حقوق وحريات

إضاءات سياسية (8)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

« ستربتيز » عربي

01/03/2007

معلوم أن الكيان الصهيوني في فلسطين قد أنشئ بقرارات الأمم المتحدة عام 1948 تحت اسم “إسرائيل” وخلافاً للقانون الدولي ونظام الأمم المتحدة نفسه ، كما بينته سابقاً في العديد من المقالات والمقابلات الصحفية ، وأحب دائماً أن أكرره ليرسخ في الأذهان .

شكل اليهود جماعات ضغط في كل مكان من العالم وُجدوا فيه وكان لهذه الجماعات تواصل مع كافة يهود العالم بصيغ غير معلنة ، ولعلها تندرج تحت شعار “الماسونية” أو “الروترية” أو غيرها ، وقد تواصل هؤلاء مع قادة عرب وغير عرب لحماية الرعايا اليهود حيثما كانوا ، وبالتالي فلم يكن للكيان الصهيوني أن يقوم لولا تخاذل الأنظمة العربية منذ ما قبل إنشائه بداعي التعاطف مع اليهود والخضوع لابتزازهم ، وأسوق مثالاً على ذلك القصة التالية :

في عيد الفصح اليهودي يحتاج اليهود إلى دم بشري لوضعه في فطيرهم ، وفي سبيل ذلك مارسوا قتلاً للعديد من الناس كباراً وصغاراً ، بجمع دمائهم وعجنها مع الفطير . وقد جمع أرنولد ليز في كتاب نشره عام 1938 ، عدد الذين قتلهم اليهود من أجل أخذ دمائهم بمناسبة عيد فصحهم ، حيث بلغوا نحواً من خمسين شخصاً بين رجل وامرأة وطفل ، وكمثال على ذلك أسوق حادثتين الأولى عام 1890 في دمشق حيث (خطف الطفل المسيحي هنري عبد النور 6 سنوات) في السابع من نيسان/أبريل ، ثم عثرت عليه السلطات في بئر في حارة اليهود ، وعند الفحص تبين أن دمه استنـزف من جرح في المعصم (يقطع الشريان) ، وفي عام 1840 ذُبح الأب توما وخادمه إبراهيم عمار ، ذلك أن الأب فرانسوا أنطوان توما قسيس إيطالي ولد في جزيرة سردينيا عام 1780 وبعد أن دخل رهبنة الكبوشيه انتقل إلى دمشق للخدمة في أديرتها ، وعمل بإخلاص طوال 33 عاماً خادماً لجميع الطوائف ، وعرف بنبله وأخلاقه الكريمة ، وبتاريخ 05/02/1840 طُلب الأب توما لحارة اليهود بقصد تطعيم ولد بالجدري ، واختفى الأب توما ولم يخرج من حارة اليهود ، ودون الدخول في التفاصيل ، فقد انتظر اليهود خادم القسيس المدعو إبراهيم عمار للبحث عنه ، فأدخلوه إلى منـزل يهودي وذبحوه وأخذوا دمه كما فعلوا مع القسيس وأرسلوا الدم إلى الحاخام باشا يعقوب العنتابي ، وأما الكيفية التي قتلا فيها فلا حاجة لذكرها هنا .

قدم المتهمان إلى المحاكمة ، كما قدمت اعترافات كاملة مذهلة ، وعثرت السلطات على أجزاء من جثتي القسيس وخادمه ، إلا أن المليونير اليهودي مونتفيوري واليهودي كراميوا سافرا إلى مصر ، وقيل أنهما قدما رشوة إلى محمد علي باشا فعفا عن الجناة ، وفيما يلي نص العفو :

“إنه من التقرير المرفوع إلينا من الخواجات لويز مونتفيوري وكراميو اللذين أتيا لطرفنا مرسلين من قبل عموم الأوروبيين التابعين لشريعة موسى ، اتضح لنا أنهم يرغبون الحرية والأمان الذين صار سجنهم من اليهود وللذين ولّوا الأدبار هرباً من حادثة الأب توما الراهب الذي اختفى في دمشق الشام في شهر ذي الحجة من 1255 للهجرة مع خادمه إبراهيم ، وبما أنه بالنظر لعدد هذا الشعب الوفير ، لا يوافق رفض طلبهما فنحن نأمر بالإفراج عن المسجونين ، وبالأمان للهاربين من القصاص عند رجوعهم ، وبترك أصحاب الصنائع في أشغالهم ، والتجار في تجارتهم  ، بحيث أن كل إنسان يستقل في حرفته الاعتيادية ، وعليكم أن تتخذوا كل الطرق المؤدية لعدم تعدي أحد عليهم أينما كانوا ، وليتركوا وشأنهم من كل الوجوه وهذه إرادتنا” .

وحين تسلم الوالي شريف باشا الفرمان أخلى سبيل المجرمين .

لم يكن في المرحلة التي ذكرتها آنفاً أمم متحدة ولا وعد بلفور ولا قوى عظمى تدعم العصابات المؤسسة لدولة إسرائيل ، ومع ذلك بدأ النظام العربي يخضع للابتزاز إرضاء لليهود .

إحدى الصحف المصرية كتبت هذه القصة فقامت قيامة إسرائيل ، ونعتت الصحيفة بأبشع التهم ، كما تحرك غرب وعرب لإسكات صوت الصحيفة ، كل ذلك إرضاء لهذه الجميلة “إسرائيل” .

في مرحلة النهوض والوعي العربي :

كانت الشعارات التي طرحت في المرحلة التي تم فيها خلق الكيان الصهيوني في فلسطين  تؤكد نوايا التحرير ولا تترك مجالاً للشك في هذه النوايا ، فمن ذلك شعار “فلسطين عربية وستبقى عربية ولو أطبقت عليها شعوب الأرض” ، هذا ما نشأنا عليه في البداية ، ثم لم نلبث أن -لمسنا مع انحسار الأنظمة المدنية الديمقراطية وسيطرة الأنظمة الشمولية-  تراجعاً عن هذه الثوابت .

في عامي 1947 و1948 وقعت مصادمات مع الصهاينة في فلسطين ، إلا أن الدول العربية قبلت الهدنة ، وكان هذا بداية التراجع ثم تخاذلت الأمة وجيوشها عن نصرة القضية الفلسطينية ومتابعة نضالها ، وبدأ منذ ذلك التاريخ تقديم التنازلات تلو التنازلات إرضاء للخارج ونزولاً عند إملاءاته ، وهزمت الدول العربية في ذلك العام .

في هذه المرحلة بقيت الشعارات عموماً كما في السابق ، برغم أن بعض الحكام رأوا أن نسلم بالتقسيم ونصالح المحتل حماية للشعوب كما كانوا يقولون ، وإيماناً بالواقع  وتفاعلاً معه!! . 

يشرح الكاتب الأمريكي اليهودي “بنجامين فريدمان” في مقالته التي نشرها في صحيفة(common sense) الأمريكية بتاريخ 15/04/1964 التاريخ الأسود للإدارة الأمريكية في نشوء دولة العدوان (الرئيس ترومان) ومروراً بالرؤساء “كندي” الذي قال : “لقد ذكرت في حفل عام ، قبل أسابيع ثلاثة ، إن إسرائيل قد وجدت لتبقى ، وهذا الالتزام لا يقبل النقاش والنقض ..” كما يشرح الكاتب الخلفيات التي أدت لوعد بلفور والمؤامرات التي دارت في كواليس السياسة لإدخال الولايات المتحدة في الحربين العالميتين ، فبينما يشرح هذا الكاتب اليهودي ما قدمه في مقاله من تآمر لخلق الكيان الصهيوني ، نجد أنظمة عربية وحكاماً يقدمون التنازلات تلو التنازلات إرضاء للغرب وتفريطاً بالثوابت .

فبعد هزيمة الخامس من حزيران/يونيو 1967 انعقد في الخرطوم مؤتمراً للقمة ، وأصدر القادة قرارهم الشهير المتضمن لاءاتهم الثلاثة وطرح شعار “إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” ثم لم تلبث الشعارات أن تراجعت ، واتخذ من إزالة آثار العدوان شعار المرحلة ، ثم وقعت معارك 1973 وبرغم من تحقق بعض المكاسب إلا أن النتيجة لم تكن هي المرجوة .

توجه الرئيس السادات إلى القدس ليركع أمام غولدا مائير ، وتمت المؤامرة التي استهدفت إخراج مصر من ساحة الصراع مع العدو بغرض إضعاف جبهة المقاومة .

اتخذ القادة العرب في مؤتمر الرباط في السبعينات قرارهم الشهير “من أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” ، وأدار الحكام ظهورهم للقضية (المركزية) وهي قضية فلسطين ، واستمروا بنـزع ثيابهم إرضاء للأسياد ، ثم ضُرب الفلسطينيون في لبنان (تل الزعتر) ثم رحّلوا “في التيه الثاني” إلى تونس ، ثم عقد مؤتمر مدريد فكان أن استسلم المؤتمرون أمام الضغوط الغربية والصهيونية إذ أعلنوا انتهاء الحروب ، وأضحى السلام من جانب واحد هو الخيار الاستراتيجي ، بينما لم  يكلف الكيان الدخيل بأي تنازل ، ثم توجه وفد منظمة التحرير المفاوض إلى أوسلو بسرية كاملة حيث دخل مكان المفاوضات من (مطبخ) الفندق ، وتم التوقيع هناك على اتفاقية أوسلو ، وأضحت المنظمة أسيرة هذه الاتفاقية التي  فرضت عليها الذلة والمهانة في حين لم تحترم “إسرائيل” أي حرف منها ، واستمرت بقضم الأراضي وبناء المستوطنات ونهب الخيرات في الوقت الذي استمرت “لعبة الستربتيز” العربية ، ثم أبرمت معاهدة وادي عربة ، والجميع يتعرون طلباً للشمس على الأجساد حتى يتمتعوا بألوان البرونز الجميلة علهم يجدوا من يرغب بهم .

وتسابق العرب دولاً وحكومات ومؤتمرات ليقدموا مشاريع التسوية والاستسلام ، وكان آخرها مشروع التسوية الذي صدر عن مؤتمر القمة في بيروت وأجابته إسرائيل بصفعة قوية فور صدوره .

تتابع تدمير الأراضي والبنى التحتية ومحاصرة المسجد الأقصى وممارسة الحفريات حوله وتحته بهدف إضعاف أساساته والتسبب بانهياره ، كما حوصر سكان مدينة الخليل وانفلت المستوطنون على السكان لترهيبهم وإجبارهم على الرحيل ، بينما قابلها على الجانب الآخر ، لما يسمى “دول الطوق” بصمت أهل القبور على عدوان إسرائيل ، حتى أن أياً من  الدول التي ارتبطت بمعاهدات استسلام مع الكيان الصهيوني لم تدفعها حميتها وشهامتها العربيتين ، أو اتفاقات الدفاع المشترك لتتخذ إجراءً صغيراً يتمثل في استدعاء السفراء أو قطع العلاقات مع الكيان الغاصب المحتل .

ونتلقى الصفعة تلو الصفعة ، وتُخترق أجواؤنا من كل حدب وصوب بطائرات العدو ، وتُحتل بلداننا ويجري تدمير البنى التحتية والمجتمعية ، ثم يقتحم (الغول) الأمريكي ليفرض علينا تغيير مناهجنا التربوية ، ويلغى التعليم الشرعي ، وحذف ما ورد من آيات عن اليهود في تلاوات القرآن الكريم ، وننحني الانحناء تلو الانحناء حتى يسهل على الأحباب الركوب لأننا أضحينا شبه عراة ، فالمال يكدس في الغرب سرقه ونهباً من مسؤوليين كبار ، وآخرين صغار يلوذون بهم ، لدعم خزائن الإمبرياليين ، في الوقت الذي تنـزلق فيه الشعوب نحو الفقر مما يسهل قيادهم ، ويُترك الناس يلهثون وراء اللقمة التي لا يجدونها إلا بشق الأنفس ، قال الشاعر ميخائيل نعيمة :

أخي ! مَنْ نحنُ ؟ لا وَطَنٌ ! ولا أَهْلٌ ولا جَارُ
إذا نِمْنَا .. إذا قُمْنَا ، رِدَانَا الخِزْيُ والعَارُ
لقد خَمَّتْ بنا الأرضُ ، كما خَمَّتْ بِمَوْتَانَا
فهاتِ الرّفْشَ وأتبعني لنحفر خندقاً آخَر
نُوَارِي فيه أَحَيَانَا

وأخيراً هذه رايس تجر رؤساء الأجهزة الأمنية لتجتمع بهم سعياً لفرض رأي الإدارة الأمريكية في حل الصراع مع دولة العدوان ولصالح هذه الدولة ، والغريب هنا كيف تجري الأمور هكذا ، وكيف يسمح لوزيرة خارجية دولة أجنبية أن تلم رؤساء أجهزة أمنية عربية لتجتمع بهم ولا تجتمع مع نظرائها كما هو المفروض ؟! إن الأمة برمتها عربية وإسلامية مطالبة أن تقف وقفة واحدة ، ليس فقط بوجه الغرب وربيبته إسرائيل ولكن بوجه المستسلمين والمطبعين والمارقين من الحكام وغيرهم الذين لا همَّ لهم سوى البقاء على كراسي الحكم وتوريث أبناءهم ونهب مال أمتهم ، إن علينا أن نمتلك القوة ونواجه التحدي ، ولكن كيف ؟ .

يا أهلي .. ويا قومي!

يا قادتنا وزعماؤنا!

يا ملوكنا ورؤساءنا!

عودوا إلى أصولكم الحضارية ..

ارجعوا إلى تراثكم الروحي ..

دوسوا خلافاتكم الصغيرة ..

انسوا معارككم الجانبية ..

أجمعوا صفوفكم الممزقة ..

ارتفعوا إلى مستوى مسؤولياتكم ..

أنقذوا القضية المقدسة ، من المتاجرات والمناورات والمساومات الدولية ، واربؤوا بأنفسكم أن تكونوا سلعة في مناقصات دولية .. اجعلوها قضية عربية إسلامية ، راجعوا كل ما تم حتى الآن لتهتدوا بهدي الأخطاء السابقة فتجتنبوها وتنهضوا نهضة رجل واحد!!

فهل من أذن صاغية ؟ اللهم اشهد

دمشق01/03/2007م                             

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى