مقالات

تدبرات سياسية في سورة الناس (نظرية المؤامرة)

د. أسامة الملوحي

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

قل أعوذ برب الناس- ملك الناس – إله الناس- من شر الوسواس الخناس- الذي يوسوس في صدور الناس – من الجنة والناس)

  • قل فيها أمر للنبي ليجيب عن تساؤلات معلومة من جوابها ،ولأنها من قصار السور فهي موجزة دالَّة
  • قل فيها معنى وضِّح للمؤمنين .
  • وفيها معنى أسكت الكافرين ورُدَّ ادعاءاتهم بالكلام المختصر المفحم.
  • قل،في سورة الناس فيها توكيد للمؤمنين وتثبيت وفيها أجب عن سؤال: بمن تعوذ يا محمد وبمن نعوذ من كيد الناس وكيد الجان فكيد الجنة والناس تجاهنا عظيم مستمر؟

بمن تعوذ ولمن نلجأ من كيد الجنة والناس ومؤامراتهم ،قل أعوذ وأستعين بثلاث صفات لله مجتمعة من أمر واحد وهو شر الوسواس الخناَّس .
في سورة الفلق أًمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ بصفة واحدة لله جل شأنه (قل اعوذ برب الفلق)الفلق1 يستعيذ يها من أربعة شرور (من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد)الفلق
أمر من الله لنبيه أن يعلن استعانته بثلاث صفات لله وهي (رب الناس ملك الناس، إله الناس ) من شر واحد وهو شر الوسواس الخناس.
ورب الناس خالقهم ومنشئهم ومربيهم..
وملك الناس مالكهم، ومن تحت ملكه هم كل الناس شاء منهم من شاء وأبى منهم من أبى فلفظ الناس معرف “بال ” فيشملهم جميعاً.
وإله الناس من يستحق الإذعان والخضوع من كل “الناس”.
وشر الوسواس الخناس: شر مفعول له مقدار ووزن ( ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) الزلزلة8
والوسواس هو الذي ينشط خفية و يتسلل خفية ويعمل خفية وآلية عمله هي تحريك المُستهدف والإيحاء له وإقناعه والسيطرة عليه: إنه فعل للشر بغير ظهور للآمر المدبر، إنه تحريك و استدراج ليتم الفعل غالباً بأيدي المستهدفين أنفسهم وتكون حرباً بالوكالة بأيدي المستهدفين ضد أنفسهم أو ضد آخرين.
وصيغة الوسواس صيغة مبالغة على وزن “فعلال” أي ان الوسوسة عظيمة مؤثرة، والموسوس خبيث له مكر وتدبير شديد وفي العمق.
وصيغة الخنَّاس على وزن فعَّال صيغة مبالغة أخرى تدل على الاختفاء الدائم المتقن وكثرة الاختفاء، وتعدده بوجوه كثيرة وأغطية عديدة وتدل أيضا على سرعة الاختفاء فالكيد في النهاية ضعيف لذلك يعتمد على الاختفاء والتغطية والتسلل “…إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)النساء 76.
وإذا أحس المُوَسوس أنه قد كُشف أو واجهته إرادة قوية من المُستهدَف خنس أو اختفى.
وإذا علم الموسوس أن المُستهدف قد استعان بالقوي المتين خنس واختفى لأنه شديد الاختفاء وسريع الاختفاء والهروب.
والمكان الذي يستهدفه الموسوس هو أبرز وأهم مكان في الإنسان وهو الصدر……” في صدور الناس” والصدر هنا بمعنى أهم مكان وأبرز موضع في الإنسان ،إنه مقر القيادة الذي يحوي العقل والشعور ومن يسيطر على مركز قيادة الإنسان يسيطر على أفعاله وأفكاره….واستخدام “في” يدل على التسلل إلى داخل مركز القيادة قبل تفعيل الوسوسة واستعارها.
الموسوسون صنفان : “من الجنة والناس” شياطين الجنِّ والإنس والواو لا تفيد الترتيب فلعل شيطاناً واحداً من الإنس فاق وعلَّم ألف شيطان من الجنِّ.
من الجنة وهم إبليس وجنده من الجانّ من جهة, ومن الناس من جهة أخرى، ومن تبعيضية تشير إلى بعض الجنة وبعض الناس وليس كل الناس.
وهؤلاء من الناس قلة نفوسها غير سوية ودوافعها حاقدة مستعرة.
وأمر مهم للغاية في السورة: السورة تخبرنا أن المستهدف هو فقط الإنسان، المستهدفون هم الناس ،إنه هدف واحد لدى شياطين الإنس وشياطين الجن، يستهدفون الإنسان المستقيم ليحرفوه، والانسان المستمسك بنهج الله ليضعفوه.
صنفان ؛صنف من الجنَّة وصنف من الناس يستهدفا صنفاً واحداً وهو الإنسان ويستهدفانه متعاونين أو متفرقين.
وقد يوسوس الشيطان لإنسان فيقوده للكفر أو الفسق.
وقد يوسوس الشيطان في صدر إنسان فيحرضه أو يشحنه أو يوحي إليه ليوسوس في صدر إنسان آخر فيقوده للظلم أو العدوان أو الفسق.
في هذه السورة العظيمة أمر بين واضح يوضح شرًا أكيدًا تُثبته آلاف الوقائع عبر آلاف السنين ألا وهو التآمر الخفي على الأنبياء ،و المؤمنين الصادقين والدعاة المصلحين.
إنها “نظرية المؤامرة” هي عندنا ليست بنظرية، بل حقيقة أخبرنا الله عنها بكلام مختصر معجز في سورة قصيرة وكلمات معدودة وفصلها في سور طويلة أورد فيها الأمثال والقصص قصص الطغاة والمفسدين ،قصص ليست للتسلية بل للأخذ والعبرة والله يخبرنا عن الاقدمين لأنه يبدئ ويعيد وسننه ماضية إلى يوم القيامة.
أما الوقائع؛ فما ظهر منها كثير، وما خفي منها كان دائمًا أعظم لأن عمل الموسوسين خفيٌّ لا يكشف بعضه إلا بتتبع واجتهاد ولا يصل إلى كل حقائقه إلا قلة أغلبها من المدبرين الموسوسين أنفسهم.

و محافل الماسونية و التي ذُرئت في كل الأرض تحت أغطية أعمال الخير والأدب والفكر ؛ومهدت لأعداء المسلمين في كل مكان ،ليست بالشاهد المكشوف الوحيد ولكن لعلها الأضخم والاقدم في حياتنا المعاصرة واستبدلت بعد كشفها بعشرات المحافل والنوادي والجمعيات والروتريات.
وكم من وسواس خناس ضفدع اندس في صفوفنا فوسوس ودقَّ ومزّق ،لقد دبّر في السر ما دبر.
كل الطواغيت استعانوا بالوسواس الخناس وبه استطاعوا أن ينفذوا إلى صدور الصفوف وإلى قلوب الضعفاء والمترددين.
وأخيرًا: لا ينسين أحد سلاح المواجهة الأساس ضد أشد شر يمكن أن يواجهه الإنسان، وهو أن نلجأ ونستعين بالقوي المتين.
لجوء الفاعلين المدركين ،وليس لجوء المتواكلين القاعدين المتفرجين.
وأن تكون لنا قوائم عند أمناء سر كحذيفة بن اليمان فيها المنافقين والموسوسين والضفادع المشكوك بهم ،وأن نأخذ حذرنا،فهم لا يرقبون فينا إلًّاً ولا ذمّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى