مقالات

غبطة الأنظمة الديكتاتورية بأحداث أمريكا

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

من يوجه أنظاره اليوم إلى المشهد الدولي يجد أن الأحداث في أمريكا تتصدر القنوات والمواقع والصحف، ومعظم وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، نجد أنها في غبطة وحبور وخاصة ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة (المقاولة والمماتعة حسب الدكتور قاسم) فأبواق تلك الأنظمة لا تنفك عن قراءات مستقبلية واعدة بتفكك أمريكا وزوالها، وكرههم لأمريكا على أساس أنها امبريالية والشيطان الأكبر وداعمة لإسرائيل ومتآمرة على العرب والمسلمين. والواقع أن أمريكا فعلاً استخدمت نفوذها وما زالت تستخدمه في السيطرة على بعض البلدان واستغلال ثرواتها، وحربها على العراق وغيره ليس ببعيد عنا.

ولكن من ينظر إلى الدول الكبرى الوازنة والتي تتصدر القوة في العالم يجد أن أمريكا أفضلها وذلك انطلاقاً من قاعدة أخف الضريين، وهذه حقيقة بعيدًا عن الانحياز إلى طرف دون الآخر.

لو فرضنا أن الأحداث الجارية الآن على الساحة الأمريكية توجهت إلى ما تشتهي سفن المتحمسين لانهيارها وتفككها وتفتتها، من سيكون البديل لها يا ترى؟!  هل سيحل محلها دولة إسلامية أو عربية؟ إذا كان هذا التصور ممكن وواقعي – وهو ليس كذلك – فهذا حلم كل مسلم وكل عربي، ولكن المرشح والمؤهل لخلافتها هما دولتا الصين الشعبية أو روسية الاتحادية بلا شك، وهما أكثر دول العالم ديكتاتورية واستبدادًا وطغيانًا، وانتهاكًا لحقوق الإنسان.

أعتقد أن الأحداث في الولايات المتحدة ستجعلها أكثر قوة وضراوة وستكون استفتاء على رسوخ ديمقراطيتها، لأن عصر التمييز العنصري الذي يراهن عليه البعض قد انقضى وولى عصره على يد المناضل والناشط السياسي والإنساني – ومن لفّ لفه – مارتن لوثر كينغ الذي دفع حياته ثمنًا لمواقفه.

وما حصل في حادثة جورج فلويد حادثة نادرة، سببها تصرف فردي، وسببها الآخر خطابات الرئيس ترامب المتفق على حماقته وهشاشة ثقافته وضعف خبرته  السياسية – وربما يُهزم بعد ستة أشهر في الانتخابات – ولكن أمريكا التي يتجاوز سكانها ال330 مليون نسمة ليست حبيسة ثلة صغيرة متهورة مازالت تؤمن بالتمييز العنصري، فلا تكاد تخلو دولة في العالم من وجود متطرفين بها يحبون إلغاء وزوال الآخرين والعيش بمفردهم، فلو ذهبنا مثلاً إلى ألمانيا لوجدنا بعض الأشخاص الذين يؤيدون هتلر ونازيته ويروجون لفكره المتطرف… ولكن الحقيقة أن الدستور الأمريكي المبنية أسسه على الديمقراطية متجذرًا في نفوس الشعب منذ سنيين عديدة ولا يمكن نسفه من أجل حادثة راح ضحيتها شخص، وإنما سيبقون في الشوارع حتى ينال الجاني عقابه ويأخذ القصاص العادل مجراه، عندئذ يعودون إلى بيوتهم.

وهناك تصريحات تعزز ما نذهب إليه، فقد وجه المرشح الديمقراطي جو بايدن نقدًا لاذعًا لترامب قائلًا: ” الرئيس اليوم أصبح جزءًا من المشكلة ويزيد من سرعتها وخطورتها وحول البلد إلى ساحة من المعارك، أعدكم ألا أتعامل بمشاعر الخوف والكراهية، وإنما أريد أن تندمل جروح العنصرية”.

وفي تصريح آخر أكثر حدة ونارية شنّه رئيس شرطة هيوستن مخاطبًا ترامب:” أقول للرئيس باسمي وباسم رؤساء الشرطة في أمريكا إذا لم تكن لديك تصريحات إيجابية فلتغلق فمك..لا تعرض أبناءنا للخطر، نحن نحتاج إلى قائد في هذه الأوضاع الصعبة”.

ولو عدنا إلى فرحة الطغاة المستبدين وما يمثلهم من أبواق على القنوات لوجدنا ما يثير الضحك والسخرية والاشمئزاز والترهل الفكرين فبعضهم مثلًا يقارن بين الثورات التي حدثت في الدول العربية وكانت ترفع شعار الحرية والعدالة والديمقراطية، وبين ما يحدث في أمريكا، يا ليت شعري على هذه المقاربة! كم قنبلة وكم صاروخ وكم برميل  وجههم ترامب إلى شعبه، وكم ألف قتل بل نقول كم مليون لأن أمريكا تفوق الوطن العربي بسكانها؟!! ثم إن المتظاهرين هل انتفضوا اعتراضًا على الديمقراطية وعلى الدستور وعلى ترامب –المنتخب من الشعب والذي سيذهب كما ذهب غيره – ورفعوا رايات يطالبون فيها بالحكم الظالم والقمعي على غرار بشار والسيسي وابن سلمان…؟!!

لقد خرجوا من أجل قضية كبت بها العدالة ولابد أن تنهض وتعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، وهي تطبيق الدستور والقانون على جميع المواطنين على قدم المساواة لا فرق بين رئيس ومرؤوس.

وبعضهم مثل الدولة الطائفية المارقة إيران لم تترك المشهد يمر من دون الإدلاء بدلوها، فقد أخرجت بيانا باسم خارجيتها قالت فيه:

” نأسف لمشاهد العنف التي تقوم بها الشرطة الأمريكية هذه الأيام أمام أعين شعوب العالم، وهي تقمع بلا هوادة وعنف كبير مواطنيها الذين يطالبون بالاحترام وإنهاء العنف بسلمية”.

هذا البيان الذي يمكن تصنيفه في باب أدب الهزل والنكت، أكثر من تصنيفه في باب السياسة.

إيران التي يعيش شعبها في فاقة اقتصادية وسياسية واجتماعية وتغص معتقلاتها بالأبرياء، وهي لا تعرف أنها تحكم شعبًا أم كائنات أخرى ، منذ الثورة المزعومة ومنهجها الفاشي، تصدر هذا البيان المفعم بالحرص على حقوق الإنسان، يا لها من مفارقة!

لست مدافعًا عن أمريكا بل إنها كما ذكرت دولة مجرمة واستعمارية، ولكن يجب ذكر مالها وماعليها وعدم بخسها أشيائها، فلها قصب السبق في ممارسة الديمقراطية ونشرها على مفاصل البلاد، فجل المؤسسات الحقوقية الخاصة والحرة ولدت ونشأت وترعرت في رحابها، فضلا عن القنوات والصحف التي تمارس مبدأ الرأي والرأي الآخر بكل حرية ومسؤولية.

لو تحولنا إلى الضفة الأخرى (روسية والصين) التي يروج لسياستهما وحصافتهما  من قبل ضعاف النفوس الذين أتينا على ذكرهم، لرأينا أنهما لا يقيمان لحياة الإنسان أي وزن سواء أكان من شعوبهما أو من شعوب الدول الأخرى وسجلهما التاريخي ممتلئ بالدماء البريئة، فقد قتل جوزيف ستالين /50/ مليون إنسانًا، ومن ثم سار حفيده بوتين على نهجه فأباد شعبًا كاملًا في مجزرة كروزني الشهيرة.

وأما الصين التي تتبجح بنظامها الشيوعي الذي يحكم البلاد بالحديد والنار منذ عقود، فقد قتل زعيمها الأسبق ماوتسي /79/ مليون شخصاً، والنظام الحالي يعتبر وريث لذاك النظام.

فأي أحلام تلك التي تراود أولئك الذين يعيشون نشوة الفرح والسرور بسبب ما يحدث في أمريكا.        

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى