منوعات

خبير كومبيوتر

م. خالد المحيميد

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

نادراً ما كنت أطلب طلباً شخصياً لأن هذا هو طبعي، ولأنني أعرف أنني لست الفتى المدلل لدى رئيس الدائرة.

لكنْ وبعد عملٍ ميدانيٍّ متواصلٍ لمدة أربعة عشر عاماً، تخللها عمل في المشاريع الاستكشافية في الحقول النفطية السورية والعراقية لمدة سبع سنوات وأربعة أشهر، ولكم أن تسألوا عن صعوبة العمل في الحقول الاستكشافية ومشاقّه، وكذلك بعد إصابة في العمود الفقري بسبب الوقوف الطويل، وأخرى في الأذن الوسطى بسبب الضجيج، وبعد دوالي في الساقين، ونزف أوعية شعرية تحت الجلد، بعد كل هذا وغيره قلت في نفسي لعلّي أكمل ما بقي من سنوات الوظيفة في عملٍ مكتبيّ ، لاسيما وأن جيلاً جديداً من المهندسين الشباب قد بدأ عددهم بالتكاثر بشكل ملحوظ .

تحيّنت الفرصة وطلبت من رئيس الدائرة الانتقال إلى دراسات الحفر، قال : (شوف) خالد أنا ما عندي مانع ، لكن مهندس الدراسات (لازم يكون عنده) خبرة ولغة إنكليزية قوية ومعرفة ممتازة بالحاسب …

قلت : والله (كخبرة) ميدانية أنا اشتغلت على الحفارات أكثر من مهندسي الدراسات الحاليين، وكلغة انكليزية فهي لغتي الأجنبية في المدرسة والجامعة، وهي أفضل من لغة المهندسين المداومين حالياً في الدراسات ؛ لأن لغتهم الأجنبية هي الفرنسية والروسية وأنا أعتبر لغتي جيدة جداً ، أما الجاسب فلا بأس ، أستطيع تدبر أموري

مع أنني كنت على ثقة أنني الأفضل في الحاسب أيضاً .

تأخر انتقالي إلى الدراسات لمدة سنتين لأنني كنت أنتظر وعداً من مدير الحقول بنقلي ، وهو نقل ضمن الدائرة ، وضمن المديرية ، وكل من مارس العمل الوظيفي يعرف سهولة ذلك وخاصة في حال توفر البديل.

بعد سقوطي من أحد السلالم العالية على الحفارة تم نقلي إلى الدراسات ، وقد أتممت حينها عامي السادس عشر في العمل الميداني ، ولما وجدت العمل على الحاسب هناك لا يتطلب خبرة إلا في برامج الأوفيس ازدادت ثقتي بنفسي ، وضحكت بمرارة لتأخري كل هذا الوقت.

رئيس الدائرة نفسه الذي كان يعيق انتقالي ؛ طلب مني ذات يوم في اتصال هاتفي أن أحضر إلى المكتب ليلاً وخارج أوقات الدوام لإنجاز أحد الأعمال ، بعد أن تبينت له جدارتي بسرعة،

حضرت قبله ، شغلت الحاسب لأن كل البيانات عليه ، وأعددت القهوة لي وله ، وشغلت أغنية لأم كلثوم على الحاسب وبدأت العمل ريثما يحضر ( معلمي) .

سحب كرسياً وجلس إلى جانبي، شرب من فنجان القهوة وأشعل سيجارة من علبتي فهو يدخن ( عشت) فقط أي على حساب غيره.

بعد قليل قال لي :  كيف مشغّل كل (هَودي مع بعض)؟

حاولت أن أفهم السؤال ،  ثم استدركت : عادي أستاذ أنا أكتب على وورد وبالنسبة لملفات إكسل وبوربوينت المفتوحة أيضاً فأنا آخذ منها أرقام وأصغّرها أسفل الشاشة ؛ قال : ما هذا قصدي ، كيف تشتغل وأنت مشغّل الأغنية؟!

قلت : عادي أستاذ أنا لا أشرد مع الأغنية، فهي مجرد دندنة لا تصرفني عن التركيز على العمل .

قال : ما فهمت عليّ ، أنا أقصد كيف تستطيع تشغيل الأغنية والملفات ؟

يعني كيف (بيشتغلوا مع بعض)؟! يعني كيف (بتقدر تفتح كل هَودي سوا)؟!

فهمت ما أراد بصعوبة، لأنه لم يخطر في بالي على الإطلاق أن هذا ما يقصده، لأنني لم أتوقع أن يكون قد بلغ به الجهل هذا المبلغ .

تركت (الماوس) من يدي، شعرت بدمي كله يصعد إلى رأسي !!!

هذا هو الذي أخّرني سنتين لأنه يريد واحدًا عنده خبرة ممتازة بالحاسب، مندهش كيف أستطيع أنا الخوارزمي فتح ملف وورد وهناك أغنية شغالة ؟!

هذا هو رئيسي في العمل؟!

وأي عمل ؟! هندسة البترول التي تتطلب أن يكون للمهندس دماغ لا دماغ لا يهدأ .

نظرت إليه، فكرت للحظة أني أضربه أو على الأقل أبصق عليه وأمشي، لكن ذلك كان صعبًا ، وعواقب تصرّف مثل هذا ستقع برأس أولادي فسكتت حتى عام 2011 .

(اي نعم)..

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. لو أنا هذا المقال كتب قبل الثورة بسنتين فقط لكنت الآن تتربع على عرش الكتاب في العالم يا أبا محمد ..
    رائع هذا الإسقاط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى