بحوث ودراسات

“جمال باشا السفاح” الخنجر المسموم في ظهر الأمة، والسبب المباشر لسقوط الخلافة الإسلامية 2 – 2

عامر الحموي

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

أحمد جمال باشا (1872- 1922):

ولد في ميتليني في اليونان عام 1872م، تخرّج من المدرسة الحربية، و انتمى إلى “حزب الاتحادّ والترقّي”، وقام بدور فعّال في تهيئة الانقلاب الدستوري الثاني سنة 1908، فأصبح من أكثر رجال الحزب نفوذاً. عُيّن والياً عسكرياً في أضنة سنة 1909، و بغداد سنة 1911، واستانبول، و لمّا نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914، عُيّن قائداً للجيش الرابع، ووالياً عسكرياً في سوريا. صفوة، نجدت فتحي: الجزيرة في الوثائق البريطانية (1914- 1922)، دار الساقية، بيروت، ط 1، 1998، ص 99.

وعلى حين كانت المهمة التي كُلٌف بها جمال باشا في سوريا تتطلٌبُ شخصية محبوبة استيعابية قادرة على تجاوز الخلافات من أجل الهدف الأسمى وهو النصر المطلوب فقد كان جمال باشا بطبعه وتاريخه وطبيعته مُناقضاً لما هو مطلوب على طول الخط، فقد كان هذا الرجل دموياً عنيفاً على نحو ما كان عصبيا في قراراته، حادا في انفعالاته، مُتسرٌعا في خُطواته وكان قد وصل في رُتبه العسكرية إلى أعلى الرُتب فكان سردار وهي رتبة تُوازي الفريق أول وقد توالت مهامٌه العسكرية والسياسية على نحو أكبر من طاقاته وقدرته،  ففي 1908 شارك في  قيادة الانقلاب على السلطان عبد الحميد وفي 1913 شارك في الانقلاب العسكري التالي المعروف بالانقلاب العثماني 1913 وتولى منصب وزير الأشغال العامة 1913، وبعد أحداث 1913م أصبح أحد الثالوث الاتحادي المتحكم بالدولة العثمانية (مع أنور باشا وطلعت باشا). ثم تولى منصب وزير البحرية في العام التالي 1914، وكأنه على موعد مع مهمته في تضييع الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى . وفي تلك الحرب بدأ مهامه بقيادة الجيش الرابع العثماني.

 وفي 1915 أُسندت إليه قيادة سوريا الكبرى وبلاد الشام والحجاز واليمن، تمهيداً للمواجهة المُتوقٌعة في سوريا وعبر قناة السويس إلى مصر، وهو الذي تولى قيادة هذه المعارك التي كانت السبب المُباشر في انهزام الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وعلى سبيل المثال فإن المعركة حول قناة السويس لم تستمر إلا يوما وليلة في 2 و3 فبراير 1915، وكانت ظروف الجو التي وقعت فيها المعركة، هي ظروف مواتية للانتصار، لكن جمال باشا بحماقته المعهودة لم يستفد منها أية فائدة بل بالعكس وقع في أخطاء مُتكرٌرة لا تليق برُتبته ولا مكانته ولا سنٌه.

ونحن نعلم أن كل انقلابي مثلُه لا يهمٌه النصر وإنما يهمٌه تأمين وجوده هو نفسه في السلطة حتى لو كان هذا على حساب أرواح جنوده، وسيادة دولته على أرضها، وهذا هو ما حدث بالفعل فقد اندفع جمال باشا بقُواته عبر سيناء فوصلت إلى القناة مُنهكة تماما دون أن تكون هناك تجهيزات لتأهيلها أو تعبتها أو إمدادها في موقع المعركة، وكأنه يبعث بجنوده إلى الموت ليكونوا طعاما للقوات المُعادية المُتربٌصة بهم وهو ما حدث بالفعل حيث كانت مدافع الفرنسيين والبريطانيين تنتظر هذه القُوات الواردة لتحصُدها أولا بأوٌل دون أن تُمكٌنها من عبور قناة السويس. د. محمد الجوادي،  القائد التركي الإنقلابي الذي دمر ما بناه عشرون خليفة عثمانيا. موقع الجزيرة.

كان أحمد جمال باشا ماسوني تابع لمحفل الشرق الأعظم الفرنسي حيث درس في فرنسا، ثم أصبح يتبع هو وطلعت باشا لمحفل سالونيك الذي يديره اليهودي عمانويل قرصوه. (مصطفى أرمغان: عبد الحميد والرقص مع الذئاب).  وقد اتفق مع الحلفاء في الحرب العالمية الأولى على تسليمه البلاد العربية ويسمى سلطان بلاد الشام والحجاز واليمن وهو سبب خسارة السفر برلك وكانت مسرحية من قلبه لم يعد لها العدة جيداً، وهذا ما أدّى إلى خلعه من قبل أنور باشا عن قيادة الجيش الرابع وتولية جمال باشا الصغير الذي دافع عن القدس دفاع المستميت، وعهد للأوّل الخائن إدارة مستودع للأسلحة في إسطنبول، لإذلاله.

لقد كان جمال باشا على اتّصال بالحلفاء (الفرنسيين والبريطانيين و الروس) لمفاوضتهم على تسليم سوريا للحلفاء مقابل الاعتراف به و بأولاده حاكماً عليهاً. حيث كان يريد أن يُنشِأ سلطنة بمساعدة الحلفاء يتولّى أمرها  في منطقة الجيش الرابع (وتمتدّ من جبال طوروس حتى رفح و تتّسع شرقاً فتضمّ العراق و ولايات الأناضول الشرقية، وتَشمل الحجاز و اليمن أيضاً، أي أنّها تضمّ البلاد العربية التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية مع البلاد التي اصطلحوا على تسميتها بأرمينيا). للمزيد من الاطلاع أنظر سعيد: الثورة العربية الكبرى، ج 1، ص164- 177.

كما كان على اتصال بالصهاينة بواسطة الجاسوسة اليهوديّة “نتاليا داوودوفيتش” (من مستوطنة بيت السجرة) التي قدّمت له عرضاً مالياً من قبل المنظّمة الصهيونية مقابل السماح لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، و قد وقع نتيجة ذلك اتّفاق وُقِّع بين المُنظَّمة و الدولة العثمانية مُمثَّلة بالصّدر الأعظم طلعت باشا، يقضي بإعطاء اليهود القاطنين في فلسطين الحكم الذاتي. ويذكر أن نتاليا هذه عرّفت جمال باشا بمكان الوثائق التي تحتوي أسماء الخونة المتآمرين مع الخلفاء ضدّ الدولة العثمانية وكانت تلك الوثائق داخل جدار القنصلية الفرنسية في بيروت. الكيلاني، راشد: مذكّرات و أحداث، د د، د م، ط 2، 1997، ص 56.

كما ذكر المؤرخ لطفي آكدوغان، أنّ جمال باشا كان على علاقة حميمية مع اليهودية سارة آرنسون البولونية من مستوطنة زخرون يعقوب (أقدم مستوطنة في فلسطين) وكان يحب القمار والخنا، وكان أخو سارة آرون أشهر عالم نبات في العالم، فاستدعاه جمال باشا وأعطاه سلطة فوق القوات العسكرية استطاع من خلالها زيارة قطاع الجيش الرابع في فلسطين جميعها والتعرّف على أماكن الضعف داخل الجيش الرابع، وأسس آرون مع إخوته شبكة جاسوسية يهودية أطلقوا عليها اسم (نينلي)، وكانت هذه الشبكة ترسل المعلومات التي تحصل عليها من جمال باشا إلى الإنجليز عن طريق الحمام الزاجل، حيث استطاع الإنجليز بعد فشلهم باقتحام العريش -عن طريق تلك المعلومات- الاهتداء إلى مناطق الضعف في الجيش العثماني فاقتحموا منطقة وادي السبع ذات التحصين الضعيف وبذلك تم لهم النصر. لطفي آكدوغان: المرأة التي هدمت الإمبراطورية العثمانية، دار طلاس للترجمة، دمشق.

فلقد انتصر الجيش العثماني في الجبهات الثلاث على الحلفاء بدأً من جبهة القوقاز التي انتصر فيها الجيشين الثاني والثالث العثماني على الروس ودخلوا باكوا ووصلوا داغستان، وكبدوا القوات الروسية خسائر في الأرواح والعتاد فادحة، حيّدت روسيا لفترة من الزمن منعتها من الاشتراك في الحملة الغربية على إسطنبول من الشمال عام 1915م والتي عرفت بحملة الشنق قلعة (أضخم معركة في التاريخ الإسلامي) حيث تفرغ الجيش الأوّل العثماني للأساطيل الفرنسية والبريطانية وحلفائهم في منطقة الجنق قلعة وانتصروا عليهم في الجبهة الغربية. كما انتصر الجيش الثالث العثماني مع القبائل العربية على الإنجليز في الجبهة الشرقية في معركة كوت العمارة وأسروا كامل الجيش البريطاني هناك عام 1916م. الكاتب، راجع الثورة العربية لأمين سعيد ج١.

و في سوريا صبّ جمال باشا جام غضبه على الشعب بعد فشله في حملة السويس، فشكّل محاكم عرفية في دمشق وبيروت، وأعدم الخونة المتآمرين مع الحلفاء بدأ من محكمة عالية العسكرية في لبنان حيث اعدمت أول قافلة منهم في 4 آب 1915 في ساحة البرج في بيروت والتي سمّيت بساحة الشهداء، وأعدمت القافلة الثانية في دمشق في ساحة المرجة في (6 أيار 1916)، ، ثمّ عاد إلى تركيا، و لمّا انتهت الحرب بخسارة ألمانيا وتركيا، هرب على باخرة ألمانية (مع طلعت و أنور)، و في سنة (1922) قتله شخص أرمني في العاصمة الجورجية “تفليس”. صفوة، نجدت فتحي: الجزيرة في الوثائق البريطانية (1914- 1922)، دار الساقية، بيروت، ط 1، 1998، ص 99.

ولكنّ العثمانيين فشلوا في الجبهة الجنوبية أمام الإنجليز بسبب العميل الماسوني جمال باشا وليس بسبب العرب لعدة أسباب:

1- فُرّغت بلاد الشام من الضباط العرب الذين كان أولى بهم أن يدافعوا عن بلادهم وأعراضهم بدمائهم وشرفهم، فنُقِل قائد الجيش الرابع السابق الدمشقي زكي باشا مع الضباط العرب إلى جبهة القفقاز حيث انتصروا هناك مع الجيش العثماني على الروس، واستشهدوا معظمهم هناك، كما نقل ضبّاط ولاية حلب إلى معركة الجنق قلعة حيث تمّ الانتصار لهم على الحلفاء مع إخوانهم العثمانيين  (وليس كما أشاع جمال باشا في مذكراته بأنّ هؤلاء الضباط العرب كانوا ينتمون للجمعيات السريّة، وعلى رأسها العربية الفتاة، ويستعدّون للانقلاب على الدولة العثمانية). وبهذا فرغت بلاد الشام من ضبّاطها العسكريين المدربين الشرفاء وبقي فيها المدنيين فقط الذين سيقوا في السفر برلك إلى معركة القناة، حيث سقطوا هناك كالأنعام.

2- أرسل جمال باشا إلى والي المدينة خير الدين باشا يطلب منه إرسال قواته العسكرية إلى الشام ليشارك بحملة قناة السويس، ولكنّ خير الدين رفض بسبب مرابضة الأسطول الإنجليزي مقابل ينبع والذي كان يستعد للهجوم على المدينة المنوّرة. كما أرسل جمال باشا لوالي مكّة الشريف حسين يطلب منه نفس الطلب فرفض الأخير أيضاً؛ بسبب وجود قوات إنجليزية قبالة ساحل جدة تستعد للهجوم على مكّة المكرّمة واكتفى ببعث راية الرسول صلى الله عليه وسلم، هنا أمر جمال باشا والي الحجاز وهيب باشا بالقضاء على الشريف حسين، ولكنّ وهيب باشا كان على علاقة جيدة مع الشريف حسين فسرّب له المعلومة، فدفع ذلك الشريف حسين إلى الإلتجاء للإنجليز وإعلان ثورته على جمال باشا الحاكم العسكري للشام والحجاز واليمن.

3- الخلاف بين الدولة العثمانية وآل سعود كان سياسي بالدرجة الأولى، هنا تنبهت الحكومة في إسطنبول لأهمية عبد العزيز بن سعود متصرّف نجد في حربها ضدّ الحلفاء، فأرسل طلعت باشا معترفاً بابن سعود والي على نجد وما حولها مقابل مساعدة ابن سعود للعثمانيين في حربهم ضدّ الشريف حسين (الوثيقة التالية من الأرشيف العثماني وهي من والي الحجاز عبد العزيز بن سعود إلى والي اليمن محمود النديم يطلب من جمال باشا تسليحه ضد الإنجليز، ويخبره باعتراف الدولة العثمانية بولايته على نجد، حصلت عليها من شيخ المترجمين العثمانين)، وهذا ما أسعد عبد العزيز بن سعود الذي وافق على ذلك، ولكن جمال باشا رفض تلك المساعدة ورفض الاعتراف بابن سعود كوالي على نجد واتّهمه بالخيانة. وليس كما يقول الزركلي -المتحامل على العثمانيين- في كتابه الأعلام، بأنّ عبد العزيز بن سعود عرض على الشريف حسين القتال إلى صفه ضد العثمانيين ولكنّ الأخير رفض.

وقد ذكر الرئيس التركي السابق توركت أوزال أنّ جمال باشا كان عميل للإنجليز كمدحت باشا وكان يقبض راتباً من الإنجليز (في الرابط التالي):

https://www.aa.com.tr/ar/تركيا/الرئيس-التركي-الأسبق-أوزال-اتهم-جمال-باشا-بالعمالة-للإنجليز-/558231

يروي شكيب أرسلان في مذكراته أنّه زار جمال باشا في مستودع الأسلحة الذي أصبح يديره في إسطنبول، بعد خلعه عن الجيش الرابع بجرّه قلم من أنور باشا، فوجده مطأطأ الرأس، بعد أن كان أشبه بالفرعون تجبراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى