مقالات

ست بوصات

محمد الفضلي

كاتب وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

يقول ستيف هارفي أشهر مقدم برامج، وأشهر كوميديان أمريكي:

عندما كنت طفلاً صغيراً… طلبت منا معلمة الصف أن: نكتب على ورقة..

ما هو طموحنا ،حين نكبر ؟!!

فكتبت:

” أريد أن أظهر على التلفاز”

بينما كتب أقراني من الطلاب، ما زرعه آباؤهم فيهم:

(طبيب، ومهندس، وشرطي، وغيرها)

فلما قرأت المعلمة ورقتي… نادت لي أمام الصف، وكنت أعتقد أنني كتبت شيئاً مميزاً، لكنها بدل ذلك!! قامت بنهري، وتوجيه الكلمات التي لا تليق بي، ثم قالت لي:

كيف تريد أن تظهر على التلفاز؟!! ومن أنت لتظهر على التلفاز؟! وهل واحد من عائلتك أو حيّك ظهر على التلفاز؟!

أنت طفل أبله، ولقد رباك والدك على البله، وعدم التفكير.

لقد حطمتني تحطيماً، وأخذت الورقة، وعلقتها برقبتي، و أرسلتني للبيت ليراها والدي، كي يوبخني، ويحاول أن يهتم بي أكثر.

عندما قرأتها والدتي.. قالت لوالدي:

انظر إلى ما فعله ولدك؟!!

قال لها والدي :وما العيب فيما كتب؟!

ثم اتجه اتجاهي، وقال:

هل هذا هو طموحك؟

قلت له : نعم.

فقال :

دع هذه الورقة عندك، وخبأها، وأريدك أن تقرأها كل سبت، حتى تكبر.

وهكذا بقي طموحي وورقتي معي، حتى دخلت الجامعة، وبقيت أكافح حتى دخلت عالم التلفاز، وأصبحت ما أصبحت عليه الآن.

وبقيت فترةً، وأنا أرسل لمعلمة الصف شاشة تلفاز، وأكتب لها تابعيني على برنامج الثامنة.

ثم يطرح ستيف هارفي مثالاً رائعاً في التربية، فيقول :

يولد البرغوث، ولديه القدرة على القفز لمسافة 36 بوصة، وهو صاحب أكبر قفزة بالنسبة لحجمه بين الكائنات

لو افترضنا أننا: قمنا  بوضع برغوث في إناء مغلق ارتفاعه 6 بوصات، فإن هذا البرغوث سيصطدم بغطاء الإناء، وسيقع على الأرض، وبعدها سيتأقلم على الوضع الجديد، وتكون قفزته بحدود ال 6 بوصات.

لو تسنى لنا وضع برغوثا آخر معه (أنثى) لتأقلمت هي الأخرى على القفز بحدود ال 6 بوصات

ولو ولد برغوث لهما، لقام بالقفز لمسافة ال6 بوصة، دون أن يدري أن لديه القدرة على القفز لمسافة 36 بوصة.

هكذا تتم للأسف الشديد التربية، والتعليم في بلادنا.

 الكل يريدك أن تكون محبوساً ضمن ال 6 بوصات من مفاهيم وتربية متوارثة فيها من الأمراض ما فيها، مفاهيم تجعل للحيطان آذان، والستر يكون بالمشي جنب الحائط، ولا علاقة لي بأي شيء.

لم يفكر أحد أن يخبرك عن قدرتك!!

وماذا يوجد خارج الإناء؟!!

كل من قابلتهم من معلمين ومربين، يريدوننا أن نبقى محبوسين ضمن الإناء، يريدون أن يجعلونا نسخة كربونية عنهم، وعمن سبقوهم، يقتلون إبداعك منذ دخولك المدرسة، ويحولونك إلى مجرد آلة تتلقى المعلومات ولا تستخدمها.

الكل يريد أن يحطمك، لا أن يشجعك لتحدث التغيير.

يجب أن نقفز لحدود لا نهاية لها، لا أن نقلد من سبقونا، ونبقى نعيش في ال6 بوصات.

وكذلك الأمر في مفهوم التربية الوطنية لدى حكوماتنا الديكتاتورية، حين حبستنا في إناء جعلت  مفهوم الهوية فيه هو الخضوع وتقبل الهوان، و الانتماء هو تقديس الرئيس، وما قاله وما فعله الرئيس.

فيا صديقي:

إما أن تكون حراً متمرداً يكسر كل إناء تضعك فيه السلطة الظالمة، أو عش كل حياتك في الإناء خائفاً من ظلك، تتسول أبسط حقوقك، ولن تنال منها شيئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى