دين ودنيا

عبادات البدل

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

وحيث شارفنا على العشر الأواخر من رمضان ، ولا تزال المساجد مغلقة ، والجماعات والجمعات معلّقة ، يتسائل كثير من الناس عن الاعتكاف وهل هو ممكن داخل البيوت ؟
والجواب أن جمهور العلماء اشترطوا لصحته ان يكون في المسجد ، وخاصة المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة والجمعة ، وقد نقل الإمام القرطبي الإجماع على ذلك ، وإن كان في الحقيقة إجماعا ظنّيا لا قطعيا ، إذ أن من المالكية من يرى بجوازه في البيت وكذلك كثير من الحنفية ، ولكن الصواب أنه لا ينعقد إلا في المساجد لا في البيوت ، لقوله تعالى ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف في بيته رغم ملاصقته للمسجد !

و بما أننا لا نستطيع عقده هذا العام في بيوت الله تعالى ، فإنه بالإمكان أن يأتي الإنسان ببعض الأعمال الصالحة التي تكون بدلا عنه ، وربما أفضل منه ،
فمن رحمة الله بهذه الأمة أن شرع لها عبادات بدَلية تقوم مقام العبادات الأصلية في باب النوافل طبعا لا في باب الفرائض ،
ففي الطهارة ، إذا فقد العبد الماء أو عجز عن استعماله عمد إلى طهارة البدل وهو التيمم لقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا )
وفي صلاة النافلة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) .
وقال أيضا ( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله ) .

وفي الصدقة ، قال في التبكير لصلاة الجمعة ( من راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ….) الحديث رواه البخاري.
وقال أيضا ( على كل سلامى من بن آدم صدقة أي على كل مفصل وعظم منه صدقة فقالوا يا رسول الله ومن منا يطيق ذلك ؟ فقال : إنما يكفي أن يصلي أحدكم ركعتي الضحى ) .

وقال أيضا ( من شهد جنازة حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فله قيراطان كل قيراط مثل جبل أحد ) !!

وفي نافلة الحج والعمرة ، قال صلى الله عليه وسلم ( من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب الله له حجة وعمرة تامة تامة تامة ) .

وفي قراءة القرآن الكريم ، قال ( أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن في ليلة ؟ فقالوا يا رسول الله وأيّنا يطيق ذلك؟ فقال : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) .

وأما في الإعتكاف فقال ( لأن أذهب في قضاء حاجة من حوائج المسلمين أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد أي (المسجد النبوي) شهرا ) !!

فهكذا أسسّ النبي صلى الله عليه وسلم لعبادات البدَل ، ليبقى العمل الصالح متاحا لكل الناس ،وفي كل الظروف والأحوال ،
فإن عجزنا عن القيام في المساجد هذا العام فإن القيام في البيوت هو السنة الأصلية في صلاة التراويح ، وهو أعظم أجرا وأكبر أثرا ، وإن عجزنا عن إحياء ليلة القدر في بيوت الله ، فإن بيوتنا قبلة لإحياءها ، بالصلاة والذكر والدعاء ، ( فمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم لا جماعة ولا مسجدا لها !!
فلا تهنوا ولا تحزنوا ، و سارعوا إلى أفعال الخير واعمال البرّ في هذه الايام المباركات ، واعملوا على تحسين وتجويد الخاتمة ، فإنما الأعمال بالخواتيم .
تقول عائشة رضي الله عنها ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا العشر الأواخر من رمضان أحيا ليلة و أيقظ أهله و شد المئزر ) رواه البخاري ومسلم وفي رواية لأحمد ( لم يكن يدع أحدا يطيق القيام من أهله إلا أقامه للصلاة ) .

ألا ما أعظمها من أيام ، وما أروعها من أجواء ، وما أجلّها من ليالي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى