، فلم يكن يعرف السوريون شيئًا عن الإعلام إلا ماتسوّقه لهم وسائل الإعلام الرسمية التي تهتم بتلميع صوة النظام القاتمة ، وترسيخ مفهوم الحاكم الضرورة والقائد الذي لا مثيل له ، ومع دخول الفضائيّات البيت السوري بعد حرمانٍ طال سنين تعرّف الشعب على نوعٍ جديد من الإعلام وهو الإعلام الخاص وتابعوه بشغف ، وبعد التعرف على وسائل التواصل الاجتماعي التي لم يكن حالها أفضل من سابقاتها ، تأخر في الدخول ، وصعوبته ، والخوف من المراقبة والعقاب وغيره من الأمور التي لم تمنع البعض من دخول هذا الباب ، إلى أن قامت الثورات العربية التي كان للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة دور كبير في التنسيق وفضح الأنظمة ونقل أحداث الثورات لحظة بلحظة ، ولكن هذا لم يعد يكفي بعد أن استوعبت الأنظمة المستبدّة الصدمة الأولى وبدأت بثوراتٍ مُضادة شرسة مدعومة خارجيًا وداخليًا ، وهنا توجب على الإعلام الثوري إن صحَّ التعبير أن يطوّر أداءه ويُبدع في تأسيس إعلام منهجي مهني محترف يتصدى للهجمات الإعلامية الشرسة التي قادها إعلام الأنظمة المجرمة ومن ساندها ، وهذا مع الأسف لم يتوفر للثورة السورية التي ظُلمت في جميع المراحل والجوانب ، وغالبًا ما كان الظلم متعمداً وممنهج ومدروس بعناية ، فقد فشل جميع من يمثّل الثورة بأن يؤسس لإعلام ثوري مهني ومحترف يمثّل الثورة السورية ولم يكن الإعلام الثوري سوى مجموعة من التجارب الهزيلة التي لم ترتقِ حتى الآن لمستوى المعاناة والمأساة السورية ، بل على العكس رأينا تناحر وتنافس بين منصات الإعلام الثوري أدّت إلى إضعاف الضعيف وتشتيت المشتّت .
قنوات إخبارية ثورية لا يكاد بعضها يفتتح القناة حتى يغلقها بعد شهور بأحسن الظروف ، ومواقع إخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي أغلبها اجتهادات فردية تفتقد الكادر والخبرة والتمويل .
وبالطرف المقابل كان النظام المجرم مدعومًا بجيوش إلكترونية محلية وإقليمية وعالمية أحيانًا ، والعديد من القنوات الفضائية التي تروّج لإجرامه على أنها نضال ومحاربة للإرهاب وغيرها من التُرّهات .
فكان الفشل الإعلامي في الثورة السورية واضحًا بكل المقاييس وهذا ماحيّد قسم من الشعب السوري الحر ومنعه من الاستمرار في النضال الثوري ، فالإعلام اليوم أصبح من أساسيّات الحياة بجميع النواحي وليس من المكمّلات ، وهذا منبر مُهم غفِل عنه البعض ، أو عجز عنه لضعف داخلي أو إضعافٍ خارجي ، والمفارقة الغريبة أن نجد بعض التنظيمات الغريبة عن الجسم السوري نجحت إعلاميًّا بشكلٍ لافت ، فقد استطاع تنظيم داعش مثلاً في إصدارات حرفية بنشر إجرامه وفكره المنحرف بل وكان الإعلام من أقوى وسائله في استقطاب العناصر الجُدد .
وها نحن اليوم نكاد ننهي العام العاشر في عمر الثورة السوريّة ومانزال نفتقد إلى ذلك الإعلام الثوري الذي يمثّلنا بالشكل الصحيح .
فهل ترانا قصّرنا إعلاميًّا كما قصّرنا عسكريًّاوسياسيًّا وإغاثيًّا ؟ أم أن الأداء الذي قدّمته الثورة إعلاميًّا يتناسب مع الواقع والإمكانيات المتاحة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى