تحقيقات

رسائل باردة بين دمشق وموسكو

أحمد الحسين | رسالة بوست

كتب النائب في مجلس الشعب التابع لنظام أسد خالد العبود، مقالًا حمل عنوان “ماذا لو غضب الأسد من بوتين” نشره عبر صفحته الشخصية في (فيسبوك) المقال أحدث ضجة في الأوساط المؤيدة للنظام السوري، سواء لجهة نقد ما أورده العبود أو تأييده.

وبدا العبود، في منشوره، كمن يريد تحجيم الدور الروسي في سوريا، مقابل تعظيم المزايا التي أعطتها الأخيرة لموسكو جراء هذا التدخل، بعد أن أصبحت المسألة في رسم شخصيتي بوتين وبشار الأسد ، والتمايز بينهما، وأسهب في عرض تفوّق الأخير على الأول، بل ذهب أبعد من ذلك، عندما هدد الوجود الروسي بالحرق والتفخيخ والحرب السرية والعمليات الانتقامية، بالإضافة إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة لاعتبار الوجود الروسي في سوريا احتلالاً، إن أراد النظام.
ويبدو أن منشور العبود قد دفع النظام إلى تحريك أدواته الإعلامية من الأقلام المأجورة والمحسوبة عليه، للرد على المبالغات التي أتى بها العبود، في محاولة منه اي نظام أسد منع تفاقم الهجوم على روسيا في أوساط المؤيدين ، ولا سيما بعد الحملة الإعلامية الروسية الأخيرة التي طالت رأس النظام ودائرته الضيقة، ولعل في ذلك محاولة لكسب مزيد من الود الذي انخفضت حرارته خلال الفترة الماضية.

فكتب وضاح عبد ربه، رئيس تحرير صحيفة “الوطن” الموالية، تحت عنوان “غباء سياسي” قائلاً “منذ أيام، ونحن نتابع مسلسل المقالات والتحليلات والفرضيات التي تتحدث عن خلافات سورية روسية، وعن تبدلات في المواقف والتحالفات، ونشاهد ونسمع المحللين السياسيين والاستراتيجيين، الكل يدلي بدلوه، وكأن أيًا منهم يمتلك المعلومة (المؤكدة) التي تثبت وجهة نظره، فيصبح مثل المنجّم الذي يعتقد أنه قادر على التنبؤ ومعرفة المستقبل”.
مضيفًا، وفي الحديث عن العلاقات السورية الروسية التي باتت حديث الساعة، فمن الغباء السياسي (التنبؤ) بوجود أي خلاف بين موسكو ودمشق. فالعلاقة التي تربط بين البلدين وبين الزعيمين الأسد وبوتين، ليست علاقة وليدة الحرب، أو علاقة يمكن أن تشهد تباينات في المواقف وخلافات كما يحلو للبعض تسميتها، هي علاقة استراتيجية، عمرها عقود من الزمن، مبنية على احترام القانون الدولي والسيادة الوطنية للدول ومكافحة الإرهاب”.
وتطرّق عبد ربه للأخبار المتداولة عن خلافات بين روسيا والنظام بالقول “الآن ولأسباب سياسية مفضوحة، تنشط عدة دول وأحزاب وشخصيات، لها مصالح مكشوفة مع أعداء سورية وروسيا، على نشر (أحاديث) عن خلاف روسي سوري، وعن تبدّل في الموقف الروسي، إضافة إلى روايات تظهر هنا وهناك عن تدخل روسي في شؤون سورية الداخلية والاقتصادية.. ومنذ سنوات، عندما استخدمت روسيا والصين أول فيتو مزدوج لمصلحة سيادة واستقلال سورية، خرجت (جوقة) آنذاك، تشبه تلك التي تتحفنا هذه الأيام بتحليلاتها، لـ(تبشرنا) أن موقف روسيا هذا لن يستمر، وعلى دمشق ألا تعول على مواقف موسكو وبكين في مجلس الأمن لكونها (عابرة).. وتلا الفيتو الروسي الأول 11 فيتو آخر، وعلى الرغم من ذلك، لم يقرأ هؤلاء حقيقة العلاقة التي تربط البلدين، ليس لأنهم لا يجيدون القراءة، بل لأن دورهم يقتصر على نشر مثل هذه المقالات وتسويقها على أنها من (مصادر مؤكدة)”.

واعتبر عبد ربه كل ما يتداول من أنباء عبارة عن أمنيات، مشيراً في مقالته إلى أنه “بكل تأكيد ليس كل ما يعرف ينشر، وللدول حساباتها ومصالحها، وربما يبتسم الرئيسان الأسد وبوتين حين تصلهما التقارير الصحافية عما ينشر عن خلافات روسية سورية، لكن المعروف والمعلن، أن لا أساس لكل هذه المقالات والتحليلات، وأن من يقف خلفها دول ومعارضات تريد الاستثمار في هذه الأخبار قبل الاستحقاقات الانتخابية السورية المرتقبة، والتشكيك بعمق العلاقة التي تربط سورية بروسيا وبين الرئيسين على الصعيدين الاستراتيجي والشخصي”.
وكان عضو مجلس الشعب نبيل صالح، والمعروف بقربه من النظام، قد كتب منتقداً زميله في مجلس الشعب خالد العبود على ما أورده في منشوره، قائلاً “الزميل خالد العبود أمين سر مجلس الشعب السوري، ليس من الحكمة أن تهدد حليفنا الرئيس فلاديمير بوتين وجيشه ولو بطريقة المداورة.. كما أنك لست ناطقاً باسم الرئيس بشار الأسد أو باسم الجيش العربي السوري.. مقالك هذا أشبه بمحاولة تربيع الدائرة.. وهو سيئ في التقييم السياسي، بل هو مجرد هراء غير سياسي يبلبل رأي عموم مواطنينا المؤيدين ويقسمهم.. قد تكون حرًا برأيك الشخصي ولكن كونك تحمل صفة رسمية في مجلس الشعب الذي أنتمي إليه أطلب منك سحب هذا المقال أو اعتباره مجرد نكتة.

فيما طلب الصحافي معن صالح، الذي شغل العديد من المناصب في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، التروي قليلاً بالحكم على العبود والتعاطي مع ما أورده، قائلاً “لو فكرنا بشيء من الهدوء، الكثيرون ممن انتقدوا خالد العبود انتقدوا الدور الروسي سابقًا، ووجهوا اتهاماتهم في أكثر من مكان، البعض انتقد الدور الروسي في المصالحات واعتبروها غير ناضجة، البعض الآخر انتقد الاتفاقية بشأن مرفأ طرطوس ومعمل السماد، والبعض انتقد الدور الروسي في الاتفاق مع الأتراك حول شمال وشرق الفرات، والبعض انتقد الروس مؤخراً في إيقاف عملية إدلب والاتفاق مجددًا مع أردوغان، والبعض انتقد الروس على التصريحات والحملات الإعلامية ضد الرئيس الأسد، والبعض لم يصدق الرواية الروسية في اختراق الموقع الذي صدرت عنه بعض المقالات”.
وتابع “إذاً من حيث التحليل والجوهر لم يقدم خالد العبود شيئاً لم يقله الكثير من السوريين بأكثر من طريقة وبأكثر من موقف ومن محطة. وإذا عدنا جميعاً إلى ما سبق وكتبناه سنجد أننا شاركنا بشيء على الأقل من تلك الاعتراضات أو التشكيكات في بعض المفاصل، وأكاد أجزم أننا جميعاً، لدينا قناعة بأن الروس لديهم مصالحهم التي قد لا تتطابق بشكل كامل مع مصالحنا كسوريين. وخاصة ما يتعلق في المسافة من إسرائيل والضربات الإسرائيلية وصمت الروس حيالها”.
وختم بالقول “إن كان الروس صادقين ولا علاقة لهم بما صدر من صحافتهم أو بعض شخصياتهم، فلا أظن أن مقالة خالد العبود (على عيبها) قادرة أن تدق إسفينًا في العلاقات السورية الروسية، وخالد العبود، عندما يكتب على صفحته الشخصية، هو يعبر عن رأيه الشخصي رغم حساسية موقعه كأمين سرّ في مجلس الشعب، الذي كان يتطلب منه التعامل مع الموضوع بحساسية أكبر، ولن أقول بمسؤولية على الروس أن يعرفوا ردود أفعال السوريين وفهمهم للعلاقة المشتركة وطبيعتها، وأن السوريين لديهم انتقاداتهم وهذا أبسط حقوقهم، وكما تقبّل الروس شكر السوريين لهم بطيب خاطر؛ عليهم أن يسمعوا مخاوفهم، وفي الوقت نفسه أن يسمعوا حرص السوريين على العلاقة القائمة على الاحترام المتبادل”.

ويمكن تصنيف ما كُتِب أعلاه تحت خانة التكتيكات المعروفة عن النظام السوري طيلة عقود، سواء خلال علاقته مع حلفائه أو خصومه الذين لا قدرة له عليهم، حيث يدفع باتجاه توجيه الرسائل لهم بطرق غير مباشرة، ومن ثم إعادة سحبها أو نقدها من قبله.
ويبدو أن منشور العبود يأتي في هذا الإطار، فلا يمكن لعضو مجلس الشعب، مهما بلغت درجة نفوذه وقربه من النظام، أن يصعّد باتجاه روسيا بهذه الطريقة لولا وجود ضوء أخضر من أجهزة الأمن، وربما بطلب مباشر منها، ولعل النظام يريد من هذه الرسالة لفت الأنظار لما قدمه النظام للروسي بطرق غير رسمية، ومن ثم محاولة تدارك الموقف إعلامياً.
وكانت صحف ودوائر، مقرّبة من مراكز صنع القرار الروسي، قد حاولت الضغط على النظام السوري إعلاميًا، والتقليل من شعبية رئيس النظام السوري
بالنهاية الجميع يعلم ، (في سوريا لا توجد صحافة مستقلة، ولا يمكن نشر هذا المقال دون موافقة مخابراتية ) الرد يؤكد أن ما نشرته الصحافة الروسية ليس إعلامًا مستقلّا، كما روج البعض، بل هي رسائل روسية عميقة أقلقت نظام أسد، وهددت بالإطاحة برأس بشار الأسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى