مقالات

فصائل الثورة السورية من التحرير إلى التناحر

حسين السيد

محام وسياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) المائدة

– في تطور خطير للاشتباكات الحاصلة بين فصيلي الحمزات وجيش الإسلام في منطقة عفرين شمال سورية، ومن قبله الاشتباكات بين فصيلي أحرار الشرقية والشرطة العسكرية في مدينة جرابلس، وقبله عشرات، بل مئات الحالات من الاقتتال التي لم تتوقف بين تلك الفصائل المحسوبة على الثورة السورية!!!

  – أسئلة كثيرة مستهجنة تُطرح من شعبنا المقهور حول الاقتتال الفصائلي المستمر، في محاولة  لاستجلاء الحيرة، خاصة أن هذا الشعب ما زال بين نازح ولاجئ ومشرد خارج مدنه وبلداته وأوطانه، وما زال الأسد ونظام حكمه وقوى الاحتلال المتعددة جاثمة على أغلب الأراضي السورية….

 والدولة السورية الجديدة المستقلة لا تزال بعيدة المنال، فلا توجد غنائم ومكاسب توجب هذا الاقتتال، ولم يعد للاستقرار وللأمان مكان فيها.

–  يتفاءل شعبنا المظلوم في كل مرة يتم فيها إعلان وقف ذلك الاقتتال، ويظن الناس أنه قد ولى إلى غير رجعة، فتفاجئهم الأحداث ويتبين لهم أن حساباتهم كانت غير دقيقة!.

– تهدأ في إدلب حيناً وترتاح قليلاً، ثم تندلع الاشتباكات من جديد في جرابلس، ثم ما تلبث أن تنتهي حتى تنطلق في عفرين من جديد…………!

– في كل مرة يخرج علينا قيادات ومشايخ  الفصيلين المتقاتلين بعد وقوع العشرات من الضحايا الأبرياء  من خلال مقاطع تصويرية يتناولون فيها الطعام والشراب والقهوة المرة دون أي مبالاة أو تغيير في استراتيجيتهم الحمقاء !  

ولتحديد الأسباب وراء ذلك الاقتتال المتجدد لا بد من ذكر الحقائق التالية:

١-  بنية الفصائل العسكرية الحالية والتي تأسست بطريقة عشوائية ممنهجة وبدعم خارجي  تؤسس بطبيعتها للارتهان، والاقتتال والتناحر المستمر؛ لأنها في الأصل لم تبنَ على تنظيم مهني قادر على استيعاب الآخر والتنسيق معه، ولم تركز يوماً جهودها على تحقيق الهدف من خلال الإنجاز ولم توّلي الضباط المنشقين المؤهلين لقيادتها.

٢- غياب القيادة السياسية الحقيقية للثورة السورية وترك السفينة بلا طاقم قيادة يوجهها، و يوصلها إلى شاطئ الأمان،

 يساهم وبشكل رئيسي في  الاقتتال والتنازع المستمر بين تلك الفصائل، فلا مرجعية سياسية ترسم لها خطها العام.

 ٣- لقد ثبت بأن الفصائل العسكرية الحالية لم تعد ترفد الثورة السورية، فهي ليست فصائل ثورية مقاومة تماماً، وهي أقرب إلى التجمعات أو القبائل منها إلى التنظيم العسكري، فهي تتميز بعقلية مناطيقية هدّامة، وبشعور وادعاء  المظلومية المستمر، فيظن كل فصيل من هذه الفصائل أنه يملك الأفضلية والحقيقة المطلقة، ويتهم الآخرين بأنهم بغاة معتدون، مع أنه يمارس ذات الأفعال وينتهج ذات السلوكيات !

٤- يتم تلقين وتسميم عناصر كل فصيل فكرياً بعقلية عدائية وفوقية فارغة،  فتمجد ذلك الفصيل وقائده ،وتحط من قيمة الفصائل الأخرى، فيقوم بعض (مشايخ تلك الفصائل) أو ما يسمونهم بالشرعيين بتربية عناصرهم على التشنج والكراهية والأحقاد ضد الآخرين، وعدم قبولهم والتعامل معهم بحذر شديد، وربما التصريح بالقتل أحياناً والإفتاء به عند اللزوم!

ومثل هذه التربية لا يمكن أن تؤدي إلى توافق واجتماع ووحدة أو إلى تعاون بين الفصائل، ومن شأنها أن تلحق الهزيمة بالفصيل تلو الآخر و تصبح القيم الثورية والوطنية تابعة للقيم الفصائلية وتُعرّفها  وفق مصالحها وكما تكون متناسبة مع رؤية كل فصيل.

 ٥- تركز الفصائل العسكرية الحالية كثيراً على الإسقاط على حساب الإنجاز، فيبحث كل فصيل  عن أخطاء الفصيل الآخر ويضخّمها ويعظّمها ويصوّرها على أنها كارثة مرعبة ستلحق بالشعب السوري الدمار والهزيمة، فضلاً عن كونها هي السبب في جميع الهزائم والانكسارات في الثورة السورية.

٦- بيانات الإدانة والاستنكار  المتبادلة التي لا تحصى ولا تعد والتي تصدرها الفصائل قبيل الاقتتال وبعده، والمتضمنة الاتّهامات والاتّهامات المضادة في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام أحياناً،  وبث الكراهية والبغضاء في صفوف الشباب أصبحت سياسة ثابتة لدى جميع تلك الفصائل.

٧- لم تدرك الفصائل العسكرية حتى الآن أن السلاح والقوة المسلحة داخل المدن والبلدات السورية لشعب يعيش منذ عشر سنوات تحت وطأة القتل والإبادة والنزوح والتشريد والحصار والتجويع الممنهج  سيرتد ضدها وسيشعل النار والاقتتال بين فصائلها بين الحين والآخر .

– وفي النهاية وحتى يكون بالإمكان وقف ذلك الاقتتال المخزي فإنه لا مفر من القضاء على أسبابه، وأما العلاج الاستعراضي المؤقت فلا قيمة له.

 – المشوار ما زال طويلاً، ولا تشير الأوضاع إلى أنّ قادة الفصائل الحاليين يملكون الاتزان المطلوب لتحقيق الهدوء والتعاون والتوحد تحت قيادة عسكرية ومن ثم سياسية وطنية  واحدة.

ولذلك فإن سمعة تركية اليوم هي على المحك فيما يتعلق بتواجدها في الشمال السوري، و مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والأمنية… يترتب عليها التزامات مستعجلة لإعادة النظر في تنظيم المنطقة الواقعة تحت وصايتها وضرورة إحلال الأمن والاستقرار والتنمية فيها …

فإما أن يكون الشمال السوري  مستقراً ونموذجاً إيجابياً ينظر إليه الجميع بالرضا والاطمئنان و يلفت انتباه العدو قبل الصديق، وإما أن يستمر بالفوضى والاقتتال ويشكل نموذجاً سلبياً تنعكس نتائجه على عموم السوريين،  وعلى سمعة تركية داخلياً وخارجياً في الوقت نفسه، فمآلات الاستمرار على الوضع الراهن لن يكون مطلقاً في مصلحة الثورة السورية، وكذلك لن يكون في مصلحة تركية كونه يعرض أمنها القومي والوطني لأخطار مختلفة قادمة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هذه قراءة معمقة و تفصيلات بالغة الأهمية و هذا يتطلب تضافر جهود المخلصين و تعاونهم للوصول إلى أصحاب القرار لإيقاف هذه الفوضى التي ستنزف الجميع . فالبدار فالبدار لطرق الأبواب لحماية أهلنا و شعبنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى