ثقافة وأدب

صالح جودت!

محمود القاعود

كاتب واديب مصري.
عرض مقالات الكاتب

صالح كمال الدين إسماعيل جودت، شاعرٌ مصري وُلد في 12 ديسمبر عام 1912م، بمحافظة الشرقية. كان جدّه جودت باشا (1813 – 1894م) أديباً وسياسيًّا تركيا مُحنكاً، وكان وزيرًا بالدولة العثمانية وينشر مؤلفاته بالتركية والعربية والفارسية، أما ابنه إسماعيل فقد نشأ ثائرًا ولعب دورًا بارزا في مقاومة السلطات التركية فتعرض للاضطهاد والتشريد ففرّ إلى مصرَ ولم يلبث أن أحبها وأحب المصريين وراح يمارس هوايتـه في الثورة والكفاح من أجل حريَّةِ مصرَ وعزتها، ويكفي أن نعلم أنه كان واحدًا من أبرز رجال الثورة العرابية، وطورد وتم القبض عليه ومحاكمته وصدر الحكم بنفيه إلى السودان لمدة ثلاثة أعوام، لكنهم ارتابوا من وجوده بالسودان خشية أن يمارس دوره هناك في إثارة الناس ضد الخديوي والأتراك والإنجلي ، فأعيد ترحيله إلى تركيا (بلده الأول)، وهناك أنجب ابنه كمال الدين عام 1882، وبعد أربعة عشر عاما لم يجد إسماعيل مفرًّا من العودة إلى مصر، فعاد عام 1896م وفي صحبته ابنه اليافع الذي تشرب الثورة وحب مصر من أبيه، راح إسماعيل يشتغل بالمحاماة، ولأنه يمتلك مكتبة منزلية تزخر بأمهات الكتب في الأدب والتاريخ والقانون فقد غرس في ابنه حب القراءة والتثقف، وسار الابن في مراحله التعليمية بنجاح ليتخرج في النهاية مهندسا زراعيا يرتحل في الإقليم المصري من محافظة إلى محافظة، وبسبب ذلك أصدر كتابا يصف مصر كلها شعرًا، وُصف بأنه تحفة أدبية.

في عام 1908م تزوج كمال الدين سيدة تجمع بين الأصل التركي من ناحية والدها، والأصل المغربي من ناحية والدتها، وشاء القدر أن يولد صالح جودت بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية في لحظة ما كان أبوه يصارع الموت بالمستشفى، فأسمته أمه عبد الرحمن (على اسم أبيها)، ونجح الأطباء في إنقاذ الأب الذي ثار ثورة عارمة، وقام بتغيير اسم ابنه إلى صالح (تيمُّنًا بشقيقه صالح، نجم الأدب والقانون في ذلك الوقت) وأصدر إعلاما شرعيا بذلك.

عادت الأسرة إلى القاهرة، وشهدت السنوات الأولى تفوقا ملحوظا لصالح جودت إذ بدأ يكتب تجاربه الشعرية في سنّ السابعة مقلدا شوقي، ثم نال الشهادة الابتدائية قبل أن يكمل العاشرة، وهو أصغر من نالها في تاريخها، غير أنه فشل في اجتياز السنة الأولى من المرحلة الثانوية لمدة ثلاثة أعوام متتالية بسبب غروره إذ حياه مدير المدرسة في اليوم الأول، وأشاد بتفوقه على الملأ في طابور الصباح، فأصابه ذلك بالغرور الذي أفقده اتزانه وأضاعه لمدة ثلاثة أعوام، وكانت الحسنة الوحيدة هي تعرفه بالموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان معلم الموسيقى بالمدرسة، ومع انتقال أبيه للعمل بالمنصورة ألحقه هناك بالمدرسة الثانوية فعاد إلى التفوق والمحافظة على ترتيب الأول حتى النهاية، وشاء القدر أن يلتقي على أرض المنصورة بأربعة من الشعراء، إبراهيم ناجي (الطبيب)، وعلي محمود طه ( المهندس )، ومحمد عبدالمعطي الهمشري ومختار الوكيل اللذين كانا زميلين لصالح بالمدرسة الثانوية، وراح هذا الخماسي يقتنص الوقت كله في الشعر والأدب، وحدث نوع من التلاقي الشديد بين أرواحهم وأخيلتهم، ومع انتهاء الدراسة الثانوية عادوا جميعا إلى القاهرة ليواصل الشاعران ناجي وطه عملهما، وليلتحق الثلاثة بالجامعة، والتحق صالح بكلية التجارة تهرّبا من الأدب بسبب صدمة تلقاها بعد أن ظل ينشر ـ وهو في الثانية عشرة ـ لمدة خمسة أعوام، بدأت بقصيدة مديح ليوسف وهبي وفرقته، ونُشرت في ثلاث مجلات معـًا، ثم حدث أن هوجمت أم كلثوم فكتب صالح مقالا بديعا في الدفاع عنها وأرسله إلى مجلة الصباح فنشروه بتوقيع الأستاذ الكبير صالح جودت (ربما اختلط عليهم الأمر وظنوا أن المرسل هو عمه، الأديب ورجل القانون الشهير، كان مستشارًا وقتها)، وظلوا ينشرون له أسبوعيا خمسة أعوام بهذا التوقيع، وفي مرة ذهب ليتعرف على رئيس التحرير، فلما رآه رئيس التحرير سأله: فين أبوك يا شاطر؟، فأفهمه صالح أنه هو شخصيًّا صالح جودت الذي يرسل له المقالات طوال الأعوام الخمسة، فاحتد رئيس التحرير ولم يمهله دقيقة وقام بطرده من مكتبه بنوع من الاستهزاء والاستهانة، وكانت الصدمة التي جعلته يقرر الابتعاد عن هذا السلك.

جماعة أبولو:

التحق الشعراء الخمسة بجماعة أبولو التي أعلن عن تأسيسها في سبتمبر 1932م، وعقدت اجتماعها الأول برئاسة أحمد شوقي في العاشر من أكتوبر 1932م (ورحل شوقي بعد أربعة أيام)، وكان للجماعة مجلة باسمها أحدثت نوعًا من الحراك الأدبي الكبير بالرغم من توقفها بعد خمسة وعشرين عددًا فقط.

فتحت المجلة أحضانها للجميع، وراحت تنشر لهم وتشجّعهم بشكلٍ غير مسبوق، لدرجة أننا قد نجد للشاعر الواحد أكثر من ثلاثة أعمال في العدد (وكثير من الأعمال نلمس فيه روح المجاملة لفرط سذاجته وسطحيته، وربما كان ذلك من قبيل التشجيع وإعطاء الثقة).

أثناء دراسته بكلية التجارة أصدر صالح جودت ديوانه الأول في مارس 1934، وكان عنوانه “ديوان صالح جودت”، وفجأة أعلن الاعتزال والتوبة عن الشعر والعودة إلى المسجد: ولكن لم يلتفت إليه أحد إذ ما لبث إبراهيم ناجي أن أعلن اعتزاله أيضا بعد صدور ديوانه الأول وراء الغمام في منتصف أبريل 1934، بعد الهجوم الشرس الذي شنه ضده الكبيران طه حسين وعباس العقاد ومعسكراهما، فضاعت تهديدات صالح جودت في غبار الأصداء الطاغية لمعركة ناجي وعاد كلاهما إلى الشعر.

تخرّج صالح جودت في 1937م وعمل مديرًا للبحوث الاقتصادية ببنك مصر، ثم وجد دخله من كتابة القصص والأغاني والبرامج الإذاعية يعادل أربعة أمثال دخله من الوظيفة، فقرر ترك الوظيفة إلى عمل أقرب إلى الأدب، فترك البنك إلى جريدة الأهرام ليعمل محرِّرًا فنيا صباحًا وسياسيا في المساء، فقد كان يجيد الترجمة وكانت الجريدة بحاجة إلى أمثاله لتغطية أخبار الحرب العالمية الثانية، وبالرغم من تعامله مع عدد من الملحنين الكبار أمثال عبدالوهاب ، فإن مجيء فريد الأطرش إلى مصر جعل من صالح جودت واحدًا من أصدقاء فريد وأسرته وبدأ يكتب له (فصحى وعامية)، ومنذ بدايات الإذاعة بدأ صالح يدخل دائرة أضوائها بأشعاره وكلماته المغناة أو بمشاركاته البرامجية، وقد شارك بقصيدة مغناة في يوم تتويج الملك فاروق ، كما كتب له أنشودة الفن التي غناها عبدالوهاب، وعلى عدة جبهات انتشر اسم صالح جودت وذاعت شهرته، غير أنه أصيب بمرض نفسي قاتم أدخله مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية لفترة موجعة، وبعد أن تجاوز محنته عاد أكثر حيوية وأشد قوّة ليواصل ارتقاءه في السلم الصحفي حتى وصل إلى منصب نائب رئيس مجلس إدارة دار الهلال، ورئيس تحرير مجلة الهلال العريقة التي وافاه الأجل وهو على رأس أسرتها.

أصدر الشاعر ستة دواوين شعرية، أولها ديوان صالح جودت (1934) وآخرها الله، والنيل، والحبّ (1975)، وله ست دراسات أدبية في ستة كتب بالغة الثراء، وله روايتان، وسبع مجموعات قصصية، وعدد من كتب الرحلات ، بالإضافة إلى سيناريوهات بعض الأفلام، أما الغناء فيكفي أن نقول إن جميع الكبار غنوا من أشعاره وكلماته: عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وليلى مراد ومحمد فوزي وعبدالحليم وشادية وفايزة ووردة.. إلى آخر القائمة، ولكن تظل أنشودة الفن رأس البدايات، بينما تأتي الثلاثية المقدسة لأم كلثوم رأسًا لهرمه الغنائي كله.

ومع كل هذا التنوّع الإبداعي الثري، فإنه ـ الإبداع ـ لم يأخذ حقه لا في حياة الرجل ولا بعد وفاته. لأن صالح جودت الإنسان جنى على صالح جودت المبدع، فقد كان صالح جودت ماهرًا في اكتساب الأعداء، يهاجم بقسوة، وينتقد بفظاعة، ويمدح بلا سقف ثم ينقلب في لحظة، مدح فاروق وأوصله إلى عنان السماء، ثم مسح به الأرض وتفرّغ لمدح عبدالناصر، ويكفي أن نعلم أنه الوحيد الذي كتب قصيدة وغنتها أم كلثوم يوم أن أعلن عبدالناصر التنحي وهي قصيدة حبيب الشعب (قمْ واسمعْها من أعماقي)، وبعد رحيل عبدالناصر انقلب عليه وظل يكيل له ولعصره ما وسعه من انتقادات، وفي المقابل يمدح الرئيس السادات ويمنحه ما تيسّر من الصفات والألقاب.

أشعاره:

ليالى الهرم، عام 1957.
أغنيات على النيل، عام 1961.
حكاية قلب، عام 1967.
ألحان مصرية، عام 1969.
الله والنيل والحب، عام 1974.

أعماله النثرية:

الروايات:

  • شريين، عام 1947.
  • عودة إلى البيت، عام 1957.
  • وداعا أيها الليل، عام 1961.
  • الشباك، عام 1972.

القصص القصيرة:

  • في فندق الله، عام 1954.
  • كلام الناس، عام 1955.
  • كلنا خطايا، عام 1962.
  • أولاد الحلال، عام 1972.

أدب الرحلات:

  • قلم طائر، عام 1965.
  • أساطير وحواديت، عام 1966.
    التراجم:
  • ملوك وصعاليك، عام 1964.
  • ناجى: حياته وشعره، عام 1965.
  • بلابل في الشرق، عام 1966.
  • شعراء المجون.

ترجمات لهمنجواى:

  • روميو وجوليت، عام 1946.
  • العجوز والبحر، عام 1965.
  • سيدتي الجميلة.

المؤهلات العلمية:

  • بكالوريوس التجارة، جامعة القاهرة، عام 1937م.
  • دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية، عام 1948.
  • دبلوم الدراسات المتخصصة من مقر الأمم المتحدة بنيويورك، عام 1959.

الوظائف التي تقلدها:

  • مدير الدعاية لبنك مصر وشركاته.
  • محرر بجريدة الأهرام.
  • رئيس تحرير مجلة الإذاعة المصرية.
  • مراقب البرامج الثقافية ومدير صوت العرب بالإذاعة المصرية.
  • مدير تحرير مجلة الاثنين.
  • عضو مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير الهلال، وروايات الهلال، وكتاب الهلال.
  • عضو مجلس إدارة جمعية الأدباء.
  • نائب رئيس مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين.

الهيئات التي انتمى إليها:

مقرر لجنة الشعر سابقا.
عضو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.

الجوائز والأوسمة:

  • وسام النهضة الأردنى، عام 1951م.
  • وسام العرش المغربي، عام 1958م.
  • وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، عام 1959م.
    ميدالية العلوم والفنون.
  • جائزة أحسن قصيدة غنائية في السد العالى، عام 1965.
  • جائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، عام 1958م.

وفاته:
رحل صالح جودت في 22 يونيو 1976م، وبالرغم من مرور كل هذا الزمن فإن أحدًا لم ينفض الغبار عن تركته الإبداعية الثرية المتنوعة وعلى رأسها الشعر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى