مقالات

تمكين أصحاب القدرات المحدودة – سياسة أميركية

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

قامت السياسة الأميركية من خلال التأثير في سياسات الأنظمة العربية ، التي تعمل بتوجيهاتها على تمكين الكثير من أصحاب القدرات المحدودة ، الذين لا يحسبون من فئة السياسيين أو المثقفين أو الإعلاميين ؛ وجعلهم في صدارة المشهد السياسي والإعلامي والثقافي للثورة السورية ، من خلال توفير الدعم المالي والإعلامي لهم مع إنه لم يعرف عن أكثرهم أي علاقة تربطه بالسياسة ، والشأن العام أو الثقافة والاعلام لا من قريب ولا من بعيد.

في المجال السياسي ؛ لم يعرف من خلال تناول تاريخ أغلبهم ،على أنهم من معارضي النظام أو من مقارعي استبداده ، فهم تنقصهم الخبرة السياسية ،ويسود بينهم الجهل في فهم العلاقات الدولية وقوانينها ودروبها ، وينعدم لديهم معرفة كيفية إدارة الدولة .

أما في المجال الثقافي ؛ فقد ظهر من كتابات من تصدر المشهد ، سواء في الفكر أو الأدب  أو النثر أو المقالة أو البحث والدراسة ، أن أغلبها سطحية وأقرب إلى الإنشاء  أو الهذيان والغموض ، ناهيك عن الضعف في القدر على توصيل المراد . وقد كانت جل موضوعاتهم ، تدور حول مسائل هامشية تافهة، بل لا تستهدف في أحيان كثيرة أي شيء مهم يمس حياوات السوريين  ومشكلاتهم، فهم يثيرون مجموعة من المسائل الفرعية البعيدة عن قيم وعادات وتاريخ وثقافة المجتمع السوري، لتغذية شهوات الشاذين، وإرضاء غرائز المرضى من الطائفيين والعنصريين.

بينما في مجال الإعلام؛  فالذين تصدّروا المشهد – في جلهم-  هواة موهمون ، يظنون أنهم صحفيون وإعلاميون ، ويقدّمون أنفسهم إلى الجمهور السوري الثائر على أنهم “إعلاميون”   لكن الواقع ليسوا كذلك !  فثمة تعريف مبسطً  للإعلامي : إن الإعلامي ، هو الشخص الذي تجاوز مرحلة الصحافة المقروءة ، وأصبح شخصية معروفة ومؤثرة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، بعد أن مرّ في تجارب مختلفة في الصحافة، ومن ثمة أهلته تلك التجارب من الانتقال للإعلام المرئي وصناعة الرأي العام أو التأثير به .

لقد كانت كارثة تهميش الكفاءات والخبرات الوطنية ، وتمكين الجُهّال والهواة من تسلم السلطة وإدارة مؤسسات الدولة ، قد أسست لها الولايات المتحدة بعد غزو العراق ، بغية إضعاف هيبة الدولة في العالم العربي ، وتحويلها إلى فاشلة يسيطر على إمكاناتها وقدراتها العصابات والرعاع.

بعد اندلاع الثورات العربية ، ومنها الثورة السورية ، لإسقاط أنظمة السخرة ، وبناء النظم الحرة القائمة على تطبيق  مبدأ المواطنة،  فقد شعرت الولايات المتحدة بأن ثمة انفلاتًا من هيمنتها على العالم العربي الذي يحوز على مكانة مهمة في استراتيجيتها ، واهتمام سياستها الخارجية ، حيث ترى فيه وجود مصالحها الحيوية ولاسيما النفط وإسرائيل، ولهذا سارعت إلى استخدام سياسة التحايل وإظهار نفسها بأنها مع تطلعات الشعوب العربية،  ومنها الشعب السوري،  إلى جانب  حقوقهم في الحرية والحياة الكريمة،  مع أنها كانت ضمنيًا حريصة على بقاء أنظمة السخرة في السلطة التي ثارت عليها شعوبها وبخاصة النظام “المدلل ” في سورية.

مع تطورات الثورة السورية ، تكيفت معها استجابة السياسة الخارجية الأميركية، التي كانت قائمة على التسويف من أجل المحافظة على بقاء النظام ، وكان ضعف المعارضة الهزيلة وسوء أدائها فرصة الأميركيين السانحة في المماطلة ،وعدم الوفاء بوعودهم وبخاصة وعد الرئيس باراك أوباما الذائع الصيت بأن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام هو خطً أحمر، وسوف يغير قواعد اللعبة، ويتطلب رداً حازمًا.

لقد كان ولا يزال الهدف من تمكين الجُهّال من أشباه السياسيين والمثقفين والإعلامين ،وجعلهم في واجهة تمثيل الثورة السورية ، وتسليم زمام الأمور بيدهم فرصة ذهبية لتمييع وإفشال الثورة السورية ، وخلق انطباع بأن ليس هناك بديلٌ عن النظام ، ودفع الشعب السوري وحكومات العالم إلى المقارنة بين إمكاناتهم وإمكانات النظام لإسقاطهم في أعين الشعب والعالم  لإعادة إنتاج النظام ذاته.

كان قد بدأ التأسيس لتمكين الجُهّال والهواة في سورية ، منذ اندلاع الثورة ، وقيام المجلس الوطني السوري، وترسخ بتشكيل الائتلاف، فأغلبية الذين تم “لمهم” وضمهم لم يكن على أساس الانتماء الوطني أو الكفاءة السياسية أو الانتماء الأيديولوجي ؛ إنما كان على أساس انتماءات ما قبل الدولة !

ولذلك ، سرعان ما ظهر الائتلاف بأنه تشكيل يهيمن عليه أفراد يتصفون بالجهل السياسي والفساد والأنانية ، متعطشين للوجاهة والسلطة ، ويسعون الى تحقيق مصالحهم الخاصة ، ومصالح الداعمين الإقليميين والدوليين لهم ، وليس تحقيق أهداف الثورة السورية . فهم يهدرون الكثير من الجهد والوقت في الصراع مع بعضهم بعضًا حول مسائل هامشية ، من أجل الحصول على المكاسب،  وهذا يعود إلى افتقارهم لمواصفات القيادة الوطنية ، وغياب العمل المؤسسي والاستراتيجية الثورية تجاه التعامل مع الشعب السوري الثائر والعالم الخارجي؛  ولذلك لم يستطيعوا القيام بواجبهم الوطني من خلال عدم الوفاء بالوعود التي قطعوها للثورة ، فضلًا عن أنهم لم يتخذوا الموقف الوطني المسؤول في تعرية وفضح سياسة الوعود التي تفتقد إلى المصداقية المتبعة مع الثورة السورية من قبل ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري؛ وبخاصة من قبل الولايات المتحدة ، ولذلك أصبحوا لا قيمة وطنية لهم، ولا يمثلون أحدًا، فرؤساء الائتلاف ،وما يسمى الحكومة السورية المؤقتة يمثلون دليلًا صارخًا على تمكين من ذكرنا، وهذا ما دفع يوماً الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التهكم عليهم قائلاً  : ” لا يمكن لمزارعين وأطباء أسنان، لم يسبق لهم أن حاربوا أن يتغلبوا على نظام الأسد “.

كان الظهير لأشباه السياسيين، في حرف الثورة عن أهدافها من أجل المحافظة على النظام الطائفي ، كان هؤلاء من الموهمين الهواة  المتصدرين للشأن العام ، الذين يحسبون أنفسهم مثقفين وصحفيين وإعلاميين، حيث افتتح لهم عدة “دكاكين”  أطلق عليها مراكز أبحاث ودراسات ، ومواقع إعلامية وإخبارية ،  بذريعة دعم الثورة السورية وتقوية مؤسسات المجتمع المدني ، والترويج للعلمانية والعقلانية والتنوير، فنفذوا مع أشباه السياسيين حرف اتجاه الثورة ، فركزوا على موضوعات  تستفز الأغلبية من الشعب السوري ، متعلقة بتهميش هويته العربية ، والنيل من عقيدته الإسلامية ، والسعي المحموم إلى تبديل قيمه ، مثل : أن سورية دولة مكونات، ولزوم تجديد الإسلام، والترويج للجندرة والمثللية،  في حين أن هؤلاء لم يعطوا أي اهتمام  على أمور أكثر أهمية ،  كتعرية وفضح طائفية وجرائم النظام ، ومعهم الذين زعموا أنهم أصدقاء الشعب السوري وخذلوه ، كما لم يقوموا بوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية.

وعلى الرغم من كل هذه المَثالِبُ الفاضحة في هؤلاء ، الذين حولوا الثورة السورية إلى مهنة للتكسب والارتزاق ، ومن ثمة كانوا من أدوات الثورة المضادة في اجهاض الموجة الأولى من الثورة السورية،  إلا أنه لا يزال الحرص على دعمهم وتمكين بقائهم في المشهد مستمرًا من قبل الرُعاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى