دين ودنيا

صلاة العيد في ظل أزمة (كورونا)

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

لصلاة العيد منزلة خاصة عند المسلمين، حتى إن بعض الناس جهلا منهم ربما لا يدخلون المسجد ويذهبون إلى مصلى العيد، وآخرون لا يصلون في عامهم إلا العيد.

والسؤال: كيف سيصلي الناس العيد في ظل أزمة (كورونا)، وسأبين هذا في النقاط التالية:

الحكمة من صلاة العيد:

للعيد حكمة تتجلى من خلال ما رواه أحمد عن أَنَس بْن مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: “إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ[1]“. (رواه أحمد (13622)، فهو يوم للفرح والسرور، كما أنه يوم للشكر، قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]

حكمها: اختلف العلماء في حكم صلاة العيد، فقال: الأحناف صلاة العيدين واجبة (الواجب عند الحنفية: أنه منزلة بين الفرض والسنة). أما الشافعية والمالكية: فقد ذهبوا إلى القول بأنها سنة مؤكدة. وذهب الحنابلة إلى القول بأنها فرض كفاية[2].

مكان أدائها: لم يعهد الناس من قبل صلاة العيد في البيوت لأن الأصل فيها الجماعة، وهي من النوافل التي جاءت السنة بصلاتها خارج البيت لا داخله، وقد اتفق الفقهاء على أن: كل مكان طاهر، يصلح أن تؤدى فيه صلاة العيد، سواء كان مسجدا أو عرصة وسط البلد أو مفازة خارجها. إلا أنه يسن الخروج لها إلى الصحراء أو إلى مفازة واسعة خارج البلد تأسيا بما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم[3].

صلاة العيد في هذه الأزمة:

        إذا استمر الأمر على ما هو عليه من حظر التجوال، ومن التجمعات، وغلق المدارس والمساجد، فتكون صلاة العيد على هذا النحو:

  1. يصلي الإمام في مسجده بمن يحضر معه من موظفي المسجد حتى لا يهجر بيت الله تعالى.
  2. يصلي كل امرئ صلاته في بيته فيجمع أهل بيته ويصلي ركعتين في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الثانية خمس تكبيرات. (كصلاتها في الخلاء أو المصلى).
  3. لا مانع من سماع الخطبة من المسجد مع الإمام باعتبارها موعظة، فالخطبة ليست شرطا للعيد كما في صلاة الجمعة، بل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخيير الناس في الجلوس لها روى أبو داود َنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: «إِنَّا نَخْطُبُ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[4]».
  4. يصلي الناس في بيوتهم، وجمهور العلماء على أن صلاة العيد جائزة في كل مكان، لأن الأصل أن تصلى في الخلاء، قال الشافعي: ويصلي العيدين المنفرد في بيته…[5].
  5. لا يحتاج المرء في صلاته في بيته إلى خطبة، فإن صلى الركعتين صحت صلاته، وإن أعطى موعظة لأهل بيته وذكرهم بنعم الله فلا بأس.
  6. من فاتته صلاة العيد في بيته لعذر؛ كأن سهر أهل البيت حتى الفجر ثم ناموا؛ فإن استيقظوا قبل الزوال صلوها في يومهم، وإن قاموا بعد الزوال صلوها من الغد، روى البيهقي عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” كَانَ أَنَسٌ إِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ مِثْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ[6].
  7. لا يلجأ الناس لصلاتها في الخلاء بحجة أنها ستكون في الفضاء، والمكان متسع، لأنه عند التطبيق سيصعب ضبط الناس في المكان، وقد يعزّ على البعض عند اللقيا عدم المصافحة أو المعانقة، وهذا مما سيوقع الناس في ضرر بالغ، وفي وفي المسند عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ[7]“.

.المراجع:


[1] رواه أحمد (13622) وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.

[2] الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 240). والصحيح ما ذهب إليه المالكية والشافعية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن واظب عليها؛ فإنه لم يذكرها آمرا بها ومشددا عليها كما في كما في الصلوات الخمس، روى الشيخان عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ». رواه البخاري في الإيمان (46) ومسلم في الإيمان (11).

[3] الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 240).

[4] رواه أبو داود في تفريع أبواب الجمعة (1155) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1048).

[5] الحاوي الكبير (2/ 494).

[6] رواه البيهقي السنن الكبرى (3/ 427).

[7] رواه أحمد (2865) وقال محققو المسند: حسن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى