صحافة

عنف ما قبل الضم.. تصعيد إسرائيلي تمهيداً للتنفيذ ومعارضة قد تؤجل الخطة

لا تزال السلطات الإسرائيلية تواجه انتقادات كثيرة بعد إعلانها نيتها ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، من بينها المستوطنات غير الشرعية بموجب القانون الدولي، لكنها تواجه هذه الانتقادات بجملة من الممارسات الدبلوماسية والميدانية.

ومنذ أن أوعز وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس لقائد أركان جيشه أفيف كوخافي بالاستعداد لخيار ضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة قريباً، حسب ما نقلته القناة “12” الإسرائيلية، بدأ الحديث عن تشكيل طاقم ليدرس تداعيات وانعكاسات خطوة كتلك وتقديم التوصيات للمستوى السياسي قريباً.

أما على الصعيد الميداني، تحاول إسرائيل سحق المعارضة الفلسطينية لخطة الضم عن طريق تكثيف انتهاكاتها، ففي كل ليلة يستيقظ الفلسطينيون على حملة اعتقالات تطال العشرات منهم، فيما يجبرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي على هدم منازلهم بأنفسهم، كما حدث مؤخراً مع المقدسي علاء برقان، الذي أُجبر على هدم منزله ذاتياً في جبل المكبر جنوبي القدس المحتلة، تزامناً مع هدم منزل المقدسي محمد جعابيص، بحجة البناء من دون ترخيص.

وبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي إرسال عشرات الإخطارات إلى مواطنين فلسطينيين تمهيداً لهدم منازلهم، فيما يحاول التضييق على السلطة الفلسطينية التي وقفت التنسيق الأمني رداً على الخطة، فقد ذكرت قناة ريشت كان الإسرائيلية “أن إسرائيل تجري مناقشات في كيفية التعامل مع إمكانية مغادرة الرئيس محمود عباس مدينة رام الله إلى الخارج، من دون تنسيق مع إسرائيل”.

مقاومة داخلية للضم

وبينما يدور الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن تأجيل الضم إلى ما بعد يوليو/تموز، نسبت تصريحات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال فيها إنه “لا ينوي تأجيل موعد ضم المستوطنات مطلع الشهر المقبل، واصفاً الخطوة بالفرصة التاريخية التي لا تتكرر”.

لكن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية كشفت في تقرير لها أن “خطة ضم نتنياهو تلتقي خصماً مفاجئاً”، قائلة: “بعد سحق نتنياهو لمعارضيه السياسيين وفوزه بولاية جديدة، مهد الطريق لتحقيق وعد حملته الأكثر استقطاباً، وهو ضم أراضي الضفة الغربية المحتلة التي يعتمد عليها الفلسطينيون لإقامة دولة مستقبلية لهم، وحقق حلم المستوطنين اليهود اليمينيين، ولكن بعد شهر من فوزه، يواجه نتنياهو فجأة مقاومة شديدة، بما في ذلك تمرد مفاجئ في صفوف قادة المستوطنين الذين يرون أن الخطة لا تضمن لهم ضم كل النقاط الاستيطانية”.

ولفتت الصحيفة إلى أن “المعارضة الشرسة غير المتوقعة، إلى جانب إشارات مختلطة من إدارة ترمب، تثير تساؤلات حول ما إذا كان نتنياهو سيوفي بتعهداته الخاصة بالضم بعد كل شيء”.

وأضافت: “على اليسار، كان مؤيدو حل الدولتين يدقون ناقوس الخطر منذ شهور، قائلين إن الضم الإسرائيلي من جانب واحد الذي ستدينه معظم دول العالم باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي، سيخلف التزاماتها تجاه الفلسطينيين بموجب اتفاقيات السلام السابقة وتدمير أي أمل في اتفاق ينهي الصراع”.

وتحدثت الصحيفة بأن مسؤولين عسكريين إسرائيليين بدأوا في التفكير أيضاً، محذرين من أن الضم يمكن أن يشعل موجة جديدة من العنف في الضفة الغربية ويجبر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على اتخاذ موقف متشدد ضد إسرائيل، مما يعرض البلدين للخطر.

وقالت الصحيفة في مقال آخر، إن “خطة الضم ستعرض التنسيق الأمني ​​مع السلطة الفلسطينية الذي أنقذ العديد من الأرواح للخطر”، كذلك فإنها تعرّض معاهدة السلام مع الأردن التي تزود إسرائيل بعمق استراتيجي لا يقدر بثمن تجاه إيران، للخطر، وتقوض التعاون الأمني​​مع مصر الذي نجح في فحص القوى المزعزعة للاستقرار”.

ويبدي المعتدلون في إسرائيل قلقهم من إلغاء معاهدة السلام مع الأردن، أو ردود الفعل العربية أو الدولية، حسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، وهو ما يحدث حالياً بالنظر إلى الوقائع.

لكن المستوى السياسي الإسرائيلي يحاول تحسين علاقته بدول عربية أخرى مثل السعودية، إذ أفادت صحيفة “يسرائيل هايوم” بأن الرياض وتل أبيب تجريان محادثات سرية بوساطة أمريكية منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب “صفقة القرن” المزعومة وخطة ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية.

الضم.. انتهاك وقح

وبينما تدعم الإدارة الأمريكية خطة الضم، خرجت صحيفة “نيويورك تايمز” مرة أخرى لتصف في افتتاحية الاثنين ضم الضفة الغربية بـ”الانتهاك الوقح للقانون الدولي”.

وشرحت الصحيفة الأسباب التي تجعل من فكرة الضم فكرة سيئة قائلة: “على الرغم من أن المستوطنات توسعت بشكل مطّرد على مدى عقود، وغور الأردن يخضع في الواقع لسيطرة عسكرية إسرائيلية، إلا أن عدداً من الأسباب يجعل الضم الفعلي فكرة سيئة، والسبب الرئيسي في ذلك يتمثل بأن المنظمات الدولية ومعظم دول العالم تعتبر الضفة الغربية أراضي محتلة، والمستوطنات اليهودية غير شرعية بموجب اتفاقية جنيف. ولكن إسرائيل ترى أن اتفاقية جنيف غير قابلة للتطبيق في هذه الحالة، لأنه لا توجد دولة فلسطينية في الضفة الغربية، ولأنه لم يُرحَّل أيٌّ من المستوطنين إلى المنطقة، كما تنص الاتفاقية”.

ورأت الصحيفة أن الأمم المتحدة وجميع الدول الكبرى ستدين عملية الضم بصفتها غير شرعية، باستثناء الولايات المتحدة.

وأضافت: “بشكل عام، تجنبت الإدارات الأمريكية السابقة اتخاذ موقف بشأن شرعية المستوطنات، مفضلة تسميتها عقبة في طريق السلام، والإصرار على أن المسألة يجب أن تُحل في سياق تسوية سلمية، ولكن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت إدارة دونالد ترمب صراحة أن الولايات المتحدة لا تعتبر المستوطنات متعارضة مع القانون الدولي، ما منح الإسرائيليين القوميين (اليمينيين) تأييد الإدارة”.

حل الدولتين.. ضحية الضم

ولم تكن الأصوات الخارجية ودول العالم المعارضة الوحيدة للضم، بل خرجت أصوات من داخل إسرائيل تحذر من خطورة تلك الخطوة على حل الدولتين، إذ رأى الكاتب في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية هدار ساسكيند أن “قادة إسرائيل يضحون بالديمقراطية وحقوق الإنسان ويضعونها على مذبح القومية العرقية، وجميع هذه الجماعات اليهودية الأمريكية التي تدعي دعم حل الدولتين فقدت صوتها فجأة”.

ويصف الكاتب فشل الجماعات اليهودية الأمريكية التي تدعم رسمياً حل الدولتين في الخروج معارضة لمبادرة ضم الحكومة الإسرائيلية، وهي مبادرة مناقضة تماماً لحل الدولتين، بـ”الأمر المروع”.

ويضيف: “في الوقت الحالي تضع الحكومة الإسرائيلية خططاً إذا نُفِّذت فستكون مدمرة بشكل لا يصدق، فالضم يهدد مستقبل فلسطين وإسرائيل. إنها تهدد علاقات إسرائيل بالعالم العربي، بما في ذلك جيرانها الأردن ومصر، ولا ننسى أبداً أنها تهدد العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما في أكثر المظاهر المحزنة العلاقة بين إسرائيل والجالية اليهودية الأمريكية”.

من جانبه، تساءل الكاتب عودة بشارات في مقال له بصحيفة “هآرتس” بعنوان “الفلسطيني، تخلَّ عن حياتك“، معلقاً على مقابلة نتنياهو مع صحيفة “يسرائيل هيوم” التي قال فيها “لسنا نحن الذين يجب أن نستسلم، بل الفلسطينيون”، قائلاً: “أنظر حولي وأتساءل ما الذي سيتخلى عنه الفلسطينيون”.

وأضاف الكاتب: “لم يبقَ للفلسطينيين شيء للتخلي عنه، يمكن أن ينتحروا ويذهبوا إلى الحياة الأبدية، إلى المكان الذي لا يوجد فيه ألم وحزن”، ويضيف ساخراً: “بعبارة أخرى، إلى مكان لا يوجد فيه بنيامين نتنياهو”.

ويذكر الكاتب بعض الإحصائيات حول كيفية تقلُّص أراضي الفلسطينيين بفعل الاستعمار منذ 100 عام، “يشكل الفلسطينيون 90% من السكان، ويملكون معظم الأراضي، وفي عام 1948 لم يمنحهم العالم بعدالة استثنائية، سوى 44% من أراضي فلسطين التاريخية، على الرغم من أنهم كانوا ثلثَي السكان، وفي عام1967 حين لم يكن رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون راضياً عن الأراضي المخصصة لإسرائيل، سيطرت إسرائيل على أكثر من 78% من المنطقة، ثم سيطرت إسرائيل على الـ22% المتبقية للفلسطينيين”.

ويتابع: “احتلت إسرائيل الضفة الغربية ولكل جيل في إسرائيل خطأ فادح خاص به، وبعد ضم غور الأردن سيظهر تجسيد آخر لـ(الخطأ الفادح). وبدأت أخشى على مصير العاصمة الأردنية عمان من (خطأ فادح) في المستقبل”.

ويتحدث الكاتب عن النقاش المرير الذي يدور داخل أروقة الكنيست حول الضم، بين الـ102 عضو المؤيدين للخطة، مشيراً إلى أن خلافهم “تكتيكي”، فالبعض منهم يريد ضم الأرض كإرث له، والبعض الآخر يفضل الضم للاحتياجات الأمنية”.

ويضيف ساخراً: “إن أمن الفلسطينيين، الذين طردت الغالبية العظمى منهم من أراضيهم ويعيشون في الخارج، بينما يعيش الباقون خلف نقاط التفتيش والأسلاك الشائكة، لا يستحق النقاش حتى لدى حكومة نتنياهو”.

ويختم قائلاً: “يتشاجر اليهود فيما بينهم وينقسمون إلى أنصار الضم مقابل من يرفضونه، والشعب الفلسطيني -الطرف المعني- لا يُحسب”.

المصدر: TRT عربي – وكالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى