تحقيقات

نبش القبور من طبع اللئام

نعيم مصطفى
مدير الأخبار

من المعلوم في التاريخ القديم والحديث أن التعاطي مع القبور ونبشها يكون لغايتين: إما من أجل البحث عن الذهب والكنوز والآثار النفيسة وإما من أجل استخراج الرفات لرجل عالم أو مبدع أو مفكر …ومن ثم نقله إلى مكان خاص ليكون أسوة لغيره من البشر، ويمكن نبش القبر والمحافظة على جثمان صاحبه أو رفاته حتى ولو كان مجرماً سفّاحاً سفاكاً للدماء، من أجل العبرة وأخذ الدروس وقد حدثنا القرآن الكريم عن فرعون ذاك الطاغية الظالم الذي ادّعى الألوهية وكيف حفظ الله بدنه ليكون عبرة لمن خلفه ” فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)” يونس.

لكن الأمر الغريب والعجيب أن يأتي أناس في عصرنا الراهن وينبشوا جثمان الخليفة العادل التقي الورع عمر بن عبد العزيز، ليشبعوا حقدهم الطائفي الذي تحول إلى مرض نفسي، وليشفوا غليلهم من تاريخ مضى عليه مئات السنين، وليصبوا جام غضبهم على ذلك الخليفة الأسطوري الذي غادر الحياة منذ ما يزيد على ثلاثمئة وألف سنة، هذا مالم يكن ليتصوره عاقل.

فقد تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعملية نبش ضريح الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز على يد ميليشيات إيرانية مؤيدة للنظام السوري في إدلب وأكد ناشطون أن ميليشيات شيعية إيرانية قامت بنبش ثلاثة قبور يضمها الضريح وهي للخليفة وزوجته فاطمة بنت عبد الملك وخادم الضريح الشيخ أبو زكريا بن يحيى المنصور. وأشاروا إلى أن الميليشيات قامت بتدمير الضريح والقبور الثلاثة بالكامل، ونشروا الفوضى في المكان.

ويقع الضريح في قرية الدير الشرقي في محافظة إدلب ويوجد حوله عدة مساجد أهمها مسجد عمر بن عبد العزيز، وكان يعدّ من المزارات الدينية لملايين المسلمين قبل اندلاع الثورة السورية.

يُذكر أن المسجد والضريح سبق أن تعرض لقصف جوي روسي في 2018 أسفر عن تضرره بشدة، كما تعرض المبنى الذي يضم الضريح للحرق العام الماضي على يد ميليشيا إيرانية.

ومن المؤسف والمثير للاشمئزاز أن المجتمع الدولي تجاهل هذا الحادث الفظيع وأدار له ظهره، مع أن هذا الضريح يعتبر أثرًا إنسانيًا عالميًا خالدًا، ومن المؤسف حقًا والأشد غرابة أن الأمة العربية والإسلامية لم تنبس ببنت شفة إزاء هذا الفعل الشنيع باستثناء دولة باكستان التي لها أيادي بيضاء في مناصرة القضايا الإسلامية؛ حيث أصدر مجلس علماء باكستان بيانًا استنكاريًا جاء فيه: ” ما قامت به ميليشيات طائفية حاقدة في سورية باعتدائهم الإجرامي على قبر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يؤكد بأن مشكلة الحقد والتطرف تحتاج وقفة حازمة لمنع استمرار العنف والكراهية  التي تغذي الإرهاب والانحراف الفكري.

نأمل من جميع العلماء والدعاة في العالم الاستنكار والرفض لمثل هذه الجرائم الطائفية النكراء التي نفذتها الميليشيا الطائفية في سورية باعتدائهم على قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والتأكيد بأن الإسلام بريء من هذه الأعمال المشينة الحاقدة التي تتعارض مع أخلاق المسلمين”.

ومن نافل القول أن نقف عند نبذة مقتطفة من عبق سيرة سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه خامس الخلفاء الراشدين.

عمر بن عبد العزيز هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي المولود سنة 61 للهجرة وهو ما يوافق عام 681م في المدينة المنورة، وهو ثامن خلفاء بني أمية، نشأ عمر بن عبد العزيز عند أخواله، وأخواله هم آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان لنشأته تأثير كبير في طباعه، كان عمر بن عبد العزيز شغوفًا بالعلم، فكان عالمًا في الفقه، وفي عام 87هـ، تولَّى إمارة المدينة المنورة بأمر من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان، ثمَّ تولَّى كامل ولاية الحجاز بعد أنَّ ضُمَّتْ الطائف إليه عام 91هـ، ولمَّا تولَّى سليمان بن عبد الملك خلافة المسلمين قرَّب إليه عمر بن عبد العزيز وجعله وزيرًا من وزرائه ومستشارًا له، ثمَّ أعطاه ولاية العهد فأصبح خليفة المسلمين بعد وفاة سليمان بن عبد الملك عام 99 للهجرة. كان الخليفة عمر بن عبد العزيز في ولايته عادلًا، مُقسطًا بين الناس، ورعًا، تقيًّا، لا يخشى في الله لومة لائم، حتَّى إنَّ خلافته تميَّزت دون سائر فترات الدولة الأموية، حيث قام بإصلاحات كثيرة في فترة خلافته، منها عزل الولاة الظالمين وتعيين من هم أكفأ منهم، عمل بنظام الشورى الذي قامت عليه الخلافة الراشدة، ردَّ المظالم وأقام العدل بين الناس جميعًا، وكان لعمر اهتمام كبير بالعلوم الشرعية، فدُوِّنَ الحديثُ الشريف في عصرهِ، ولكنَّ فترة خلافته لم تدم طويلًا، فبعد سنتين وخمسة شهور وأربعة أيام فقط، انتهت خلافة عمر بن عبد العزيز بوفاته سنة 101هـ.رضي الله عنه وأرضاه.

 وأخيرًا يجب على كل من يملك ذرة من الإنسانية أن يقف سدًا منيعًا أمام تلك الانتهاكات والأفعال الآثمة والآسنة إن كان بالقلم أوبالقانون أو بالقوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى