حقوق وحريات

إضاءات سياسية (10)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

خطاب مفتوح :

إلى السيد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية وإلى حكام البلاد العربية

30/12/2008

تحية الحق والعروبة وبعد ،

يتساءل العديد من أصدقائي وممن يلوذ بي من حولي عن فائدة الكتابات التي أكتبها ، سواء كانت بشكل خطابات مفتوحة أو مقالات ، فلقد سئم المواطنون في وطننا الحبيب من توجهات الحكام وعدم اكتراثهم بشعوبهم ، كما يرى أكثرية المواطنين عدم جدوى الكتابة .

إلا أنني أعتبر بأن على كل مواطن أن يبدي رأيه وأن يحاول تصويب المسارات قدر جهده ، وهو غير مسؤول عن النتائج ، ومن هنا رأيت أن أمسك بقلمي لأخط هذه الرسالة على هامش الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين عامة وغزة خاصة ، والأنظمة العربية كافة مدعوة الآن للبحث بهذا الوضع الخطير الشائن .

أيها السادة :

سأعود إلى الوراء قليلاً ، فلقد أنشئ الكيان الصهيوني بقرار التقسيم المشؤوم والمعروف لديكم والصادر عن منظمة الأمم المتحدة بحيث أعطى هذا القرار -المعدوم من الناحية القانونية- جزءاً من فلسطين إلى اليهود لإنشاء وطنهم المزعوم بينما أبقى للفلسطينيين الجزء الآخر “ومخطط التقسيم محفوظ في الأمم المتحدة” .

وبرغم أن هذا القرار معدوم من الناحية القانونية لسببين :

أولهما : لأنه خلق كياناً دينياً مما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة التي يصفها بأنها منظمة علمانية .

ثانيهما : أنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ولا في القانون الدولي أي نص يجيز للمنظمة الدولية أو غيرها اقتطاع أرض شعب لإعطائها لآخرين .

ولكن العالم تعامل مع هذا القرار على أرض الواقع واعتبره قراراً سليماً منشأً للكيان الصهيوني ، ومعلوم أن الدولة الصهيونية لا حدود لها ولا دستور ، وبالتالي فحدودها التي يجب اعتمادها هنا هي المقررة في قرار التقسيم لا غير ، والذي أيدته القرارات المتتابعة التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن والتي نصت على وجوب انسحاب إسرائيل مما احتلته من أراض وعودة اللاجئين ، وبالتالي فإن الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1948 وما بعد والتي كانت مخصصة للفلسطينيين إنما تعتبر أراض محتلة في نظر القانون الدولي ، ولأصحاب الأرض الدفاع عنها بكافة الوسائل وفق اتفاقيات جنيف المعروفة والتي لا حاجة لأدراجها هنا .

المؤسف أن الدول العربية مجتمعة ضربت صفحاً وتجاوزت فوق هذه الرؤية ، وأعرضت عن المطالبة بهذه الأراضي المحتلة وأضحت لا تطالب إلا بما سمي ما قبل 5 حزيران/يونيو 1967 ، وهو ما أكدته فعلاً مبادرة القادة العرب في مؤتمرهم في بيروت فيما سمي المبادرة العربية ، وكأن هذه المبادرة قد أسبغت الشرعية على احتلال أراضي ما قبل هذا التاريخ   .

سبق أن كتبت مقالات عديدة عن القضية الفلسطينية تحت عنوان المؤامرة المستمرة أثبت فيها نصوص كتب مرسلة من قادة عرب بدء من الشريف حسين مروراً بالملك فيصل الأول والملك عبد العزيز آل سعود إلى الحكومة البريطانية وقد عرض هؤلاء في كتبهم تنازلهم -عما لا يملكون- “فلسطين” إلى البريطانيين ليعطوها لليهود أو لغيرهم .

إن هذه الكتب تثبت بما لا يدع مجالاً للشك تآمر هؤلاء الحكام على القضية الفلسطينية من أجل الحفاظ على كراسيهم في الحكم ، واليوم أجد أن استمرار الحكام العرب بسكوتهم :

  • عن احتلال أراض فلسطينية خارج قرار التقسيم .
  • انحيازهم إلى جانب الكيان الصهيوني في صراعه مع المقاومة الفلسطينية تحت شعارات السلام الاستراتيجي والتهدئة وما شاهدناه على شاشات التلفاز من تصريحات لوزير خارجية مصر -الدولة العربية الأكبر- ، ومحمود عباس رئيس ما يسمى السلطة الفلسطينية بإدانتهما المقاومة في غزة يكشف مدى استمرار التآمر على القضية الفلسطينية بدءاً مما قبل 1948 واستمراره حتى الآن من أجل الحفاظ على العروش .

لقد وافقت فصائل المقاومة على التهدئة في غزة ولكن النتيجة التي يعلمها كل ذي عينين أن حصار غزة كان يتفاقم يوماً بعد يوم ، ويتم تجويع وقتل الفلسطينيين بدم بارد وبطء ، والعالم كله عامة والعربي خاصة ينظر دون أن يحرك ساكناً فهل هذه التهدئة التي تطلبونها ؟! .

لقد استمر حصار غزة لشهور عديدة وأغلقت معابرها الموصلة للعالم الخارجي من قبل الكيان الصهيوني بدعم”المعتدلين” العرب ، وكان الهدف من ذلك هو التأكد من نفاد المواد التي يحتاجها الإنسان من غذاء ودواء وغيره ، حتى إذا أيقنت الدولة الصهيونية بأنه حان أوان الضرب والقتل والتدمير ، نسقت مع شركائها في السلطة الفلسطينية والنظام المصري للقيام بضربة تريح المعتدلين من المقاومين .

المؤسف والمخجل أن نسمع وزيرة خارجية العدو تهدد بمسح منظمة حماس عن الوجود تحت سمع وبصر الرئيس مبارك ووزير خارجيته دون أن ينبس أحدهم ببنت شفه ، أو أن يبدي أي رد لهذا الكلام الإجرامي ، في الوقت الذي يؤكد فيه بعض المسؤولين الصهاينة أنهم تلقوا دعماً كبيراً لاجتياح غزة .  

أيها الحكام العرب : إن شعبنا يدرك أنكم مغلوبون على أمركم بسبب تشبثكم بالكراسي والخلافات بينكم ، تماماً كما تشبث سابقوكم بها حين باعوا القضية الفلسطينية ، وإن ما نطلبه منكم الآن ، والمذابح تجري أمامكم وتحت بصركم وسمعكم ، أن تقلعوا عن المزاودة وأن لا تتحالفوا مع الشيطان الأمريكي وربيبته الصهيونية ، وأن المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق ومعه عالمنا العربي والإسلامي كفيلة باسترداد الحقوق وحفظ الكرامة .

لقد قال الشاعر العربي الحطيئة :

دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها

واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي

إن جموع مواطنينا تنتظر خطواتكم المقبلة في هذه الأيام الحاسمة ، كما قال الشاعر الحطيئة :

مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لا يُعْدَمْ جَوَازِيَهُ

لا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

دمشق


(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)

28/01/2009

في التسعينيات حين كانت المجازر ترتكب في البوسنة والهرسك من قبل الصرب ، وأثناء زيارة لي إلى بريطانيا استمعت إلى تصريح للرئيس الفرنسي ميتران يقول فيه (لن يسمحوا بقيام دولة إسلامية في أوروبا) هكذا ترافق التصريح مع المجازر ضد المسلمين .

وتدور عقارب الساعة ، ومع دورانها نسمع في كل دقيقة منها تصريحاً لأحد قادة الغرب بدعم الدولة الصهيونية المغتصبة لفلسطين والتي ترتكب المجازر على مدار الساعة ، وفي المقابل نسمع التنديد بما يقوم به الفلسطينيون من دفاع عن أرضهم وعرضهم! ، ثم تآمروا على ياسر عرفات برغم كل التنازلات التي قدمها في أوسلو ، وحاصروه في رام الله بربيبتهم إسرائيل ثم تخلصوا منه قتلاً ، وفارقت روحه الجسد في فرنسا ، ومع ذلك لم نسمع أي شيء عن سبب وفاته كما لم تمارس السلطات الفرنسية أي تحقيق ودفن سبب الوفاة مع الجثة .

في أثناء حياة ياسر عرفات لم تترك الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون وسيلة من وسائل الضغط على عرفات كي يتنازل عن صلاحياته أو بعضها إلى محمود عباس (أبو مازن) الذي كان على ما يبدو هو رجلهم القادم والمناسب لقمع حركة المقاومة في فلسطين ، وتحت ضربات المقاومة التي لم يستطع عباس السيطرة عليها في غزة انسحبت من طرف واحد جيوش الصهاينة من القطاع تجر أذيال الخيبة والمهانة .

منذ بضع سنوات جرت انتخابات فلسطينية ديمقراطية مائة بالمائة فازت فيها منظمة المقاومة الإسلامية حماس بنسبة ساحقة وما إن فازت حتى طالبت الجميع بمشاركتها في الحكم وتشكيل حكومة وحدة وطنية ، إلا أن الكثير رفض ذلك وكل له أسبابه ، مما دعا حماس لتشكيل حكومة حمساوية ، ومعلوم في النظام الديمقراطي أن من يملك أكثرية الأصوات في المجالس التشريعية يحق له أن يشكل الحكومة .

لم يرق لمحمود عباس وسلطته في رام الله ولا للغرب كل الغرب نجاح حماس وبدأ وضع العصي في العجلات ، ورفض الغرب كل الغرب التعامل مع الحكومة التي شكلتها حماس وضربوا عليها حصاراً سياسياً بمزاعم كاذبة ملفقة من أنها منظمة إرهابية ، وفي حقيقة الأمر فإن هذا الحصار كان عقاباً جماعياً للشعب الفلسطيني الذي انتخب حماس “ديمقراطياً” ، وبذلك انكشف زيف حديث الغرب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان .

المؤسف أن عدداً من الأنظمة العربية بما فيها “السلطة الفلسطينية” شاركت بصورة أو أخرى بهذا الحصار ، وبدأت الضغوط تمارس على الشعب الفلسطيني في غزة تحديداً وتم إغلاق المعابر ، والمؤسف أيضاً أن بعض الأنظمة العربية المعروفة وجدت في حماس صنواً لجماعة الإخوان المسلمين وكان هذا الرابط هو موضع هجوم من نظام هنا وهناك .

معلوم أن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين وهو ثالث الحرمين الشريفين -مكة والمدينة- والصلاة فيه تتخذ طابعاً تعبدياً هاماً لدى المسلمين ، وتمارس أجهزة الأمن الصهيونية منع الفلسطينيين من دخول المسجد والصلاة فيه لمن هم دون الأربعين سنة من عمرهم ، ويفترش هؤلاء المصلون الشوارع ليؤدوا صلاتهم ، بينما لا يحرك هذا المشهد ضمير القادة العرب أو المسلمين أو الغربيين المتحضرين .

والمؤسف أيضاً أن تنحدر المفاهيم الأخلاقية في العالم فيرى هؤلاء “البعض المتحضر” أن إسرائيل إنما تدافع عن نفسها فيما فعلت وتفعل ، فأغدقت عليها أحدث الأسلحة وأفتكها بالبشر والمتطور منها ليصار إلى تجربتها على شعبنا في غزة ، وحوصرت غزة بشكل كامل براً وبحراً وجواً ، وبدأ قصف كامل وتدمير للبشر والحجر والشجر بشكل همجيٍ غير مسبوق ، ووقف حكام عرب ليس فقط ليتفرجوا على ما يجري من مذابح وإنما يشاركون فيها بتجويع الشعب الفلسطيني في غزة وإنهاكه عن طريق الحصار ، ثم نجد مسؤولين آخرين ينددون بخطوات المقاومة وأن عليها أن تتحمل نتائج عدم سماعها للنصح! ، ما هذا الهراء الذي نسمع ؟ .

يقبل حكام عرب البحث حول ما يسمى منع تهريب السلاح إلى المقاومين ، وبمعنى أوضح المطلوب هو إبادة المقاومة وإذلال شعب فلسطين للوصول إلى تسوية إذعان ، فكيف يمكن لنا أن نتحمل هذه المواقف ؟ .

انسحب جيش الصهاينة من غزة بعد فشل ذريع في تحقيق أهدافهم التي أرادوها ، وما أن توقف القتال حتى سارع قادة أوروبيون (فرنسا ، ألمانيا ، إيطاليا ، أسبانيا ، بريطانيا) بقيادة طوني بلير ، ليعقدوا مؤتمراً لهم في شرم الشيخ دون تحضير أو علم مسبق ، ثم لينتقلوا فوراً إلى تل أبيب وبحضور (المجرمين  أولمرت وباراك وليفني) ليطمئنوهم وليعطوهم صك البراءة والدعم المطلق للجرائم التي ارتكبوها في غزة ، ولم يرف لهم جفن ، ولم يفكروا في أن يزوروا غزة بالتوازي ، ليروا الدمار الذي خلفته آلتهم العسكرية ، وليتفقدوا المنشآت الصحية والتعليمية وأماكن العبادة التي استهدفتها هذه الآلة ، والشهداء من المدنيين أطفالاً ونساء وشيوخاً الذين سقطوا على يد أحد أكبر الجيوش إجراماً في العالم ، كل ذلك حتى يرسلوا لنا رسالة واضح (أننا نبغضكم) .

من جهة أخرى تحركت فرنسا منفردة بإرسال بارجة حربية مع حوامات لمراقبة شواطئ غزة منعاً لما يقال “تهريب السلاح” .

لقد ذبح الغرب في أسبانيا وألمانيا “اليهود” الذين فر قسم كبير منهم إلى بلادنا فحميناهم وعاشوا بيننا بأمان ، والآن يكافئنا الغرب المنافق وشركاؤه المجرمون الصهاينة في فلسطين بالشروع في الإجهاز على شعبنا في غزة ، بينما يقف الغربيون الديمقراطيون العلمانيون موقف الداعم للمجازر!! .

إن موقف الدول الغربية هذه بما فيهم المتعاونين معهم إنما يرتكبون جريمة المشاركة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها الإدارة الإسرائيلية وآلتها العسكرية ، وعلى جميع المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ملاحقة هؤلاء جميعاً أمام القضاء الجنائي الدولي .

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى