أخبار عاجلة

قوة الدولة تُبنى على قواعد علمية لا على مافيات أمنية وعسكرية

مرهف الزعبي

ناشط سوري
عرض مقالات الكاتب

    لا نغالي إذ نقول؛ بأنَّ آل الأسد الطائفيون امتهنوا كل معاني الخسة, و النذالة, و التوحش عندما اغتصبوا السلطة, و تفننوا في قتل الأبرياء, و الأحرار, و تخلصوا من جميع العباقرة السوريين, و من أصحاب الفكر, و الإبداع. بالإضافة إلى إفناء المعارضين لسياسة حكمهم قتلاً, و اعتقالاً, و نفياً. كل ذلك من أجل الاستئثار بحكم سورية, سعياً لانحلال المجتمع السوري, و إفساده, و تفككه. معتمدين لتحقيق هذه الأهداف على أصحاب السوابق, و المتطرفين الطائفيين, و أصحاب الحقد الأسود, و معاديي الوطنية. ناهيك عن إنشاء ستة عشر فرعاً أمنياً للتجسس على المواطنين, و التضييق على حريتهم, و الدوس على كرامتهم. بالإضافة إلى تحويل الجيش العربي السوري من جيش وطني, إلى جيش عقائدي طائفي يتصف بالمافيوية يخدم آل الأسد, ويسخروه وفقاً لمصالحهم لا لمصالح سورية كدولة, وكمؤسسات حكومية.

    ولهذا؛ فقد أتقن المقبور حافظ الأسد السياسة الميكيافيلية بكامل حذافيرها؛ فعندما ألّف نيكولاس ميكافيلي كتابه ( الأمير ) ذكر شيئاً هاماً في عصره للحفاظ على ملك الأمير, و عرشه؛ و هو أنّ من يملك المال, و السلاح يملك الرجال, و السلطة. و يضيف؛ أنَّ الحكام الذين يفكرون بالترف, و الرخاء, أكثر من تفكيرهم بالسلاح و الرجال, سرعان ما يفقدون سلطتهم. من أجل ذلك سعى, و دأب آل الأسد على نهب خيرات سورية بكامل مقدراتها, و السيطرة على كافة مواردها, وجعلوها حكراً لهم, و لعائلتهم, و لمن ساندهم في الحكم, مطلقين للقوتين الأمنية, و العسكرية جميع الصلاحيات لكم الأفواه, و ملاحقة الأحرار, و زجهم في المعتقلات للاستئثار بالحكم, و قمع الشعب, و تدجينه.

   و بمراجعة بسيطة لخارطة الأنظمة الشمولية فإننا نجد أنَّ هذه الأخيرة تعتمد بالدرجة الأولى, على قوتيها الأمنية و العسكرية, اللتان ورثتهما من القرون الوسطى, فحتى القوتين المذكورتين, تحتاجان في عصرنا الحالي إلى أدمغة, و أشخاص على درجة عالية من الثقافة, و التعليم, و الحنكة, و على قدرٍ كبير من المسؤولية لإدارة الملفات الساخنة, ناهيك عن  تمرسهم بمختلف الاختصاصات, لحكم الدولة لتصبح قوية بالعدالة الاجتماعية, و توزيع الثروة, و الأمن و السلم الأهلي, فيحميها, و يساندها شعبها, و يعطيها الشرعية المقيدة في الحكم. ذلك أن الأزمات, و رياح التغيير التي تعصف في البلاد, و الآلة العسكرية الحديثة تحتاج إلى أشخاص من ذوي الشهادات العلمية العليا لقيادتها, و كيفية التعامل معها قبل تفاقم الأوضاع, و اتباع كافة الوسائل السلمية لمنع تأزم الموقف, و خروجه عن السيطرة. لا أن تُستخدم هذه الأسلحة الحديثة, و الفتاكة في قتل الشعب, و تدمير مؤسسات الدولة, و إفناء مئات الآلاف قتلاً, و اعتقلاً, وتهجير الملايين منهم خارج الحدود, لرفضهم سياسة الاستعباد, و الرق.

      و ما الفساد الذي كان مسيطراً على مؤسسات الدولة في سورية؛ و يُدار بقوى متخلفة, و متطرفة, تعشق الطائفية, و تكره الوطنية, خاصةً في المؤسستين الأمنية, و العسكرية إلا دليل على اعتبار أنَّ العقيدة القتالية للأجهزة الأمنية التي أسسها المقبور حافظ الأسد تؤمن بأن العدوّ الوحيد  لحكم الأسد هو الشعب الذي هو محطّ الشكوك, و الاتهام بشكل دائم. و قد سعوا لتجنيد شخصيات فاسدة في مؤسسات الدولة المدنية, و السياسية, و العسكرية خاليةً من أية مؤهلات علمية, و أخلاقية, أو تمتلك شعوراً إنسانياً, و وطنياً و لو بالحدِّ الأدنى. و كان ما كشفته الثورة السورية خير دليل, و برهان على ذلك. و لو كانت المافيات الأسدية تمتلك في صفوفها المؤهلات العلمية, و الرجال الوطنيين؛ لما استعرَّت الحرب بين حكم آل الأسد, و الثوار لمدة عشر سنوات, و لا تزال.

     فما تقوم به مافيات الأسد من ممارسة البطش, و الإرهاب بأقوى أنواعهما, و أعتاها ضد الشعب السوري, لا يعكس قوة حكم هذه العائلة للعالم الخارجي. بل يعكس همجية, و بربرية تسلطها, و كراهيتها للإنسانية, وخاصةً في غياب الأمن, و السلم الأهلي الذي تغَّنى به طويلاً حزب البعث الفاشي, و حكام آل الأسد, من دون أن يكون مطبَّقاً بأدنى حالاته في سورية. ففي غياب هذين الأمرين؛ تضطر أكبر الدول للتنازل عن قسم من طموحاتها من أجل البقاء في الحكم.

     إنَّ المافيات الأمنية, و العسكرية لحكم آل الأسد تعلم أن أقوى قوى العالم لم تستطع الانتصار على الثورات, و جيوب المقاومة, و حروب الشوارع. فالثورة الفيتنامية, استطاعت الانتصار على الولايات المتحدة رغم استبسال هذه الأخيرة في الإجرام, و استخدامها لكافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً من النابالم, و الفوسفور الأبيض, و القنابل الإنشطارية, و العنقودية. و استطاع ثوار الفيتو كونغ الانتصار على أكبر قوة عظمى في العالم, و رغم انتشار الأمية في صفوف ثوار أفغانستان فقد حقق الأفغان بجيوبهم القليلة, و تنظيمهم البسيط انتصاراً ساحقاً على السوفيات بقوتهم العسكرية, و جيشهم الأحمر, و ألحقوا بهم هزيمة نكراء, فلم تشفع لهم قوة مخابراتهم الكا جي بي, و اتباع سياسة الأرض المحروقة, و الضرب بعصى من حديد على أيدي الثوار الأفغان. و لهذا؛ فإنَّ القوة العسكرية لا تُعتبر مقياساً وحيداً لقوة الدول إن لم تحسن استخدام هذه القوة, و ترفدها بقوى أخرى و على رأسها القوة التعليمية. و عليه فإنَّ الدول الحضارية تركز على قطاعي التربية, و التعليم, و تجعلهما في أول أولوياتهما لأنهما الأساس, و المعيار الذي تُقاس به قوة الدولة. و ليس البطش, و الإرهاب, و سياسة القوة التي تُمارس بحق الشعوب الثائرة, أو المسالمة.

     فعند سقوط دولة ما كانت عظمى, و انحلالها بشكل , أو بآخر؛ سرعان ما يلاحظ الدارسون, و الباحثون فساداً, و تراجعاً في نظامها التربوي, و التعليمي من خلال برامج فاسدة في التطبيق, و التدريس مقارنةً بنظرائها من الدول المنافسة لها. و لا يمكن لعاقلٍ أن يتصور بلداً تعصف به رياح الجهل, و الأمية, يخوض غمار التنافس الدولي في عصر التكنولوجيا, و المعلوماتية, والأقمار الصناعية. زد على ذلك؛ فالدول التي تنجح في توفير كافة خدمات التربية, و التعليم من دون  أن توفر فرص عمل لخريجي جامعاتها, سرعان ما تكون ضحية لعدم الاستقرار.

    لا شكَّ أنَّ القواعد العلمية ستؤدي حتماً إلى إنتاج, و تأسيس مرتكزات صناعية, و دولة قوية. وعلى سبيل المثال؛ فقد أصبحت بريطانيا قوة اقتصادية عظمى في القرن الثامن عشر, و استطاعت التربع على عرش القوة العظمى في العالم. مع العلم أن تعداد سكانها آنذاك لم يشكل سوى اثنان بالمائة من سكان العالم, و بالتالي فقد أنتجت أكثر من خمسين بالمائة من الإنتاج الصناعي العالمي. و كل ذلك طبعاً بُني على أُسس التعليم الذي أدى إلى طفرة صناعية, و اقتصادية, و عسكرية قوية. ولم تعتمد المملكة المتحدة آنذاك بقوتها على كثرة جيوشها, و تعداد عسكرها, و أجهزتها الأمنية. بل اعتمدت على أشخاص أكفاء يعرفون قيادة دفة التحكم, و السيطرة, و كيفية إدارة الصراعات, و المعارك. لهذا فقد استطاعت أن تحتل الهند فقط بخمسة آلاف عسكري, و موظف. فقوة الدولة تأتي من  التعليم, و آلية التعامل مع الأزمات التي تعصف بالبلاد, و خارجها. و لهذا فإنَّ قطاعي التربية, و التعليم, هما أساس, و مرتكز قوي للقيام بالصناعات المستقبلية, و التي هي صناعة الروبوتات, و الرقائق الإلكترونية, و السفن الفضائية التي تضفي القوة للدولة, و تنمي اقتصادها. وبمعايير التربية, و التعليم تقاس قوة الدولة, لا بمافياتها الأمنية, و العسكرية.

     لقد زهقت مافيات الأسد أرواح مئات الآلاف من السوريين, و زجَّت بعشرات الآلاف منهم في أقبيتها تحت الأرض حتى أضحى حكم الأسد, و مؤسستيه الأمنية, و العسكرية تعلوان فوق القانون, و ذلك لحصولهم على امتيازات تحميهم من القضاء, و المحاسبة ضد اختراقهم للدستور, و التسلط على المواطنين. فبتعطيل الدستور الداخلي في سورية, و بصمت المجتمع الدولي, و أمام مرآه؛ يُهجر أهالي سورية الأصليون, و بقوانين شرعة المنظمة الأممية, و بتفاهمات إقليمية, و دولية يُقتل الشعب السوري, وتتبلقن دولتهم, و تتقاسم ثرواتها, و يضيع مستقبل أبنائها.

      و هنا يتساءل أحرار سورية, و العالم؛ أين موقف المنظمة الأممية, و التزامها بتطبيق اتفاقية شرعة حقوق الإنسان بعد أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها على جماجم أكثر من ثمانين مليون قتيل؟ و تعهدوا بحل النزاعات, و الصراعات بالوسائل السلمية, و المساعي الحميدة لأمين عام منظمة الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن و السلم الدوليين قبل تفاقمهما و تأزمهما, بالإضافة إلى نبذ العنف, و منع استخدام القوة في حل النزاعات, و الصراعات إن داخل أي دولة, أو بين الدول؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

جرائم النظام السوري في لبنان يعرضها مسلسل ابتسم أيها الجنرال!

الدكتور طارق شندب محام وأستاذ القانون الدولي يبدو أن كاتب نص “ابتسم أيها …