دين ودنيا

صفحات من تفسيرى لسورة “الحجر”

أ.د. إبراهيم عوض

كاتب ومفكر مصري.
عرض مقالات الكاتب

وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60):

استخدم القرآن الفعل: “أنبأ” و”نَبَّأ” ومضارعيهما وأمريهما كثيرا فى القرآن، وكذلك الاسم: “نَبَأ” مفردا وجمعا، على عكس مادة “خ ب ر”، فلم يستعمل منها أى فعل البتة. لقد استعمل الاسم “خَبَرٌ” مرتين بصيغة المفرد: مرة فى “النمل”، ومرة فى “القصص” التى وراءها مباشرة، واستعمل “الخُبْر” مرتين فى “الكهف”، وبصيغة المفرد أيضا، ولم يُجْمَع أو يُثَنَّ أى منهما فى القرآن، وكلها من الوحى المكى كما نرى، بخلاف مادة “ن ب أ”، فقد وردت فى الوحيين جميعا. و”الضيف” هنا: الضيوف. وهذا استعمال قرآنى، إذ لم يحدث فى أية مرة أن استعمل الكتاب المجيد جمعها. وكلها فى الوحى المكى، وكلها منحصرة فى قصتى إبراهيم ولوط. والضيوف فى القصتين من الملائكة. ويكثر طه حسين من استخدام هذه الكلمة وكلمة “صَدِيق” أيضا بمعنى “الضيوف” و”الأصدقاء” تأثرا بالقرآن العظيم. وقد بينت فى الفصل الذى عقدته، فى كتابى: “دراسات فى النثر العربى الحديث”، لمجموعة طه حسين: “المعذبون فى الأرض” أن القرآن قد غلبه على نفسه وتغلغل أسلوبه فى دمه على نحو عجيب رغم ما كان قد بدأ به محاضراته الجامعية فى الأدب العربى فى منتصف عشرينات القرن البائد من تجاوز للحدود مع القرآن، واستطعت أن أرصد كثيرا من السمات الأسلوبية التى تأثر فيها د. طه بكتاب الله فى المفردات والصيغ والتراكيب والعبارات رغم كل شىء.

ويقول ريجى بلاشير المستشرق الفرنسى فى ترجمته للقرآن إن هذه الآيات تلخص ما جاء فى الإصحاحين 18- 19 من سفر “التكوين”. فإلى أى مدى تصح هذه الملاحظة البلاشيرية؟ لنقرأ أولا الإصحاحين المذكورين: “1وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، 2فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، 3وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. 4لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، 5فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 6فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ، وَقَالَ: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ». 7ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلاً رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ. 8ثُمَّ أَخَذَ زُبْدًا وَلَبَنًا، وَالْعِجْلَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا.

9وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ سَارَةُ امْرَأَتُكَ؟» فَقَالَ: «هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ». 10فَقَالَ: «إِنِّي أَرْجعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَأَتِكَ ابْنٌ». وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ. 11وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ، وَقَدِ انْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ. 12فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ، وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ؟» 13فَقَالَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ: «لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟ 14هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟ فِي الْمِيعَادِ أَرْجعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ». 15فَأَنْكَرَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: «لَمْ أَضْحَكْ». لأَنَّهَا خَافَتْ. فَقَالَ: «لاَ! بَلْ ضَحِكْتِ».

16ثُمَّ قَامَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَتَطَلَّعُوا نَحْوَ سَدُومَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مَاشِيًا مَعَهُمْ لِيُشَيِّعَهُمْ. 17فَقَالَ الرَّبُّ: «هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ، 18وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ؟ 19لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلاً، لِكَيْ يَأْتِيَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ». 20وَقَالَ الرَّبُّ: «إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا. 21أَنْزِلُ وَأَرَى هَلْ فَعَلُوا بِالتَّمَامِ حَسَبَ صُرَاخِهَا الآتِي إِلَيَّ، وَإِلاَّ فَأَعْلَمُ». 22وَانْصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَذَهَبُوا نَحْوَ سَدُومَ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ.

23فَتَقَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «أَفَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟ 24عَسَى أَنْ يَكُونَ خَمْسُونَ بَارًّا فِي الْمَدِينَةِ. أَفَتُهْلِكُ الْمَكَانَ وَلاَ تَصْفَحُ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارًّا الَّذِينَ فِيهِ؟ 25حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ. حَاشَا لَكَ! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟» 26فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنْ وَجَدْتُ فِي سَدُومَ خَمْسِينَ بَارًّا فِي الْمَدِينَةِ، فَإِنِّي أَصْفَحُ عَنِ الْمَكَانِ كُلِّهِ مِنْ أَجْلِهِمْ». 27فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى وَأَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ. 28رُبَّمَا نَقَصَ الْخَمْسُونَ بَارًّا خَمْسَةً. أَتُهْلِكُ كُلَّ الْمَدِينَةِ بِالْخَمْسَةِ؟» فَقَالَ: «لاَ أُهْلِكُ إِنْ وَجَدْتُ هُنَاكَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ». 29فَعَادَ يُكَلِّمُهُ أَيْضًا وَقَالَ: «عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ أَرْبَعُونَ». فَقَالَ: «لاَ أَفْعَلُ مِنْ أَجْلِ الأَرْبَعِينَ». 30فَقَالَ: «لاَ يَسْخَطِ الْمَوْلَى فَأَتَكَلَّمَ. عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ ثَلاَثُونَ». فَقَالَ: «لاَ أَفْعَلُ إِنْ وَجَدْتُ هُنَاكَ ثَلاَثِينَ». 31فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى. عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عِشْرُونَ». فَقَالَ: «لاَ أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ الْعِشْرِينَ». 32فَقَالَ: «لاَ يَسْخَطِ الْمَوْلَى فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ». فَقَالَ: «لاَ أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ». 33وَذَهَبَ الرَّبُّ عِنْدَمَا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ.

*   *   *

1فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 2وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ». 3فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ.

4وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. 5فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا». 6فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ 7وَقَالَ: «لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. 8هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلاً. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي». 9فَقَالُوا: «ابْعُدْ إِلَى هُنَاكَ». ثُمَّ قَالُوا: «جَاءَ هذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا». فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ، 10فَمَدَّ الرَّجُلاَنِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلاَ لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَغْلَقَا الْبَابَ. 11وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى، مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ.

12وَقَالَ الرَّجُلاَنِ لِلُوطٍ: «مَنْ لَكَ أَيْضًا ههُنَا؟ أَصْهَارَكَ وَبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَكُلَّ مَنْ لَكَ فِي الْمَدِينَةِ، أَخْرِجْ مِنَ الْمَكَانِ، 13لأَنَّنَا مُهْلِكَانِ هذَا الْمَكَانَ، إِذْ قَدْ عَظُمَ صُرَاخُهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ، فَأَرْسَلَنَا الرَّبُّ لِنُهْلِكَهُ». 14فَخَرَجَ لُوطٌ وَكَلَّمَ أَصْهَارَهُ الآخِذِينَ بَنَاتِهِ وَقَالَ: «قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ هذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُهْلِكٌ الْمَدِينَةَ». فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ. 15وَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْمَلاَكَانِ يُعَجِّلاَنِ لُوطًا قَائِلَيْنِ: «قُمْ خُذِ امْرَأَتَكَ وَابْنَتَيْكَ الْمَوْجُودَتَيْنِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ». 16وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ امْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ابْنَتَيْهِ، لِشَفَقَةِ الرَّبِّ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. 17وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجَاهُمْ إِلَى خَارِجٍ أَنَّهُ قَالَ: «اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ». 18فَقَالَ لَهُمَا لُوطٌ: «لاَ يَا سَيِّدُ. 19هُوَذَا عَبْدُكَ قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، وَعَظَّمْتَ لُطْفَكَ الَّذِي صَنَعْتَ إِلَيَّ بِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِي، وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى الْجَبَلِ لَعَلَّ الشَّرَّ يُدْرِكُنِي فَأَمُوتَ. 20هُوَذَا الْمَدِينَةُ هذِهِ قَرِيبَةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ. أَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ. أَلَيْسَتْ هِيَ صَغِيرَةً؟ فَتَحْيَا نَفْسِي». 21فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي قَدْ رَفَعْتُ وَجْهَكَ فِي هذَا الأَمْرِ أَيْضًا، أَنْ لاَ أَقْلِبَ الْمَدِينَةَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ عَنْهَا. 22أَسْرِعِ اهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ الْمَدِينَةِ «صُوغَرَ».

23وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، 24فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. 25وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتَ الأَرْضِ. 26وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ.

27وَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْغَدِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ، 28وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ الدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ الأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ الأَتُونِ. 29وَحَدَثَ لَمَّا أَخْرَبَ اللهُ مُدُنَ الدَّائِرَةِ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرْسَلَ لُوطًا مِنْ وَسَطِ الانْقِلاَبِ. حِينَ قَلَبَ الْمُدُنَ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا لُوطٌ.

30وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. 31وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. 32هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 33فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. 34وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 35فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، 36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. 37فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. 38وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ”.

وفى القصة الكتابية أن الله قد ظهر بنفسه لإبراهيم متمثلا فى ثلاثة رجال، وهذا ما لم يقله القرآن فى أى موضع تناول فيه تلك القصة البتة، وإنما تحدث عن ضيوف، ولم يحدد عددهم على عكس العهد القديم، الذى حددهم بثلاثة ثم بعد قليل حين ينتقل المشهد إلى لوط سوف نرى أنهما اثنان ليس إلا. فأين ذهب الثالث؟ القصة تسكت فلا تقول شيئا. ولا ننس أن الثلاثة هم الله سبحانه على ما يفهم من الكتاب المقدس. كذلك ليس فى القصة الكتابية أن إبراهيم صارحهم بأنه يشعر بالوجل منهم. وليس فيها أيضا أنهم بشروه بـ”غلام عليم”، بل بشروه بغلام، والسلام. وفى القصة الكتابية أن الضيوف قد أكلوا، بينما فى القرآن يلاحظ إبراهيم أنهم لم يمدوا أيديهم إلى الطعام، وهو أمر طبيعى، فهم ملائكة لا يأكلون. وفيها أيضا أن الله هو الذى أخبر إبراهيم من تلقاء نفسه بما سينزله بقوم لوط من العذاب، بينما فى القصة القرآنية أن إبراهيم هو الذى سأل الضيوف لا الله عما ينوون عمله، فأخبروه بما جاؤوا من أجله، وهو إنزال العذاب بقوم لوط. كذلك ليس فى القصة القرآنية هنا أو فى أى موضع آخر من القرآن أن الله نزل ليتأكد بنفسه أن قوم لوط قد أفرطوا فى الفواحش كما وصله أو لا. فمثل ذلك المعنى لا يمكن أن يقوله القرآن. وبالمثل ليس فى القرآن فى أى موضع منه تلك المساومة التى دارت بين إبراهيم وبين الله متمثلا فى الرجال الثلاثة حول مدى استحقاق قوم لوط للتدمير أو لا. أيضا هناك ظهور الله متمثلا فى الرجال الثلاثة، الذين تحولوا بعد قليل إلى ملاكين. وهذا أمر مربك لا وجود له فى القرآن البتة.

كذلك هناك ارتباك آخر فى عدد بنات لوط، إذ يبدأ الكلام عنهن بصيغة الجمع بما يعنى أنهن على الأقل ثلاث، ثم سرعان ما يتحول الحديث إلى اثنتين فقط، ونفهم أن أصهار لوط سخروا منه ومن تحذيره وبقوا فى المدينة فهلكوا مع الهالكين. والدليل على ذلك أنهم اختفوا من المشهد، وأن بنتى لوط كانتا بعد التدمير شبقتين لعدم وجود رجال حولهما يمارسون الجنس معهما، ولهذا سقتا أباهما خمرا ثم نامتا معه وحبلتا منه وهو سكران لا يعى. أما فى القرآن فقد أخبر الله سبحانه نبيه لوطا أنه هو وأهله جميعا سوف ينجون ما عدا امرأته. وهذا اختلاف آخر من الاختلافات الحادة بين القصتين. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يذكر القرآن باقى القصة الذى يتحدث عما وقع للوط مع ابنتيه عقب نجاتهم من الدمار الذى لحق بقومهم لأن الأنبياء لا يمكن أن يقع منهم ولا أن يحدث لهم ذلك. كذلك من الغريب أن يكون هذا الرجس هو أول شىء تفعله البنتان اللتان نجاهما الله من العذاب بما تدل عليه هذه النجاة من أنهما بنتان نقيتان طاهرتان. فهل هذا فعل بنتين طاهرتين؟ فما الذى يمكن يا ترى أن تفعله البنات غير الطاهرات من غير بنات الأنبياء؟ وأعجب منه أن يسكت الله على تينك البنتين السافلتين العاهرتين فلا يعاقبهما. لكن اليهود قوم بُهُتٌ (أى يتهمون الآخرين بالباطل ويفترون عليهم الكذب الأثيم) كما وصفهم عبد الله بن سلام، وكان أحد أحبارهم، وهو من يهود المدينة القليلين جدا الذين أسلموا واتبعوا النبى محمدا عليه الصلاة والسلام. والآن نتساءل: هل القصة القرآنية هى فعلا، كما قال بلاشير، تلخيص لما جاء فى العهد القديم؟ إن هناك اختلافات جذرية ومصائب متلتلة تفصل بين القصتين رغم اتفاقهما فى بعض الخطوط العامة. وعلى هذا فما قاله بلاشير كلام خاطئ.

وأحب أن أضيف هنا كلمة أرى أن هذا موضعها. فقد رأينا كيف أن رواية القرآن تختلف عن رواية الكتاب المقدس اختلافات جذرية، إذ بينما تصور الرواية الكتابية الله سبحانه تصويرا وثنيا نجد القرآن يحتفظ طوال الوقت بالإجلال والتمجيد الواجبين له احتفاظا تاما لا ينساه غمضة عين. كما أن رواية القرآن ترسم صورة الأنبياء الرسم اللائق بهم. ولو كان الرسول يسطو على قصص الكتاب المقدس لكان الأحجى بالساطى أن يبقى صورهم على ما هى عليه فى قصص ذلك الكتاب من تشوه وانحراف وزيغان عن الصراط الحق حتى تظهر صورته بين الأنبياء متألقة ساطعة لأنه لم يتنزل يوما إلى المستوى الذى نزّلهم إليه مؤلفو الكتاب المقدس، ولكان أحجىبه أيضا ألا يذكر شيئا عن معجزات الأنبياء السابقين بل ينكرها حتى لا يحرجه أحد بأن يطالبه بالإتيان هو أيضا معجزة مثلهم. وعلى المعترض أن يثبت أنه كانت هناك معجزات، وهيهات إثبات ذلك، فقد مضى الرسل الأقدمون ومعجزاتهم إن كانت هناك معجزات فى الزمن الأول، ومعروف أن ما مضى لا يعود. لكن القرآن اتخذ خطة غريبة لا يمكن أن يتخذها كذاب مدلس، ألا وهى الاعتراف بمعجزات الأنبياء السابقين وعدم الاستجابة فى نفس الوقت لأى طلب للمعجزات من جانب المشركين. كما أن القرآن ليس قصص أنبياء فقط بل هذا جزء منه ليس إلا، وإلا فهناك الجدال المستمر مع المشركين والرد على أسئلتهم، وتقريعهم وتحديهم وتهديدهم إن لم يرعووا، فضلا عن التشريعات والتوجيهات الأخلاقية، وهذا كله لا علاقة له بالكتاب المقدس. بل إن الأنبياء المذكورين فى القرآن لا يقتصرون على أنبياء بنى إسرائيل بل هناك أنبياء آخرون عرب. ثم لا يصح أن ننسى أن أحدا لم يتقدم ويشهد بأنه رأى محمدا وهو يستمد قصصه من الكتاب المقدس أو يقول إنه هو الذى مون محمدا بتلك القصص. بل إن الذين اتُّهِم محمد بتلقى العون منهم قد آمنوا به مبكرا هم وأسرهم جميعا.

ثم هناك أيضا اختلاف أسلوبى القرآن والحديث مما يدل على أن صاحب هذا غير صاحب ذاك. ولا يصح أن يقال، كما يقول بعض المراوغين، إن لكل من الأسلوبين مجاله الخاص به، فلهذا اختلفا، إذ المجال هنا هو نفسه المجال هناك: نفس الموضوعات، ونفس الأغراض، ونفس الجمهور، ونفس الزمن، ونفس الجو. ومع هذا نلمس بأيدينا لمسًا الاختلاف بين القرآن والحديث. كذلك فإن الوحى كان كثيرا ما يفاجئ الرسول عليه السلام عقب تحد أو تهكم من أحد المشركين أو استفسار من أحد المسلمين مباغت، فينزل الوحى فى الحال قبل أن تتاح للرسول فرصة تجهيز الرد بأسلوب خاص. وهذا إن كانت مسألة اختلاف الأساليب ودلالتها على الكاتب مما يخطر على البال فى ذلك الوقت عند العرب. وإلى جانب هذا كله هناك المعاتبات وأحيانا التقريعات التى يوجهها القرآن للرسول مما لا يمكن أن يفكر فيه المتنبئون الكذابون أبدا، إذ هم حرصاء على أن تكون صورتهم فى نظر أتباعهم دائما صورة لامعة لا يغبشها شىء.

ولم يعرف عن الرسول يوما كذب ولا تدليس ولا طموح شخصى أو قبلى أو قومى يدفعه إلى التنبؤ. ولو كان ذا طموح شخصى لقد كان أقمن به أن يقبل ما عرضه عليه قومه من المال أو الرئاسة لقاء سكوته عنهم وعن أوثانهم. ولو كان ذا طموح قبلى لقد كان أجدر به أن يرفع من شأن قريش وبنى هاشم وعبد مناف، لكنه قال لهم بكل قوة: اعملوا، فلن أغنى عنكم من الله شيئا. ولو كان ذا طموح قومى لقد كان أحرى به أن يمجد العرب ويعلى من شأن الجنس العربى، لكنه قال إنه لا فضل لعربى على عجمى مثلما لا فضل لعجمى على عربى وإن الناس جميعا لآدم، وآدم من تراب، وإنهم سواسية كأسنان المشط. ومن الناحية الأخرى فإنه، حين واتته الفرصة ودانت له العرب جميعا، لم يغير من أسلوب حياته أو تعامله مع الناس فى شىء، بل ظل كما هو محمدا القديم المتواضع الواسع الصدر المراعى ربه الخافض جناحه لكل من حوله المقر ببشريته وضعفه وعبوديته المطلقة لربه، وظلت معيشته هى هى بساطة فى المسكن والطعام والملبس، وظل قريبا من الناس لين الجانب معهم لا يفصل بينه وبينهم أى فاصل. كما أن القرآن فى كل فرصة يؤكد بشرية الرسول وأنه ليس سوى عبد لله لا غير وأنه لا يملك لنفسه ولا لسواه شيئا وأنه لا يعلم الغيب وأنه سوف يحاسب كما يحاسب الناس جميعا. وفوق هذا كله هناك اليقين المطلق المنتشر فى القرآن كله من أول يوم فى الدعوة إلى آخر يوم فى حياة الرسول بأن الإسلام منتصر لا محالة على كل الأديان، وأن أعداءه سوف ينهزمون هزيمة مطلقة. وكل ذلك قد كان لم يتخلف شىء منه، بل حدث كما قال القرآن. لكل هذا أجد غريبا جدا أن يتهم أحدٌ النبىَّ بأخذ قرآنه من أى مصدر غير الوحى السماوى. وقد أنفقت فى تناول هذا الموضوع عشرات السنين، ودائما ما أعيد النظر فيما كتبت لأرى هل ما زالت الأسس التى تستند إليها نظرتى إلى القرآن والرسول قوية كما هى أو لا، وفى كل مرة أخرج وقد ازددت اقتناعا بنبوته صلى الله عليه وسلم.

وعلى كل حال فهذا نص القصة كما رواها القرآن بشىء من التفصيل فى سورة “هود” حتى يتضح للقارئ كلامى جيدا: “وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)”. وبالمناسبة فهذه القصة رد على مطالبة الكافرين للرسول فى أول السورة أن يأتيهم بالملائكة إن كان من الصادقين، فكان الجواب أن الملائكة لا تنزل إلا بالحق، وحينئذ لن تكون هناك فرصة للكافرين كى يتوبوا لأن الملائكة سوف تنزل بالعذاب والدمار، وهو ما وقع فى قصة لوط.

“لا توجل”: لا تفزع. “أبشرتمونى على أن مسنى الكبر؟”: كيف تبشروننى بغلام، وأنا وزوجتى قد شخنا ولم نعد صالحين للإنجاب؟ “إنكم قوم منكرون”: لم يسبق لى أن رأيتكم، فأنا لا أعرفكم. “جئناك بما كانوا فيه يمترون”: أتيناك بالعقاب الذى كان قومك يستهزئون به ويشككون فيه. “أولم ننهك عن العالمين”: ألم نزجرك عن الدفاع عن الذكران الذين نريد مزاولة الفاحشة معهم؟ لكن بلاشير يقول إن هذه الآية تشير إلى ما جاء فى الجملة التاسعة من الإصحاح التاسع عشر فى سفر “التكوين”، التى تقول إن لوطا جاء إليهم ضيفا فأراد أن يجعل من نفسه قاضيا. وهذا نصها فى الترجمة الكاثوليكية لأن ترجمتها فى نسخة فاندايك غير واضحة: “فقالوا: تنح من هنا.ثم قالوا: هذا رجل ينزل بنا فيقيم نفسه حاكما…”. وكما نرى لا توجد علاقة بين النصين. ومعنى ذلك أن بلاشير على خطإ أبلق. “أسر بأهلك”: اترك البلد ليلا وارحل مع أهلك. “بقطع من الليل”: بعد انقضاء جزء من الليل. “أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين”: سوف يتم استئصالهم فى الصباح. “وجاء أهل المدينة يستبشرون”: جاؤوا مبتهجين أنْ وقع فى أيديهم ذكران ليفعلوا فيهم الفاحشة. “واتبع أدبارهم”: كن فى المؤخرة حتى تطمئن على الجميع بوصفك القائد. “فأخذتهم الصيحة مشرقين”: عند شروق الشمس. “إن فى ذلك لآيات للمتوسمين”: للناظرين المتأملين المستخلصين للعبرة. “بسبيل مقيم”: على الطريق الذى تمرون به فى أسفاركم إلى الشام.

“إن فى ذلك لآية للمؤمنين”: لأن المؤمنين هم الذين ينتفعون بمشاهدة تلك الآية. أما غيرهم فما أكثر جدالهم والتواءهم! بل ما أكثر سخريتهم واستهزاءهم! ولقد بلغت البجاحة بالشواذ فى الغرب أن صاروا يعلنون شذوذهم ويتفاخرون به وينظمون أنفسهم فى جماعات ضغط كى يحصلوا على القوانين التى يريدونها كاملة وزيادة، وهو ما تم لهم، ولا ندرى إلى أين يأخذهم الطريق بعد ذلك. ولقد كنت أقرأ ذات مرة عن موضوع الشذوذ الجنسى، فوجدت مقالا فى النسخة الإنجليزية من “ويكيبيديا” جاء فيها أن طيور البطريق تعرف الشذوذ الجنسى، وكان السبب واضحا، وهو القول بأن الشذوذ، إن كانوا يسمونه: شذوذا، أمر عادى وطبيعى، والدليل أنه موجود حتى بين الطيور. وصار الاتجاه الآن هو الدفاع عن حق الشواذ فى ممارسة شذوذهم وأنه ليس لأحد التدخل فى حياتهم ولا حتى انتقادهم ولو بكلمة أو إشارة، وإلا أُخْرِبَ بيته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى