مقالات

8 رؤساء امتلكوا عبيداً.. حقائق صادمة عن تاريخ العبودية وحاضر العنصرية في أمريكا

ياسر العيسى

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

“لا استطيع التنفس، أرجوك لا تقتلني”، كانت آخر ما قاله الأمريكي من أصول أفريقية، جورج فلويد، وهو يعيش لحظات الأخيرة التي أنهاها شرطي أبيض، لتُشعل هذه الحادثة احتجاجات غاضبة امتدت من ولاية مينيسوتا إلى ولايات ومناطق أخرى من الولايات المتحدة، ولتفتح من جديد جرح أمريكا العنصري.

“لا استطيع التنفس”، جملة لم تكن الأولى من نوعها لحوادث عنصرية مشابهة تجاه الأمريكيين من أصول أفريقية، فقد كانت ذات الكلمات التي اختتم بها أريك غارنر (44 عاماً) حياته مختنقاً في نيوريوك في 17 تموز/ يوليو 2014، بعد أن واصل الشرطي الأبيض “دانياك بانتليو”  لف ذراعه حول عنقه، ورغم ذلك رفض القضاء في الولاية توجيه اتهامات جنائية ضد “بانتاليو”، ما أشعل احتجاجات في مدن أمريكية عدة، وانتظر الأمريكيون 5 سنوات عقب هذه الحادثة حتى يطرد “بانتاليو” من شرطة نيوريورك”، فقط لا غير..!! لتتكرر بسبب ردود الفعل القضائي على هذه الجرائم، حوادث مقتل مواطنين سود على يد الشرطة الأمريكية.

الاحتجاجات الجارية اليوم لم تكن الأولى من نوعها، فهي إضافة إلى الاحتجاجات التي اندلعت عقب مقتل “غارنر” عام 2014، شهدت فلوريدا في شباط/ فبراير 2012 مقتل تلميذ الثانوية “ترايفون مارتن” برصاص متطوع لحراسة حي سكني، اندلعت عقبها احتجاجات لم تدفع القضاء إلى معاقبة الجاني، الذي رأت فيه “هيئة المحلفين” بأنه غير مذنب.

9 آب/ أغسطس 2014 شهد بدوره احتجاجات عنيفة بعد مقتل “مايكل براون” (18 عاماً) بالرصاص في مدينة فيرغسون بولاية ميسوري، عقب مشادة مع ضابط الشرطة “دارين ويلون”، ورغم ذلك رفض القضاء توجيه أي تهم جنائية لـ”ويلسون” الذي استقال من الشرطة، فقط..!!

بعد أقل من عام من هذا التاريخ، وتحديداً في 4 نيسان/ أبريل 2015، تلقى والتر سكوت (50 عاماً) في مدينة نورث تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية، ثلاث طلقات في الظهر، أثناء فراره من الشرطي مايكل سلاغر، الذي أوقف سيارة سكون ذات الفرامل المعطلة.

وبعد أسبوع فقط على تلك الحادثة، تم تبرأت 3 من 6 ضباط ضالعين في قتل فريدي غراي (25 عاماً) في مدينة بالتيمور في ماريلاند، ما نتج عنه اندلاع احتجاجات عنيفة، وهو ما حصل أيضاً مع الشرطي جيرونيمو يانيز في تموز/ يوليو 2016 الذي أطلق النار على “فيلاندو كاستيل” لعدم توقفه على جانب الطريق، ومع ذلك تمت تبرئته.

الحوادث المشابهة، ووقوف القضاء إلى جانب الجناة، تكررت، وصولاً إلى حادثة إطلاق 8 رصاصات على الطبيبة برونا تايلور (26 عاماً) في 13 آذار/ مارس الماضي بعد مداهمة شقتها في ولاية كنتاكي.

وبحسب ما نقلته “بي بي سي عربي”، عن بيانات نشرتها صحيفة “واشنطن بوست”، فإنّ 1014 شخصاً أسوداً، قتلوا على يد الشرطة في عام 2019. وتبيّن عدّة دراسات، أن الأمريكيين السود، أكثر عرضة لأن يقعوا ضحايا للشرطة مقارنة بالأعراق الأخرى، وأنّ السود في أمريكيا يقتلون على يد الشرطة، أكثر بثلاث مرات من البيض.

أن تكون أمريكياً..

في عام 1992، قالت الأديبة الأمريكية توني موريسون لصحيفة الجارديان: “في هذا البلد، أن تكون أمريكيًا معناه أن تكون أبيض اللون، أما كل شخص آخر ليس كذلك، فعليه أن يرفق أصله مع كلمة أمريكي”.

تقديم لمحة قصيرة عن قصة “العبيد” والعنصرية في أمريكا، يعني العودة إلى آب/ أغسطس من عام 1619، عندما وصلت إلى ولاية فرجينيا سفينة تحمل نحو 20 من الأفارقة المستعبدين، بعد أن خطفهم قراصنة إنجليز من سفينة برتغالية تحمل أفارقة مختطفين من أنغولا بغرض الاستعباد، وتعد أول عملية موثقة لوصول أفارقة مستعبدين للمنطقة التي كانت مستوطنة إنجليزية، قبل أن تصبح لاحقاُ جزءاً من الولايات المتحدة التي تشكلت بعد 150 من ذلك التاريخ.

القراصنة عمدوا إلى بيع أول الأفارقة الواصلين، إلى سكان المستعمرات في فرجينيا الذين كانوا بحاجة إلى العمال، وكان من بين المشترين المحافظ والتاجر الرئيسي، للعمل في جني المحاصيل وحقول التبع.

وانطلاقاً من حقول التبغ في فرجينيا وماريلاند وكارولينا الشمالية، ازدهرت تجارة العبيد في أمريكا، حتى شكّل الأفارقة المستعبدين في هذه الولايات ما يزيد عن 50 بالمئة من سكان هذه الولايات بحلول عام 1776، ثم انتشرت العبودية عقب ذلك في مزارع الأزر في الجنوب الأمريكي.

 مع حلول عام 1860، كانت الولايات المتحدة قد سجلت وجود ما يقرب من 4 ملايين من السود المستعبدين، أي 13 في المئة من مجموع السكان آنذاك، وصولاً إلى القرن الواحد والعشرين، إذ تشير التقديرات إلى أن الأمريكيين من أصول أفريقية يشكلون حالياً نحو 14 في المئة من مجموع سكان الولايات المتحدة، وبعدد يتجاوز الـ40 مليون نسمة، وهم يعانون من العنصرية من مواطني بلدهم البيض، بعد مرور 200 عاماً على تحرير ابراهام لنكولن لأجدادهم، الذين جاؤوا قسراً على هذه البلاد كعبيد.

تبين كتب التاريخ، أن ما يقرب من 12.5 مليون أفريقي استعبدوا ونقلوا عبر المحيط الأطلسي الى العالم الغربي في سفن العبيد بين أواخر القرن الخامس عشر وأواخر القرن التاسع عشر. 

شكل الأطفال نحو 26 في المئة تجارة العبيد، وهذا الرقم لا يشمل نحو 15 في المئة من الأفارقة الذين ماتوا في السفن قبيل وصولهم إلى اليابسة، بسبب الظروف السيئة التي عاشوها أثناء عملية نقلهم، حيث كان الجوع والعطش والعنف مرافقاً لهم، وهناك تقديرات تشير إلى أن هناك 1.8 مليون مستعبد توفوا خلال رحلاتهم البحرية عبر الأطلسي، وألقيت جثثهم في البحر.

مما تم توثيقه في هذا المجال، أن سفن تجارة العبيد عادة ما كان يقسم السطح السفلي للسفينة إلى حجرات منفصلة للرجال والنساء، تحمل ما بين 250 إلى 600 مستعبد، ومكدسين بما يعيق حركتهم، وأحياناً مع عدم وجود مجال للالتفاف بالجسد، وبمكان لا يمنح الرجل سوى 1.80 متر للطول، و40 سنتميرا للعرض، لتبقى الأغلال والقيود والأوضاع المأساوية، مرافقة لهم خلال الرحلة التي تستغرق ما بين 6 إلى 8 أسابيع.

الظروف الصعبة عاشها الأفارقة المستعبدين طوال الرحلة، كانوا يعاملون بقسوة إزاء إي محاولة للتمرد، أو حتى للانتحار من قبل أحدهم، حيث كان الجلد مرافقاً لهم طوال الرحلة، ناهيك عن أساليب التعذيب الأخرى من بينها وضع محلول ملحي على الجروح بعد ضربهم مباشرة لزيادة الألم.

الكل مذنبون..

من المعلومات التي قد تكون غائبة عن أذهان الكثيرين، هو أن امتلاك العبيد شمل كافة فئات سكان أمريكا البيض، من بينهم الرؤساء الأوائل، ابتداء من الرئيس الأول جورج واشنطن (صاحب الصورة في عملة الدولار الأمريكي)، والذي امتلك عبيداً منذ سن العاشرة من عمره، وعندما تعالت الأصوات الداعية إلى حرية العبيد، وصدور قانون في هذا المجال، عمد إلى الإبقاء على عبيده الذين قدر عددهم بنحو 250 رجلاُ، من خلال استغلال إحدى الثغرات القانونية.

القانون الأمريكي الذي منح حرية للعبيد الذين بلغوا سن الثامنة والعشرين، صدر عن ولاية بنلسلفانيا في عام 1790، وتضمن أن العبيد الذي جاؤوا إلي الولاية مستعبدين يحررون بعد إقامتهم في الولاية 6 أشهر، لذا استخدم جورج واشنطن هذه الثغرة فعاش بين نيويورك وبنسلفانيا، وكان عليه أن يجلب عبيداً كل ستة أشهر في منزله في ولاية بنسلفانيا ليتوافق مع القانون.

ويبن المؤرخون، أن 8 من أول 12 رئيساً أمريكياً امتلكوا عبيداً، ومن بينهم جون تايلر واندرو جاكسون، وجايمس ماديسون، وجايمس مونرو.

التاريخ الآخر لقضية العبيد، كان في عام 1865، وتضمن إلغاء وتحريم “أي ممارسة للعبودية غير الطوعية، إلا في حالة من أُدين بجريمة داخل الولايات المتحدة، أو أي مكان يخضع لولايتها القضائية”. ومن هنا بدأ عصر جديد للعبودية في أمريكا وهي عبودية السجناء، ويحصل ذلك رغم أن إعلان الاستقلال تضمن أن “كل الناس خلقوا سواسية”.

من التواريخ المهمة في قضية الأفارقة في أمريكا، كان عام 1808، عندما تم منع تجارة العبيد، ورغم ذلك استمرت بسبب الطلب عليهم من قبل أصحاب المزارع في الجنوب.

في عام 1661 صدر قانون في ولاية ماريلاند حظر الزواج بين الأفراد من أعراق مختلفة (تمازج الأجناس) وبحلول ستينيات القرن العشرين، كانت هناك 21 ولاية أمريكية، لا تزال لديها تلك القوانين، بينها ألاباما، آخر ولاية تلغي الحظر المفروض على الزواج بين الأعراق المختلفة، في عام 2000.

نقائض..

لعل من أكبر نقائض الولايات المتحدة فيما يتعلق بـ”العبيد”، أن إعلان الاستقلال الأمريكي 1776، تضمن في سطوره الأولى: “إن كل البشر قد خُلقوا متساوين، وأن خالقهم قد وهبهم حقوقاً لا يجوز انتزاعها ولا التفريط فيها”. ولا غرابة في هذا التناقض إذا علمنا أن “توماس جيفرسون (ثالث رئيس للولايات المتحدة) الذي كتب هذه السطور، هو من ملاك العبيد.

أما حديثاً، فإن أبرز ما يثير التناقضات عند التطرق إلى العنصرية في أمريكيا، أن الجاني فيها هو نفسه ليس من سكان البلد الأصليين – كما هو حال أقرانهم العنصريين في البلدان الأخرى – وإنما أحفاد أجداد محتلين ومستوطنين يطلق عليهم تلطفاً اليوم بـ”المهاجرين”، ومن بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذاته، ذي الأصول الألمانية، الذي تشير تقارير إلى أن وصوله للبيت الأبيض كان عبر أصوات العنصريين البيض، لتبنيهم أجنداتهم، وتقربه من سلوكه ونهجهم وعقليتهم ، كما هو حال تهجمه على الرئيس السابق باراك أوباما، مطالباً إياه بالعودة إلى كينيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى