مقالات

الثورة السوريّة: بين سندان التشتّت، ومطرقة الدعم

علي الصالح الظفيري

ناشط سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

قامت الثورة السوريّة بلا تخطيطٍ مُسبق ، ولا سابق إنذار ، حالُها كحالِ الثورات العربيّة التي صار يُطلق عليها اسم ” الربيع العربي” ، نعم كاد أن يكون ربيعًا مُزهرًا لو نجحت تلك الشعوب الثائرة بكنس الأنظمة التي أقلّ ما يُقال عنها أنها مجرمة وعَمِيلة .
لا بُدّ لنا أن نعترف بصعوبة النجاح السريع للثورات لعدّة أسبابٍ موضوعيّة.
فثورةُ الشعب السوري ، هي ثورةٌ شرعيّة بلا ريب ، وأسباب قيامها مشروعة ، ولا يُنكِر هذا إلّا عميل للنظام السوري المجرم أو عميل لداعِمِيه ، أو أحمق مغشوش ، وهذا قليل ، بل ربما نادر الوجود .
عقودٌ من القمع ، وانعدام الحياة السياسيّة ، وضعف التأثير لمختلف التيّارات وعلى رأسها التيّار الديني، وإفساد ممنهج على المستوى الحكومي والشعبي ، وانتشار المحسوبيّة بمستوى قياسي ، وقبضة أمنيّة منقطعة النظير .
كلّ هذا وغيره هي أسباب كافية بأن تجعل أيّ شعب في العالم يعيش حالة من التشتّت والضياع ، ناهيك عن أنه شعب حديث العهد بالحياة الوطنيّة التي تكوّنت بعد سلخ تلك القطعة الجغرافيّة عن جسم الدولة العثمانيّة وتسميتها بسورية ، حالها كحال الكثير من دول العالم العربي والإسلامي التي كانت تعيش في كنف الدولة العثمانيّة .
فما عاناه السوريون من أنظمة الحكم المتعاقبة من بعد الإستقلال بكفّة ، وحكم المجرم حافظ الأسد بكفّة ، وهذا شكّل صورة نمطيّة طُبعت في ذاكرة المعاصرين لحكمه ، فالقمع والإجرام الذي عايشوه في ثمانينات القرن العشرين كبّلَ عقل الكثير منهم زمن الثورة ، خشية استنساخ تجربة الثمانينات المريرة .
” فالثورة السوريّة ” بمطالبها المُحقّة ، واجهها إجرام معهود من أحقر نظام في العالم في هذا القرن ، بل ربما عبر التاريخ .
ثار قسم كبير من الشعب ، وشهدنا المسيرات المعارضة بمئات الآلاف ، وكاد ينفرط عقد النظام ، و ربما فكّر أركانه بترك البلد ، لكن التطمينات الدوليّة له ، و الدعم السرّي من بعض الدول والعلني أحياناً ، و ربّما من يتحكم بخيوط النظام العالمي فرض على الجميع أن يسعوا إلى إطالة عمر النظام على الأقل ، إن لم يتمكن من قمع الثورة والبقاء في الحكم .
هنا طبعاً تحوّلت الثورة إلى مرحلة حَملِ السلاح ، التي كان لابدّ منها بعدما أوغل النظام بالدم السوري بالقتل والإجرام بأنواعه ، وصار حُصول الثورة على الدعم العسكري والتبنّي السياسي الدولي حاجة مُلِحّة لضمان الإستمرارية ، فتحوّلت الثورة السلمية إلى ثورة مسلّحة ، وطبعًا السلاح تملكه الدول ، و لا تعطيه لأيٍّ كان ، وإن أعطته سيكون بشروط تريد فيها ضمان مصالحها لا مصلحة الثورة ، فتحّقق لمن أراد بالثورة السوء استدراجنا للوقوع بالفخ الذي ربّما أُعِدّ لنا بإتقان ! فالشعب بواقعه وظروفه لم يملك القدرة على إنتاج قيادة داخليّة يُجمع عليها الثائرون ، خاصة بعد تراجع كثير من المثقّفين والنخب عن الإستمرار في خيار الثورة ، وذلك لعدّة أسباب أبرزها أنّ بعضهم كان يتوقع السيناريو المصري أو التونسي أو حتّى الليبي بأسوء الظروف ، ولكن بعد خيبات الأمل المتكرّرة تراجع الكثير منهم بل وعاد مُهروِلاً لحضن النظام وربّما ساهم بقمع من كان منهم ، و يتظاهرون الكتف بالكتف ، وهنا تسابقت استخبارات الدول لإرسال عُملاءها المُدرّبين وتجنيد عملاء جُدد في كافة المستويات ، وزاد هذا التدخل من تشتّت المجتمع الثوري فأصبح التشتّت والفرقة ممنهج ، وانحشر الشرفاء في زوايا ضيّقة ، ففي ظل الدعم المشروط أصبحنا نرى شريفاً مُهمّش بلا دعم ، أو شريفاً مدعوم يُراد به أن يُحَيّد بالتشويه ، أو بالإنسحاب بفقدانه الأمل ، أو حتّى التحييد قتلا إن شكّل وجوده خطراً بأن يتحوّل لرمزٍ شعبي يلتفّ حوله الشرفاء .
وهنا تاه الثوّار وجمهور الثورة – إن صحّ التعبير – بين واجهات سياسيّة متصدّرة لتمثيل الثورة ومُفرّغة من محتواها بخبثٍ دولي ظاهر لكلِ متابع ، فلا اعتراف عربي أو دولي يُسقط شرعيّة النظام كما فُعل في ليبيا الثورة ضدّ القذافي ، ولا دعم عسكري يُمكّن الثورة من انتزاع الأرض والسلطة من النظام كما دُعم حفتر ، مع الفارق الكبير بين شرعية الثورة السورية وفقدان جميع مقوّمات الشرعيّة لحفتر .
إذاً أخطأ من حَمّل ويُحمّل من يمثّل الثورة سياسيًّا كل الأخطاء ويُسقط عليهم أسباب تقهقر الثورة ، ويصيب أيضاً من يُشخّص عدّة حالات غير صحيّة بل ومَرَضِية في الجسم السياسي المشوّه للثورة ، وهذا نتيجة الإختراق الدولي بفرضِ أشخاصٍ تابعين لهم ، بهدف الهدم أو ضمان مصالحهم والحصول على موطئ قدمٍ في المشهد السوري .
ومُخطأ أيضًا بالمقابل من يُحمِّل الجسم الثوري في الداخل عسكريًّا و إداريًّا و إغاثيُّا كل الأخطاء والنتائج السلبيّة التي وصلنا إليها ، فالواقع المَرَضي للمجتمع السوري الذي انعكس على واقع الثورة من تشتّتٍ وضياع وفرقة وانعدام ثقة وقلة تجربة أو حتّى انعدامها ، سَهّل الثقة بالغُرباء الذين ساهموا في زيادة الشرخ المجتمعي والتحزّب المشوّه ، وسَرّع السقوط بمستنقع أفكار غريبة على المجتمع السوري ، زادت الطين بلّة ، وهنا عاشت الثورة بين سندان التشتّت الداخلي ومطرقة التدخّل الخارجي المشروط والسلبي بكلِّ المقاييس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى