مقالات

تهافت الزواج المدني!

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

سألني أحدهم: لماذا أنتم ضد الزواج المدني؟

والجواب:

نحن ضد الزواج المدني المخالف للشرع والطبيعية البشرية ولكننا مع دينية ومدنية الزواج الذي هو عماد الأسرة للاعتبارات الآتية:

1 – نحن عرب مسلمون ، نؤمن بالإسلام ، ونعتز بالهوية والثقافة العربية الإسلامية ،ونتمسك بخصوصيتها وتمايزها الثقافي والحضاري ، مع الانفتاح الراشد والتثاقف الايجابي -على ومع الآخر-  المختلف،  الذي نحترم خصوصيته.

 فعلى الرغم من أن العالم قد أصبح قرية كونية صغيرة إلا أن العالم العربي والإسلامي ومنه سورية تختلف اختلافًا ثقافيًا وحضاريًا عن الغرب ؛ من منطلق الخصوصية الثقافية أو التمايز الحضاري،  ولعل نظرة فاحصة إلى الأمم والدول سيبدو لنا تميز الشخصية الوطنية أو القومية ، والمواريث الثقافية الحضارية وطرائق العيش ، وهذا يجعل من حقنا الشرعي والمشروع أن يكون المنهج الحياتي المطبق في بلادنا متكيفًا ومنسجمًا مع عقائدنا وثقافتنا السائدة ، وبخاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية.

ولذلك نحن مع الزواج الديني المدني المتعارف عليه في ثقافتنا؛ الذي له أركانه وشروطه المعروفة ، والقائمة على الايجاب والقبول، وتعيين الزوجين، ويعقده الولي أو الوكيل، ووجود الشاهدين، ويستوجب الإشهار، ويسجل ويوثق العقد كواقعة زواج في المحكمة الشرعية التابعة للدولة التي استحدثت لاحقًا، ومن هنا أخذ اسم الزواج الشرعي نسبة للمحاكم المستحدثة .

كما أننا مع زواج المسلم من كتابية – يهودية أو نصرانية-  من منطلق أن الإسلام يجيز ذلك ، وقد فعل ذلك رسولنا العظيم ، ومن أركان الايمان في الإسلام الايمان بااله وملائكته وكتبه ورسله ، ولكننا في الوقت نفسه ضد زواج المسلمة من يهودي أو نصراني لأن ذلك محرّم في ديننا ، فضلاً عن أنهما لا يعترفان بالدين الإسلامي.

إن الزواج الإسلامي هو ديني ومدني في طبعه ، على عكس الزواج في الغرب حيث يكون فيها الزواج المدني إجباريًا، والزواج الديني لا قيمة له ،أو يكون ثانويًا بعد الزواج المدني.

من ميزة الحضارة العربية الإسلامية أنها لا تتدخل في شؤون رعاياها من غير المسلمين في الأحوال الشخصية “زواج ، طلاق ، إرث” على عكس الغرب الذي يدعي العلمانية، ولكنه يتدخل في شؤون البلاد المسلمة بذريعة حقوق الإنسان ومنها “حق المرأة” بل عمد لإنشاء أو الإيحاء بقوانين تتدخل أو تقيد الأحوال الشخصية والتخلص من أي أثر ديني – وهي التي تُعرف باللائكية  -، كما هو الحال في لبنان وتونس، وهذا يكون ضد الخصوصية الثقافية للمجتمعين.

2 – باعتبارنا متمدنين ،ونعمل من أجل نهضة مجتمعنا ، وتقدمه ورقيه ، فمن الواجب الأول علينا، أن نحترم العقائد ورموزها ، والقيم الايجابية السائدة في مجتمعنا وبخاصة منها حالة الزواج الشرعي المعمول بها في بلادنا ؛ ولا ننزع القداسة عن المقدس كما حصل في أثناء حركة التنوير في أوربا ، التي لها ظروفها وأوضاعها وتفاعلاتها التي نعرفها ونفهمها ، وتختلف عنا بذريعة دخول العصر والوصول إلى الدولة المدنية .

 فالمدخل إليها – أي الدولة المدنية- لا يتم من خلال الزواج المدني، لأن الواقع يؤكد من خلال التجارب أن الزواج المدني ليس مدخلًا ضروريًا للوصول إلى الدولة المدنية ، وعلى سبيل المثال دولة يوغسلافيا الشيوعية كان فيها الزواج المدني معمولًاً به ،ولكنه لم يمنع من حصول انقسام مجتمعي وسياسي تحول إلى حرب قومية ودينية ، تم فيها ممارسة الإبادة الجماعية داخل المجتمع الذي كان واحدًا !

من الجدير بالإشارة هنا ؛ أن الزواج المختلط في الدائرة الدينية ذاتها عندما تحصل نزاعات بين المذاهب ، لا يشكل مانعًا يحول دون اندلاعها، كما أن الزواج المدني لا يعالج ويحل المشكلات التي تواجه مجتمعنا، وليس بالضرورة أن يسهم في عملية الاندماج الوطني القائمة آلياته على سيادة احترام تطبيق مبدأ المواطنة، وحماية وصيانة التعدد الثقافي والديني الوطني، وذلك من خلال استراتيجيات وآليات تؤدي إلى دمج كل المكونات الوطنية في إطار مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة ،على مبدأ لك كامل الحقوق وعليك كامل الواجبات.

3 – إن أخطر ما في الزواج المدني هو الترويج للمثلية الجنسية وللشذوذ الجنسي ،من خلال  السماح بالزواج  المثللي، كما هي الحال في الكثير من دول الغرب ،وهذا يتعارض مع الطبيعة البشرية،  ولذلك تحرمه اليهودية والنصرانية والإسلام.

إن الأمم تتمايز لكل منها شخصيتها الحضارية والثقافية ،ولاسيما في معايير الحلال والحرام، والمسموح والممنوع،  ولذلك ليس من العقل والحكمة أن نخضع لثقافة الغرب وفلسفته وتقاليده ؛ ويصبح لدينا الحلال ما أحله الغرب ، والحرام ما حرمه، ونتجاهل ونتجاوز أن لنا عقيدتنا وثقافتنا وتقاليدنا !

4 – إن التسويق للزواج المدني  محاولة أيديولوجية بامتياز، لتهميش وإقصاء الدين الإسلامي الذي لدينا نحن العرب هو العقيدة والثقافة والقيم والهوية ومصدر القوة، فضلاً عن إن الزواج المدني بصيغته الغربية الوافدة تحت مسمى المدنية ، وسيلة لإفساد وتدمير مجتمعنا ، وبخاصة الأسرة بوصفها النواة الطبيعية للمجتمع ، وهذا ما تريده وتعمل عليه الكثير من الدوائر الغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى