مختارات

قصة حوار الدكتور أحمد التويجري

جمال سلطان

تنويه: من منطلق مهنية الموقع ، فإن رسالة بوست تنشر رد أ. جمال سلطان، كما نشرت الحوار بينه وبين د. أحمد التويجري .
وهي في كلا الحالتين لا تتبنى أي موقف منهما.

قصة هذا الحوار غرائبية ، والإخوان يروجونها على أساس أنها حوار صحفي أو حوار منشور أو مقال أو وجهة نظر منشورة ضد الجماعة ، وهذا كله كذب وتلاعب بالعقول ، فهو حوار شخصي جدا ، دردشة خاصة ، مع شخصية إخوانية ، كتلك التي تجري في الغرف المغلقة أو المجالس الخاصة أو عبر الهاتف ، لم أنشره أبدا ، ولا فكرت في نشره ، ولا هو حديث للنشر أساسا ، ولكنهم هم الذين نشروه بغرض الإحراج ، رغم أنه ضار بهم هم ، على النحو الذي سأوضحه .
بعد حوالي شهر تقريبا من الانقلاب ، في أوائل أغسطس 2013 ، ورغم أن الخطوات الأولى من خارطة الطريق بدأت تطبق كما أعلن بالفعل ، وقبل أن تظهر النوايا ، فتم اختيار الدكتور محمد البرادعي نائبا لرئيس الجمهورية ، وتولي رئيس المحكمة الدستورية رئاسة البلاد ، وتولي أحد قادة أحزاب المعارضة رئاسة الوزارة ، إلا أن أجواء البلد بدأت متوترة للغاية ومشحونة بالعنف ، ورائحة الدم تقترب ، وكل الأطراف متشنجة ومصرة على المواجهة إلى آخر مدى ، وأيا كانت العواقب ، وهذا ما جعل الجميع يضع يده على قلبه في مصر ، وكان متظاهرون قد حاولوا اقتحام نادي الحرس الجمهوري بشارع صلاح سالم مرجحين وجود الرئيس “المختطف” محمد مرسي بداخله ، ورد الجيش بمذبحة دموية عرفت باسم “مذبحة الحرس الجمهوري” ، وكانت نذيرا بأن الجيش سيصل إلى أبعاد خطيرة ، حيث طريق الدم عادة له اتجاه واحد ، وكان ذلك قبل مذبحة رابعة التاريخية بحوالي أسبوعين ، وكتبت يومها مقالا بالغ العنف في صحيفة المصريون ، أدين فيها المذبحة ، وحملت جهات رسمية المسئولية عن قتل المتظاهرين ، وقلت أن من قتلهم في محمد محمود وميدان التحرير هم أنفسهم الذين قتلوهم في الحرس ، وكان مقالا خطيرا ، توقعت الشر بعده ، لكن الأمور مرت ، والمؤسف أن نشطاء جماعة الإخوان ، كانوا يروجون بعد ذلك أننا ممن رقصنا على الدم ، مع الأسف ، استغلالا لضعف ذاكرة الناس ، وغياب العقل في ضباب العواطف الجياشة.

نص مقال “على هامش مذبحة المنصة”
https://www.masress.com/almesryoon/312597

في تلك الأثناء المشحونة والمتوترة ، فوجئت بتواصل يأتيني على البريد الالكتروني الشخصي من الدكتور أحمد التويجري ، أحد أقطاب الإخوان المسلمين في السعودية ، وعضو مجلس الشورى السابق ، كان يعاتبني على ماحدث ، وعلى نقدي للجماعة ، فدار بيننا حوار خاص جدا على البريد الالكتروني ، هو تكرار لأحاديث تتم مع أصدقاء في جلسات خاصة ، ليست للنشر ولا للإعلان .
كان التويجري مستفزا في حواره ، ومشبوب العاطفة مع الجماعة ، ويراها ضحية الجميع وأنها لم ترتكب أي خطأ ، وكان يحدثني بأسلوب فج وشديد الخشونة ولا أقبله ، لا منه ولا من غيره ، والجواب من عنوانه كما يقولون ، من أول سطر كتب لي يقول : (أتابع بأسى وألم كبيرٍين مواقفك وما تكتبه والنهج الذي انتهجته صحيفة المصريون في الأشهر الأخيرة، وذلك لما ألمسه من فجور في الخصومة وتجرد من الحيدة والانصاف وابتعاد عن المهنية الإعلامية للأسف الشديد، ولو كنتَ أيها العزيز تافهاً من تافهي الإعلام المصري أو مأجوراً من مأجوري فلول النظام البائد لما شعرت بأدنى أسى ولما حرصت على التواصل معك) .
واستغربت لشخص مثله يخرج عن شعوره ويصفني بالفجور ، ويعطيني درسا في المهنية الإعلامية ، وفي الحوارات الخاصة تكون على سجيتك ولا تنشغل بضبط أعصابك في الاستفزاز ، وهذا ما جعل ردودي عليه عنيفة وخشنة وأحيانا متطرفة ـ بقدر خشونة استفزازه وخشونة حديثه ـ لأنها كانت ردا على فجاجته في الحديث وتطاوله ، فكنت معه فجا وصريحا بقناعتي أن الإخوان جماعة فاشية لا تؤمن بالديمقراطية ، وتلك قناعتي التي يعرفها كثيرون من الأصدقاء ، إسلاميين وغير إسلاميين ، في أحاديثنا الخاصة ، من قديم وحتى الآن ، وهي حصاد خبرة أربعين عاما من تجارب الاحتكاك مع الجماعة ، ليست جديدة على من يعرفني ، ولا مفاجئة ، ولكن يبدو أن التويجري تفاجأ بصراحتي معه فيها ، لأنه لم يعرفني من قبل إلا من خلال الكتابات المنشورة ، كما قلت له أني موافق على عزل مرسي وأن عزله منع مشكلات أعمق في مصر ، ونحو ذلك ، والحقيقة أن مرسي كان قد عزل بالفعل ولا قيمة لأن أوافق أو لا أوافق ، ولكنه كان ردا على استفزاز باستفزاز مثله ، وكان واضحا أنه مدرك لغضبي من أسلوبه وعصبيتي ، فقال : (من الواضح أنك في حال انفعال شديد ولذلك لم تقرأ مناصحتي الأخوية لك كما كنت أحب أن تقرأها) .

وبشكل عام مثل هذه القناعات أو “الفضفضة” كنا نحرص على أن لا تخرج للعلن أو تنشر في مقال أو حوار منشور ، حتى لا يساء توظيفها ضد الجماعة من قبل خصومها ، وخاصة في الأوقات التي تعاني فيها من الضغط الأمني ، ولذلك استغربت جدا أن يبادر “التويجري” لنشرها ، بدون إذن مني ، ولو طلب مني نشرها لرفضت ، مراعاة لظروف الجماعة نفسها ، وليس إخفاء لقناعاتي ، فكثيرون يعرفونها ، بمن فيهم كوادر في جماعة الإخوان نفسها ، وقد أساء التويجري لنفسه ولجماعته بما فعل ، أساء لنفسه لأنه خان أمانة المجلس ، ونشر حديثا شخصيا خاصا ليس معدا للنشر ، وبدون إذن من الطرف الآخر ، مثل أن تتحدث مع شخص حديثا شخصيا خاصا على الهاتف ، فيسجل لك كلامك ثم يفاجئك بنشره ، هذا سلوك لا يليق بالأخلاق السوية .
وأما أنه أساء لجماعته فلأنه أظهر للعامة ولخصومهم أن هناك من الإسلاميين المعروفين من يراها جماعة فاشية ، فليس الأسواني وحده ولا البرادعي ولا اليسار المصري من يرى فيها ذلك ، وبالتالي فعندما يتعامل معها خصومها على هذا الأساس فلديهم مستند أن هذه قناعة شخصيات إسلامية أيضا ، وكانوا في غنى عن ذلك ، ولكنه ـ عفا الله عنه ـ تصور أنه يحرجني بتسريب الحوار للنشر ، فلما نشره عن طريق الإعلامي السعودي عبد العزيز القاسم ، وسألوني عنه قلت بوضوح : نعم هذا حواري معه وتلك قناعاتي .

وقتها لم أكن مستعدا لمناوشات مطولة مع مواطن “سعودي” واضح أن لديه فراغا ، ويكتب لي مطولات للدفاع عن الإخوان وشرح الوضع في مصر لي أنا ، فحاولت الاختصار الشديد في الرد ، وضحت له أن قناعتي أن من كان يحكم مصر هي الجماعة ومكتب الإرشاد ، وليس رئاسة الجمهورية ، والجماعة هي التي أفشلت الرئيس مرسي ، وتسببت في إرباكه أكثر وشتت قدراته على التركيز مع الدولة العميقة ، وقد رأيت بنفسي وعايشت ما فعلوه في سنة الحكم ، وحوارات غير معلنة مع أقطابهم كانوا ينذروننا بأنهم “ركبوا ولن ينزلوا ولو بالدم” ، حسب نص كلام بعضهم من أساتذة كبار في جامعة القاهرة ، وأنهم سيبقون في الحكم لأربعين سنة على الأقل ، ونحو ذلك من نذر مخيفة ومتعالية ومفاخرة وسكرة السلطة المفاجئة ، وعايشنا الانقسام الوطني العنيف ، وأن البلد دخلت في الخطر الحقيقي ، فكانت قناعتي أن إنهاء هذا كله هو إنقاذ للبلد من الفوضى ومن محاولة هيمنة لجماعة تدار من خارج مؤسسات الدولة الدستورية .
كل هذه القناعات كانت ـ وما زالت ـ خاصة وشخصية ، ولا أعلنها ولا أنشرها ، تخصني وحدي ، وأقولها كثيرا لأصدقاء ومعارف ، من داخل التيار الإسلامي ومن خارجه ، لكن في الجلسات الخاصة وليس للنشر ولا للإعلان ولا للتوظيف السياسي ، وأحترم من يختلف معي فيها ، كل واحد حر في رأيه ونظرته للأمور والقوى المختلفة ، بل ظللت أدعم الدكتور مرسي حوالي سبعة أشهر على أمل أن تنجح تجربته في الحكم ، رغم عدم ثقتي في الجماعة نفسها ، ورغم أن قناعاتي أنهم سيفشلون ، لأن رأيي وقناعاتي لا قيمة لها أمام اختيار شعبي حر في انتخابات حرة ، وكان أملي ـ وأمل ملايين من أبناء ميدان التحرير ـ أن يتحرر مرسي من “أسر” الجماعة ، ويتوكأ على “الشعب” وليس على الجماعة ، لمواجهة المخاطر الضخمة التي تحيط به وبالثورة .

في حوار التويجري أيضا ، تعرضت لتجارب دول أخرى عندما وقعت أزمات حادة كما حدث في مصر ، وضربت مثلا بالزعيم الفرنسي التاريخي “شارل ديجول” ، إذ قدم استقالته ودعا لانتخابات مبكرة عندما رأى انقسام الشارع بما يشكل خطورة على وحدة الوطن ، وأن هذا إجراء عادي وليس بدعا في الديمقراطية ، وأن العناد فيه كانت تكلفته أعلى .
كما ذكرت له ما سمعته من الإخوان أنفسهم ومن رموز في التيار السلفي المؤيدين بقوة للرئيس مرسي ـ ليسوا من حزب النور ـ يثنون على تدين السيسي وكثرة صيامه وصلاته والتزامه بشعائر الدين ، فلما زاد في استفزازه قلت له هو فعلا أكثر تدينا من خيرت الشاطر ، وربما كان هذا التعبير عنيفا أكثر من اللازم ، ولكن المعنى الأساس صحيح ، نقلا عن الإخوان أنفسهم ، وعن المهندس خيرت نفسه ، وذلك أن الشاطر هو الذي كان يحدثنا عن تدين السيسي ويكبر هذا الأمر فيه ، وهو الذي كان يقول أنه “صوام قوام دين” ، وهناك أمور أعمق من ذلك بين الاثنين لا يناسب نشرها الآن ، فنحن صدقنا ما قاله المهندس خيرت الشاطر نفسه ـ فك الله ضيقته ـ فنحن لا كنا من أصدقاء السيسي ولا نعرفه ولا خالطناه ولا تعاملنا معه في أي موقف ، نحن فقط صدقنا ما قاله الإخوان عنه ، وبالتالي ، فإن كانوا خدعوا فيه كما قالوا ، فالاعتذار يلزمهم هم ، ولا يلزمني في شيء ، لأني مجرد ناقل لوصفهم وشهادتهم في حقه ، والحقيقة أن أكثر ما أحرج “الجماعة” بعد الانقلاب أنها كانت أكثر تيار سياسي مصري دافع عن السيسي ، وأكثر حزب سياسي روج للسيسي ، وأكثر تنظيم ديني تغزل في تدين السيسي وعبقريته ، وبالتالي كانت محاولاتهم سحب كل تلك الصفات التي أضفوها عليه بعد ذلك صعبة الهضم بسهولة .

السيدة الفاضلة حرم المهندس خيرت الشاطر تنقل شهادته في تدين السيسي وأنه كان يقول عنه : صوام قوام
https://www.youtube.com/watch?v=XaiYlGpz8Xo

كنت ملولا جدا من الحوار ، ويضيق صدري من إصراره على الاستمرار رغما عني ، وأختصر جدا في ردودي ، وهو كان يطيل الكلام ويشرق ويغرب فيه ، حيث تأخذه العاطفة الإخوانية ، والأجواء في مصر وقتها عصيبة ومتوترة في ذلك الوقت ، ولسنا في حالة استرخاء مثله لكي نخوض في هذا الجدل العقيم والنظري ، والذي لن يغير شيئا من الواقع على الإطلاق ، خاصة وأنه كان يرى أن هذا انقلاب على الاسلام وليس على الإخوان ، أو كما قال بنصه : (إن ما تواجهه مصر ليس انقلاباً ضد الإخوان ولا انقلاباً ضد إرادة الشعب المصري وإنما هو انقلاب ضد الإسلام والهوية الإسلامية لمصر) ، وهو كلام عاطفي وبدافع حزبي بحت ، لأن التويجري نفسه لم يعترض على سلوك الجماعة في مواقف مشابهة ، في العراق والجزائر ، حيث عصف الجيش في الأخيرة بالديمقراطية وأطاح بالحزب الإسلامي المنتخب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” ، وأيد الإخوان الانقلاب العسكري وعملوا معه ودافعوا عنه وشاركوا في حكومته ، وقال زعيمهم محفوظ النحناح كلمته الشهيرة “رحم الله الدبابة التي حمت الديمقراطية” !! ، رغم أن الجيش هناك ألغى الانتخابات واعتقل أغلب قيادات الإنقاذ وقتل بعضهم وهرب الباقون للخارج وقتل أكثر من مائة وخمسين ألف جزائري في تلك العشرية السوداء ، ولم يقل التويجري وقتها أنه كان انقلابا على الإسلام ، ولك أن تتخيل لو أن “ياسر برهامي” قال مثل هذه الكلمة تعليقا على ما جرى في مصر ، وتصور كيف سيعلق نشطاء الإخوان .
كنت أرى كلامه مبالغة في واقع يشهد صراع سلطة بحت ، بين قوتين تتوعد كل منهما الأخرى بالسحق والمحق والتعليق على أعواد المشانق أو على أعمدة ميدان التحرير ، والشعب نفسه انتقل إلى مدرجات المتفرجين انتظارا لمشاهدة مباراة دموية مرعبة مرتقبة ، ولا توجد في الأفق حلول وسط ، ونذر المذابح بدأت تطل ، حيث وقعت مذبحة المنصة ، وكانت رسالة واضحة بإصرار الجيش على الحسم واحتمال وقوع مذابح كبرى ، وهو ما حدث بعد ذلك في مذبحة رابعة .

تلك قصة حوار التويجري ، وقد ذكرتني بحوار آخر شديد الأهمية جرى بيني وبين الدكتور أيمن علي ، مستشار المرحوم الرئيس محمد مرسي ، في مبنى المستشارية بمقر الحرس الجمهوري بمصر الجديدة ، قبل الانقلاب بثلاثة أشهر تقريبا، أعتقد أن ما جرى فيه مهم تسجيله للأجيال المقبلة .

المصدر:
https://www.facebook.com/100015163503501/posts/886691155179660/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى