مقالات

بين مواطن الدول الديمقراطية ومواطن الدول المستبدة

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

يرى سبينوزا (في مفهوم الدولة) أن غاية الدولة تتمثل في ضمان الحماية للأفراد، وليس في ممارسة السلطة، بل إن على الدولة أن تضمن الشروط الموضوعية التي تمكنهم من استخدام عقولهم والعمل على تنميتها.

ومن ثم يؤكد الفيلسوف أن الحرية هي الغاية الأساسية من وجود الدولة.

والواقع أن الدول الديمقراطية تمارس هذه النظرية عملياً فهي تسعى لحماية أفرادها والعمل على راحتهم ورفاهيتهم حتى ولو غادروا بلادهم فهي ترصدهم وتتبناهم، وتمنحهم الحرية وتحقق لهم ما يؤدي إلى سعادتهم، ولذلك نجد المواطن الغربي الذي يعيش في الدول الديمقراطية يحب وطنه حباً جماً ويعمل على خدمته وتقدمه لأنه يشعر أن الوطن ملكه وليس للفريق الحاكم فقط.

أما المواطن في الدول المتخلفة والمستبدة فيشعر أنه مسلوب الحرية في وطنه، والدولة تعمل على سلبه حقوقه واضطهاده واعتقاله وذله ومطاردته من قبل الأجهزة الأمنية إذا لم يعلن ولاءه المطلق للنظام، وإذا ما قرر الفرار خارج بلاده ونجا فإن ذراع المخابرات الطويلة لا ترحمه هناك وتضعه تحت عيونها الآثمة وتستدرجه إلى سفارتها أو قنصليتها إذا ما شعرت بمعارضته لأي مسألة في الدولة ومن ثم تختطفه أو تقتله، وإذا ما صدر انتقاد ضدها من الرأي العام العالمي أو من منظمات حقوق الإنسان …فإنها ترفع عقيرتها قائلة: إنه مواطني، أي تنظر إليه كأنه سلعة أو دمية بيدها يحق لها أن تصنع به ما تشاء فتجرده من إنسانيته.

لو وقفنا عند بعض الأمثلة وعرضناها لتجلت الصورة أكثر.

ثمة مواطن أمريكي يعيش في تركيا منذ قرابة عقدين من الزمن وهو قسّ،  وقد تعرض للاعتقال بتهم التجسس ومخالفة القوانين التركية، فما كان من الحكومة الأمريكية وعلى رأسها رئيس الدولة ترامب إلا أن تدخل بالأمر وهدد الدولة التركية من أجل مواطن واحد ونفذ تهديده وشنّ حرباً شرسة على الاقتصاد التركي وحاول تدميره من أجل مواطن يحمل الجنسية الأمريكية.

ولو ذهبنا إلى إيطاليا لوجدنا أن أحد مواطنيها واسمه روجيني توجه إلى مصر من أجل الدراسة لكنه فُقد هناك بعد فترة من الزمن ثم تبين أنه قد قُتل فما كان من إيطاليا إلا أن شنت هجوماً على مصر لا هوادة فيه وقطعت علاقاتها معها.

ولو تحولنا إلى بريطانية لوجدنا الأمر يتكرر ذاته لأن أنظمة هذه الدول وقوانينها متشابهة فهي تمتح من معين واحد وهمها الأول والأخير المواطن والإنسان.

فقد اندلعت أزمة بين روسية وبريطانية بسبب المواطن سيرغي سكريبال الذي هو في الأصل روسي لكنه أصبح فيما بعد مواطناً بريطانياً وحصل على الجنسية البريطانية وقد حاولت روسية المستبدة قتله عبر مافياتها فحقنته بغاز الأعصاب لكن قدره كان أن ينجو من هذه المكيدة بعد العلاج.

وثمة نماذج كثيرة تنبؤنا عن الشوط الكبير الذي قطعته الدول الديمقراطية المتحضرة في ميدان حقوق الإنسان.

ولو تحولنا إلى الضفة الأخرى لوجدنا أن الدول المتخلفة والمستبدة مازالت ترسف في أغلال القمع والقتل وكم الأفواه وانتهاك حقوق الإنسان.

فلو ذهبنا إلى كورية الشمالية لوجدنا صوراً وأساليب بشعة يندى لها جبين الإنسانية يمارسها الطاغية كيم، فهو يمزق جسد هذا بصاروخ ويقتل ذاك برميه للكلاب المسعورة الجائعة وهو على قيد الحياة و…وجرمه يكون غالباً هو مخالفة في الرأي ولو بكلمة أو نعاسه ونومه أثناء كلمة الزعيم..ولا يكتفي هذا النظام المريض الشاذ بملاحقة معارضيه على أرض البلاد وقتلهم  وإنما يطاردهم خارج الجغرافية الكورية كما فعل في ماليزية، حيث لاحق المواطن الكوري – وهو أخوه  (نائم) –  ليقتله ويتشفى منه على الأراضي الماليزية.

ولو انتقلنا إلى صورة أخرى لوجدناها في مصر، فالسيسي الانقلابي القمعي لا يكتفي بقتل وسجن معارضيه على الأراضي المصرية وإنما يلاحقهم في كل مكان ويحاول جلبهم أو قتلهم أو اختطافهم كما حاول ذلك مع الإعلامي أحمد منصور والدكتور محمد محسوب وفشل.

وفي سورية نجد النظام يتفوق على أقرانه ويبزهم في سفحه وسفكه للدماء فقد قتل قرابة مليون وشرّد الملايين واعتقل مئات الآلاف، ويلاحق معارضيه في الخارج أينما حلّوا وارتحلوا ليصفيهم.

وآخر نموذج ومشهد يمكن الاستشهاد به هو ما صنعه ذاك المراهق السياسي المسمى محمد بن سلمان الذي يحلو له أن يستحضر طغاة التاريخ ويحاكيهم ك هتلر وستالين ونيرون وغيرهم…فقد لاحق كل معارضيه في الداخل واعتقلهم ولم يترك أحداً ينبس ببنت شفة بل الذين صمتوا عاقبهم لأنهم لم يؤيدوا جرائمه ويباركوها.

وقد كانت فضيحته الكبرى هو ملاحقته لصحفي سعودي عالمي يكتب في واشنطن بوست.

فقد أرسل ثلة من شذاذ الآفاق الذين يحيطون به إلى القنصلية السعودية في تركيا وقاموا بعملية من أبشع الجرائم في التاريخ وهي استدراج ذلك الصحفي ثم شتمه وضربه وحقنه وقتله، ومن ثم تقطيع جسده إرباً إرباً على أنغام وموسيقى كما فعل نيرون وهو يحرق روما.

تلك هي حال الدول بين مكرّم لإنسانية الإنسان ومحلّق بها إلى عنان السماء، وبين منتهكٍ لحقوق الإنسان ومنحدرٍ بها إلى أسفل السافلين.    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى