مقالات

صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس (1)

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب

الجذور التاريخية الأولى للحروب الصليبية:

اختلاف الأزمنة وتشابه الأهداف

إنَّ مما يجدر ذكره: أنَّ الحرب الصليبية بين المسلمين ، والنصارى الغربيين ، وغيرهم لم تبدأ في نهاية القرن الخامس الهجري، ولم تنته في القرن السابع الهجري، بل هذه الحملات هي سلسة في هذا الصراع الطويل؛ الذي بدأ بظهور الإسلام  ، واستمرَّ بصيغ دورية متعاقبة ، كادت تغطي المدى الزمني بين ظهور الإسلام والعصر الحديث، ويمكن تقسيمه على ستة من المحاور؛ التي استمر عليها هذا الصراع ، ولم تكن أدوار الصراع على كل واحدٍ من هذه المحاور تفتر قليلاً؛ حتى تشب ثانية في محور جديدٍ ، لا يقلُّ عنه ضراوةً ، وعنفاً ، واستنزافاً للطاقات الإسلامية في مساحات واسعة من الأرض. وهذه المحاور هي:

أولاً: البيزنطيون:

ترجع بدايات التحرك البيزنطي المضاد للإسلام إلى عصر الرسالة نفسه ، فمنذ العام الخامس للهجرة وعبر معارك دومة الجندل ، وذات السلاسل ، ومؤتة ، وتبوك ، وانتهاءً بحملة أسامة بن زيد ـ رضي الله عن الصحابة أجمعين ـ كان المعسكر البيزنطي يتحسَّس الخطر الإسلامي الجديد القادم من الجنوب؛ لا سيما بعدما تمكنت الدولة الناشئة من فك ارتباط العديد من القبائل العربية شمالي الجزيرة من سادتهم القدماء الروم ، وسواء كان البيزنطيون يتحركون ضد القوات الإسلامية بفعلهم ابتداءً ، أو كردِّ فعل لتحرك إسلامي؛ فإنَّ المحصلة الأخيرة هي أنَّ هذا المعسكر بدأ يدرك أكثر فأكثر حجم التحدِّي الجديد ، ويعدُّ العدة لوقفه. صحيحٌ أنَّ هذه العدة لم تكن ـ أحياناً ـ بالحجم المطلوب ، ربما بسبب عدم دقة المعلومات التي كانت القيادة البيزنطية تبني عليها مواقفها؛ إلا أنَّ النتيجة هي أنَّ النَّار اشتعلت عبر هذا المحور ، وازدادت اشتعالاً بُعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم  وتدفُّق القوات الإسلامية في البلاد التي يسيطر عليها البيزنطيون، وبعد إخراج البيزنطيين من ممتلكاتهم في اسيا ، وأجزاء من إفريقيا على يدي القيادة الراشدة؛ التي شهدت المراحل التالية من العصر الراشدي محاولاتُ التفافٍ ، وردود أفعالٍ عديدةٍ ، وهجمات مضادة نفَّذها هذا المعسكر في البرِّ ، والبحر ، ولكنَّها الت في معظمها إلى الخسران ، ثم ما لبث البيزنطيون أن انحسروا عبر العقود التالية ، وبفضل الملاحقة الدؤوبة التي قام بها الأمويُّون ـ ابتداءً من معاوية ـ رضي الله عنه ـ مؤسس الدولة الأموية ، وعهد عبد الملك بن مروان ، وبنيه ، خصوصاً: الوليد ، وسليمان ـ وقد تم شرح ذلك ، وتفصيله في كتابي: الدولة الأموية عوامل الازدهار ، وتداعيات الانهيار ـ واستمرت الملاحقة النشطة للبيزنطيين بعد الأمويين في الشام ، ومصر ، وشمال إفريقيا ، وانحسروا بالكلية عن الشمال الإفريقي ، ومساحات واسعة من البحر المتوسط ، وانزووا هناك في شبه جزيرة الأناضول ، فضلاً عن ممتلكاتهم في أوروبا نفسها.

وهكذا، وبمرور الوقت، أصبح خطر هجماتهم المضادة محدوداً؛ لأنها تركَّزت عند خط الثغور في الأناضول، والجزيرة الفراتية دون أن تتعدَّاه إلى العمق إلا نادراً بسبب يقظة القيادات الإسلامية، وتحصينها خط الحدود من جهة، وقيامها بهجمات مستمرَّة ضد الدولة البيزنطية، وتوغُّلها بعمق باتجاه القسطنطينية نفسها من جهةٍ أخرى، الأمر الذي لم يدع الإمبراطور البيزنطي ـ في معظم الأحيان ـ أن يأخذ زمام المبادرة وأن يوسِّع نطاق هجومه المضاد؛ اللهم إلا عند مطلع القرن الرابع الهجري؛ حيث كانت الدولة العباسية قد ضعفت؛ إلا أنَّ ظهور السلاجقة أعطى دفعة قوية لحركة الجهاد الإسلامي، وقد استطاعوا في عهد السلطان السلجوقي ألب أرسلان أن يحققوا نجاحاً ضد العمود الفقري للقوات البيزنطية في معركة ملاذ كرد عام 463هـ وكان هذا الانتصار بمثابة نهاية لتحديات الدولة البيزنطية، وهجومها المضاد، واستمرَّ على تلك الحال؛ حتى سقوطها بعد عدَّة قرون على يد العثمانيين  ،وقد فصلت ذلك في كتابي: الدَّولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط .

ثانياً: الإسبان:

شهدت الساحة الأندلسية منذ بدايات مبكرة هجمات مضادة متواصلة قادمة من الشمال؛ حيث يتحصَّن الإسبان في المناطق الأشد وعورة ، ولقد تمخَّضت هذه الهجمات عن صراعٍ مرير قَدِرَتِ القيادة الأموية عبره أن تجابه الهجوم المضاد لمدى ما يقرب من القرون الثلاثة ، وأن تحتويه ، وترغمه على الانحسار في الجيوب الشمالية لشبه الجزيرة الإيبرية ، ثم جاءت دفقة الحيوية الإسلامية الجديدة مرتين: إحداهما على يد المرابطين القادمين من المغرب، الذين سجلوا لنا في صفحات المجد انتصارهم العظيم في معركة الزلاقة على النصارى الإسبان في عام 479هـ ، والأخرى على أيدي الموحدين الذين جاؤوا من بعدهم؛ الذين حققوا انتصاراً ساحقاً على النصارى في معركة الأرَك عام 591هـ التي سجلت على صفحات الزمان بماء الذهب الصافي، وبذلك تمكن الإسلام في الأندلس من الصمود بمواجهة التحدِّي ، ومقاومة الهجوم الإسباني المضاد بسلاح شبه متكافئ لمدى يقرب من القرون الأربعة . لكن المسلمين هناك ما لبثوا أخيراً أن استترفوا ، وزادهم ضعفاً انقسامهم على أنفسهم، وصراعهم الدموي الطاحن فيما بينهم ، الأمر الذي حوَّل ميزان القوى لصالح القيادة النصرانية؛ التي تمكنَّت في نهاية المطاف من إسقاط اخر كيان إسلامي هناك ، مملكة غرناطة 897هـ لكيما تلبث ـ تحت زعامة فرديناند، وإيزابيلا ـ أن تنفذ أبشع مجزرة رهيبة في التاريخ البشري ، اشتركت فيها السلطة ، والكنيسة ، ومحاكم التفتيش، واستطاعت بأساليبها التي تجاوزت القيم الإنسانية فضلاً عن الدينية على تدمير الوجود الإسلامي في الأندلس ، وإزالته من الخارطة الإسبانية ، ودمج الجماعات الإسلامية قسراً بالمجتمع النصراني ديناً ، وثقافةً ، وسلوكاً  .

ثالثاً: الحركة الصليبية:

إن الحركة الصليبية هي ردُّ الفعل المسيحي تجاه الإسلام ، تمتدُّ جذورها إلى بداية ظهوره ، وخروج المسلمين من جزيرتهم العربية ، واصطدامهم بالدولة البيزنطية ، وإنَّ هذه الحركة تطورت كالكائن الحي على مدى القرون ، ما تكاد تخرج من طور إلا لتدخل في طورٍ جديد ، وما كانت الفترة الزمنية الممتدة بين سنتي (488 ـ 690هـ/1095 ـ 1291م) إلا أحد أطوارها فقط ، وإنَّ بروز هذا الطور بهذا الشكل الذي كان يطغى على باقي أطوارها يعود إلى عوامل عديدة معقدة ، ومتشابكة ، يستطيع الباحث أن يلتمسها في الدوافع ، والأسباب التي أدَّت إلى إطلاق الموجة الصليبية العاتية من عقالها في هذه الفترة  ، وقد تصالح المؤرخون على إطلاق الحروب الصليبية على الحركة الاستعمارية الصليبية؛ التي ولدت في غرب أوروبا ، واتخذت شكل هجومٍ مسلَّح على بلاد المسلمين في الشام ، والعراق ، والأناضول ، ومصر ، وتونس لاستئصال شأفه الإسلام ، والمسلمين ، والقضاء عليهم ، واسترجاع بيت المقدس.

وجذور هذه الحركة نابع من الأوضاع الدينية ، والاجتماعية ، والفكرية ، والاقتصادية ، والسياسية التي سرت في غرب أوروبا في القرن الحادي عشر ، واتخذت من الدِّين وقوداً لتحقيق أهدافها . فالغزو الصليبي ليس أمراً جديداً ، ولا ظاهرةً غريبةً ، أو استثنائيةً ، وإنما هو القاعدة ، وغيره الاستثناء  ، ولذلك نقول: إن التحديد الزمني للحركة الصليبية بين سنتي 588 ـ 690هـ هو تحديد خاطىء كما يقول الأستاذ الدكتور سعيد عاشور: لا يقوم على أساس سليم ، ولا يعتمد على دراسة الحركة الصليبية دراسةً شاملةً ، وإنما يكتفي بعلاجٍ مبتور يشمل جزءاً من تلك الحركة ، ولا يعبِّر عن جذورها ، وأصولها من ناحية ، ولا عن ذيولها ، وبقاياها من ناحيةٍ أخرى . لقد كانت المقاومة الإسلامية لهذا الغزو تعبيراً فذَّاً عن استمرار تيار العقيدة في نفوس المسلمين ، على مستوى القمة حيناً ، وعلى مستوى القواعد معظم الأحيان. لقد صنعت الحقبة مجاهدين على درجةٍ كبيرة من الفاعلية ، والقدوة ، وقد انتشر هؤلاء المجاهدون في كل الجبهات ، وقاموا بمقاومة الغزاة في كل الفترات ، وعلى مدى قرنين من الزمن لم يتخلوا عن المقاومة ، ولم يستكينوا ، أو يضعوا السلاح ، كانوا على استعداد في كل لحظة لركوب خيولهم ، والانطلاق سراعاً إلى الأهداف. والجهاد لا تضعه النظريات ، والأماني ، والمجاهد لا يتحرك في الفراغ ، ولكنها التحدِّيات التاريخية الكبيرة هي التي تضع الجهاد ، وتبعث المجاهدين ، وتنفخ في المقاتل المسلم روح البطولة ، والتضحية ، والاستشهاد.

رابعاً: حركة التفاف الصليبيين:

ما لبثت أوروبا بعد سحق الوجود الإسلامي في إسبانيا أن بدأت بقيادة إسبانيا ، والبرتغال ، ومن بعدهما بريطانيا، وهولندا ، وفرنسا عملية الالتفاف التاريخية المعروفة على عالم الإسلام عبر خطوطه الخلفية في إفريقيا ، واسيا ، والتي كانت بمثابة حركة الاستعمار القديم؛ التي ابتلى بها العالم الإسلامي فيما بعد ، والتي استمرت حتى العقود التي أعقبت سقوط الخلافة العثمانية ، كان المماليك في مصر ، والشام قد بلغوا مرحلة الإعياء ، وكان اكتشاف الطريق البحري الجديد حول رأس الرجاء الصالح قد وجَّه لتجارتهم ـ التي هي بمثابة العمود الفقري لمقدرتهم المادية ـ ضربةً قاصمةً. أما العثمانيون فكان جهدهم منصباً على اختراق أوروبا من الشرق ، ولم تكن لديهم الجسور الجغرافية التي تمكنهم من وقف محاولة الالتفاف تلك في بداياتها الأولى ، ولكنهم ما لبثوا بعد عدَّة عقود أن تحركوا لمجابهة الموقف ، ومع ذلك فقد دافعت الشعوب ، والقيادات الإسلامية المحلِّية في المناطق التي ابتليت بالغزو دفاعاً مستميتاً ، وضربت مثلاً صلباً في مقاومتها المتطاولة للعدوان ، وألحقت بالغزاة خسائر فادحة على طول الجبهات ، والمواقع الساحلية التي سعى هؤلاء إلى أن يجدوا فيها موطئ قدم . وقد استطاع العثمانيون إنقاذ العالم الإسلامي من الغزو البرتغالي الإسباني؛ الذي استهدف خنق التجارة الإسلامية ، وحين حاولوا السيطرة على ساحل المغرب الإسلامي للإغارة عليه وضربه؛ سارع العثمانيون بالسيطرة على المغرب كلِّه ما عدا مراكش ، واستطاعوا مواجهة الإسبان في حوض المتوسط ، وجزائره ، وسواحله ، وأدالوا منهم ، وبذلك استطاعت القوة البحرية العثمانية أن تحفظ شاطئ البحر المتوسط للإسلام ، والمسلمين ، واستطاع العثمانيون أن يسيطروا على ساحل شرق إفريقيا ، وشمال المحيط الهندي في مطلع القرن الثامن عشر ، فأرهب ذلك الأوربيين ، واستطاع أحمد بن سعيد 1740م أن يقف في وجههم في عُمَان؛ حيث فقد البرتغاليون الأمل في استرداد هذه المنطقة ، وقد كانت عُمَان بعد سقوط الأندلس أكبر قوة عربية ، ودامت نهضتها من عام 1000 إلى 1250هـ وقد استولت على ثغور البحر الأحمر ، والمحيط الهندي ، والخليج ، فإفريقيا الشرقية إلى رأس الرجاء الصالح ، وفي بضعة أجيال صار أهل عمان سادة هذه البحار العظمى الثلاثة ، وصار لهم أسطول ضخم ، هاجم الأسطول البرتغالي ، وأجلاه عن جميع الثغور الهندية ، والفارسية ، والإفريقية.. ولم يصبر الإنجليز على هذه الدولة البحرية التي كانت تهددهم في أملاكهم في اسيا ، وإفريقيا ، فعملوا على مدى ثمانين عاماً على إضعافها ، والقضاء عليها ، وضرب الأسطول البريطاني مدنها بالقنابل.

خامساً: الاستعمار:

وجاءت الموجه الأوروبية المضادة التالية على يد القوات الاستعمارية؛ التي دفعتها الثورة الصناعية إلى البحث عن مجالاتها الحيوية في القارات القديمة لتصريف بضائعها ، والحصول على الخامات الضرورية ، وتسخير الطاقات البشرية (الرخيصة) المستعبدة في إفريقيا عن طريق نقلها بالقوة فيما يعرف بحركة تهجير العبيد؛ التي كانت بمثابة إحدى العلامات السوداء في تاريخ الصراع بين أوروبا ، والشرق ، والتي ذهب ضحيتها عددٌ كبير من أبناء الشعوب الإسلامية في إفريقيا ، واستمرَّت هذه الموجة التي قادتها بريطانيا ، وفرنسا ، وهولندا ، وبلجيكا، وإيطاليا، وألمانيا إلى حدٍّ ما حتى العقود الأولى من القرن العشرين ، وكان العالم الإسلامي فريستها الأولى ، بل إنه كان فريستها الوحيدة ، إذا استثنينا مساحات محدودة قطنتها أكثرية غير إسلامية ، وكانت أهدافها الاقتصادية تتحرك على خلفية صليبية ، عبَّرت عن نفسها في أكثر من واقعة ، وقدمت عبر التاريخ أكثر من دليل ، إن «غلاد ستون» رئيس الوزراء البريطاني يقولها بصراحة أمام مجلس العموم البريطاني؛ وهو يمسك بالمصحف الشريف: ما دام هذا في عقول المصريين ، وقلوبهم؛ فلن نقدر عليهم أبداً .

وعندما دخل القائد البريطاني الصليبي القدس بعد الحرب العالمية منتشياً؛ وحلفاء بريطانيا يستقبلونه بحفاوةٍ ، وتكريم إلا أنَّه لم يخف حقده الصليبي على الإسلام ، والمسلمين ، وأظهر سروره ، وحبوره كقائد صليبي منتصر فتح القدس ، وفلسطين ، وجعلها تحت الانتداب البريطاني الصليبي ، فقال: الان انتهت الحروب الصليبية  يزعم بهذه العبارة: أنَّ هدف الحروب الصليبية باحتلال القدس ، وفرض السيادة الصليبية عليها ، وعلى فلسطين قد تحقَّق ، وهو بهذا يشير إلى أنَّ الحروب الصليبية التي استمرت قرنين من الزمان ، واحتلت القدس ، وفلسطين سنة 492هـ وحرَّرها المسلمون في عام 583هـ لم تحقق هدفها ، أما الحرب العالمية الأولى فقد حقَّقت فيها الصليبية هدفها ، واستولت على فلسطين ، والقدس ، وكانت السيادة لها. وأما القائد الصليبي الفرنسي؛ فقد ذهب إلى قبر صلاح الدين في دمشق ، وقال عند القبر: ها نحن عدنا يا صلاح الدين!.

واستمرَّت الحرب الصليبية ، فلم تتوقف ، فقامت بريطانيا بإعطاء وطن لليهود على أرض فلسطين ، وإقامة دولة يهودية ، واتَّخذت من القرارات ، والإجراءات الإدارية ، والعسكرية ما تقيم به هذه الدولة بتدريب اليهود على السِّلاح ، وفنون القتال ، وتوفير السلاح لهم ، بل إعطاء بعض أسلحة الجيش البريطاني لهم ، وبخاصةٍ عندما أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15/5/1948م ، بل سلمت كثيراً من المدن ، والقرى الفلسطينية إلى اليهود؛ ليعلنوا إقامة دولة يهودية عليها ، وفي الوقت ذاته قد حرَّمت على الفلسطينيين المسلمين التدريب على السلاح ، واقتناء السلاح ، وشنَّت عقوبات ظالمة على كل فلسطيني يقتني السلاح ، أو العتاد ، فكانت عقوبة الإعدام هي الشائعة ، ولقد عُلِّقَ من المجاهدين المسلمين على أعواد مشانق الصليبيين الإنجليز في تلك الفترة الاف الشهداء ، وَزُجَّ في غياهب السجون عشرات الألوف .

هذا؛ وقد تزامنت الحركة الاستعمارية ، وارتبطت عضوياً بحركة التبشير النَّصرانية بجانبيها الكاثوليكي، والبروتستانتي ، والتي انتشرت مراكزها في طول بلاد الإسلام ، وعرضها تمهد للاستعمار بأنشطتها المختلفة، وتفتح أمامه الطريق ، وتحظى تحت سلطانه بالكثير من المساعدات ، والميزات ، إلا أنَّ هذا الهجوم الاستعماري الصليبي المضاد لم يَمْضِ بسلام ، ولم تركع الشعوب الإسلامية أمام إرادة القوة؛ التي اعتمدها الغزاة ، بل شمَّروا عن ساعد الجد ، واستجاشوا قدرات الإيمان الدافقة ، ووازنوا بتضحياتهم ، وعشقهم الموت ، وركضهم إلى الشهادة، رغم نقص إمكانياتهم العسكرية ، والمادية ، وصنعوا بذلك الأعاجيب؛ التي أذهلت الغربيين ، وعرقلت استمرارية حركتهم ، وألحقت بهم الهزائم ، والويلات، ووضعت في طريقهم الأسلاك الشائكة ، والألغام. ليس هذا فحسب، بل إن الاستجابة للتحدِّي الاستعماري النصراني بعث حركات إسلامية أصيلة تخلَّقت في مناخ جهادي قاس، واستهدفت مقارعة العدوان ، وتحرير الأرض ، والعقيدة ، والإنسان ، وقدَّمت نماذج من أعمال المقاومة، تحدَّث بها الغربيون قبل الشرقيين ، وملأت صفحاتٍ ناصعة بيضاء في معطيات التاريخ ، ونحن نذكر على سبيل المثال لا الحصر مقاومة كلٍّ من: محمد عبد الكريم الخطابي بالمغرب ، وعبد القادر الجزائري ، وجمعية علماء المسلمين بالجزائر؛ التي قادها عبد الحميد بن باديس ، ومحمد البشير الإبراهيمي ، وعمر المختار بليبيا ، وغير ذلك من حركات التحرُّر؛ التي تحتاج إلا أقلام صادقة لبحثها ، وكتابتها. والأمة في أشدِّ الحاجة إلى مثل هذه الدراسات الجادة.

إن الحرب الصليبية لم تنته ، ولن تنتهي ، وما يحدث في أفغانستان ، والعراق ، وفلسطين دليلٌ على ما نقول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى