مقالات

حتى لا تتحول الثورة إلى معارضة!

علي حسن بك

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

في البداية لا بد من القول: إن هناك فرقًا بين المعارضة في النظام الديمقراطي ،والمعارضة في النظام الاستبدادي. فالمعارضة في النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والمساواة والعدالة وتداول السلطة ؛هي الحزب أو الأحزاب التي لم تستطع الوصول إلى السلطة من خلال صناديق الانتخابات ؛حيث انتخبهم الشعب نوابًا عنه في مجلس النواب معارضة للحزب أو الأحزاب الحاكمة التي انتخبها الجمهور حاكمة له وتكون مهمتها توجيه الانتقاد لأعمال برنامج الحكومة وممارسات أعضائها والتصدي لها ولهم بإظهار عيوبها أمام الجمهور دفاعا عن مصالحه ومن ثم عرض أنفسهم بديلًا عن الحكومة فالمنافسة بين الأحزاب في النظام الديمقراطي للوصول إلى السلطة تكون من خلال تقديم أفضل البرامج السياسية التي تخدمه وتسهم في رفع مستوى معيشة ورفاهية المواطنين.
إن المعارضة قد ارتبطت بالحياة السياسية الديمقراطية وأصبحت مفردة مهمة في أدبيات النظم السياسية ولها معنيان:
الأول شكلي: حيث يقصد بالمعارضة هي تلك الأحزاب التي تراقب عمل الحكومة وبرامجها، ويكون من ضمن أهدافها الحلول محلها عن طريق الفوز في الانتخابات.
الثاني موضوعي: حيث يقصد بالمعارضة كل الفعاليات والأنشطة المتمثلة بانتقاد الحكومة ومراقبة برامجها وأنشطتها.
أما في النظام الاستبدادي؛ فلا توجد معارضة حقيقية على طريقة المعارضة السياسية في النظام الديمقراطي، إنما يوجد أحزاب وجماعات وفئات وأفراد مناوئة للنظام الحاكم يعمل أغلبها بالعمل السري تحت الأرض والصراع بينهم وبين الحكومة القائمة ليس على من يقدم إلى المواطنين أفضل الخدمات ،وأفضل البرامج لرفع مستوى حياتهم من الأخر إنما يكون الصراع بين الطرفين على الاستحواذ على السلطة وامتيازاتها وبهذا يكاد يكون لا تختلف المعارضة عن النظام المستبد.
ولذلك في الدول ذات الأنظمة المستبدة يكون هناك فرق بين الأحزاب التي تقدم نفسها للجمهور على أنها معارضة ،وبين الأحزاب التي تقدم نفسها ثورية فالإنسان الثوري غير المعارض الذي يرضى بأنصاف الحلول ، في حين الثوري الحقيقي يرفضها من منطلق أن الثورة هي رفض الشعب للوضع القائم وقيامه في عملية تغيير جذري للنظام السياسي بكل مؤسساته ورموزه واستبداله ببناء نظام جديد دون المساس بالدولة.
في الثورة السورية استطاع بقايا فلول المعارضة التقليدية المنهكة والمحدودة الأفق من الإسلاميين والشيوعيين والقوميين ومعهم معارضة الفجأة الجاهلة أن يسيطروا على المشهد السياسي والإعلامي لها ،وكانت الكارثة أن حولوها بسوء أدائهم من ثورة شعبية عظيمة تهدف إلى إسقاط النظام السياسي المستبد الفاسد وبناء النظام السياسي الديمقراطي لجميع السوريين والقائم على تطبيق مبدأ المواطنة والتعددية السياسية وتداول السلطة ،إلى عملية مفاوضات لا جدوى منها سوى إعطاء الشرعية لبقاء النظام وإعادة انتاجه.
نتيجة التدخل الدولي والإقليمي لوأد الثورة السورية فقد تحول بعض الثوار إلى معارضين، بذريعة الواقعية السياسية وضرورة المفاوضات من أجل المحافظة على شعبنا والدولة مع أن مقتل الثورة كان في التحول من ثوار أصحاب قضية وطنية عادلة وإنسانية إلى معارضة ،ولذلك لم تحقق الثورة السورية هدفها الأول ألا وهو إسقاط النظام، لأن من تصدر تمثيلها قد أخذ شكل المعارضة، وعندها لم يعد لا اسمها ولا سلوكها يمت إلى الثورة بصلة ولاسيما أن الثورة شيء ،والمعارضة شيء آخر. والثائر شيء والمعارض شيء آخر ومؤسسات الثورة شيء ومؤسسات المعارضة شيء آخر ولهذا قيل: إن ممارسة دور المعارضة في الثورة خيانة !
ومن الجدير بالذكر هنا ؛عندما انقلب المستبد المجرم حافظ أسد على جماعته في 16 تشرين الثاني 1970، فقد ادعى بأن مسار الحزب والدولة قد انحرف، وأن قيامه بحركته التصحيحية المزعومة سيعيده إلى مساره الصحيح وكان هذا التصحيح يتطلب منه أن يتصرف مع كل من يقف ضده بالقتل أو السجن أو التشرد ،أمّا البقية الباقية من الانتهازيين الذين رضوا بالوقوف معه فقد جمعهم كمعارضة شكلية لا حاضنة اجتماعية لها في المجتمع السوري ؛ وأطلق عليها الجبهة الوطنية التقدمية وقد عدها حدثاً وطنيًا مهمًا، وتكريسًا للتعددية الحزبية والسياسية والديمقراطية وتحول أعضاء هذه الجبهة الشكلية إلى أبواق يمجدون حافظ الأسد ونظامه أكثر مما تمجده ويمدحه أعضاء قيادته.
بعد اندلاع الثورة السورية في 15 – 18 آذار 2011 فقد اصطف إلى جانب ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية كمعارضة ما يسمى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التي يسميها النظام معارضة الداخل، ويبدو كما يقال: إن الأنظمة المستبدة الفاسدة تنتج حكمًا معارضة فاسدة على شاكلتها”.
ولذلك يجب علينا نحن الوطنيين السوريين أن نحدد موقفنا، هل نحن ثوار أم معارضون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى