مقالات

النَفس

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

فَطَرَ الله الخَلقَ على تَوحيدِهِ . وَكُلَما خَرجوا عَن جادَة الصواب بَعثَ لهُم نَبي أو رَسول يُعيد مَن يُؤمِن به إلى نُور اَلهِدايَة . وَرغمَ ذلك يَخرُجوا عَن طريق اَلحق مَرة أخرى وَكأن شَيئا لَم يَكُن . أهو إبليس ؟ أم ان لنا عدوا آخر لا نعرفه ؟

الشَيطان عندما عَصى الله مَن كانَ شَيطانهُ ؟
في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ ) ومِنَ الغَريب إننا نُؤمن بِالله وَنذكرهُ ونُصلي ونصوم ونتَصدق … وإلخ وَرغمَ ذلك ما زِلنا نقَع في المَعاصي فَما السَبَب ؟
اين هُو الخَطَر الحَقيقي ؟
انها النفس التي ذُكرت كَثيرا في القُرآن الكريم . فَقَد قال تَعالى في سُورة . ق ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) وقال ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) فهَل تَركنا العَدو الحَقيقي وَذهَبنا إلى عَدو ضَعيف ؟

عدونا إذن هو ( النفس ) القُنبلة المَوقوتَة المَوجودة في داخلنا . قال تَعال في سورة الإسراء ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) وفي سورة غافر ( الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) وفي سورة المُدَثر ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) وفي سورة النازعات ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ) وفي سورة التكوير ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ )
لاحظوا أن كُل الآيات تَدور حولَ كلمَة ( النَفس ) فَما هي ؟
قال بعضُ العلماء بأنها النشاط الذي يُمَيز الكائن الحَي وَيُسيطر على حَركاتهِ أو القوة الخَفية التي نَحيا بها وعَرفَها آخَرون بأنها وَظيفة العَقل والجِهاز العَصَبي أو مُحَرك أوجُه نَشاط الإنسان المَعرفية وَالانفِعالية والسُلوكية والعَقلية ويَقول الفَيلسوف الفَرنسي ديكارت أنها مَوجودة في الدَماغ بَينَما قال أفلاطون أن هُناك ثَلاثَة أنفُس للإنسان . الشَهوانية والعاقلة والمُريدة وَوَرد في القرآن الكريم النَفس الأمارَة بالسوء واللوامَة والمُطمَئنة وخلاصَة القَول هو إنها ليس لها تَعريف دَقيق يُوضِح ما هي . لكن قبل دخولها الجسد تُسمى الروح . وحين تكون فيه وتُسيطر على العقل يُصبح بامكانها التفكير وادارة العمليات العقلية تُسمى نفسا .
أن الآلِهة التي كانَت تُعبَد مِن دون الله ( اللات ، والعزى ، ومناة ، وسواع ، وود ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرى ) كُلها هُدمَت ماعدا إلـه واحد مازال يُعبَد . قال تعالى ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ) وهذا يَعني أن هَوى النَفس إذا تَمكَن منَ الإنسان لَن يَصغى لِشَرع وَلا لوازع ديني لذلك تَجدهُ يَفعل ما يُريد فَفي جَريمة قتل قابيل لأخيهِ هابيل قال تَعالى ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ) وحينَ تَسأل مَن وقعَ في مَعصية . ما الذي دَعاك لفعلِ هذا ؟ يَقول : أغواني الشيطان وكلامهُ مَعناه أن كل فِعل مُحرَم ورائه شيطان . فَهل هو السَبب في كُل الذُنوب أم النَفس الأمارَة بالسوء هيَ أخطرُ بكثير لذا فإن مَدخل الشَيطان على الإنسان هُو نِسيان الثَواب والعِقاب ومَع ذلك نَقَع في المَحظور قال تعالى ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء ) فما الذي يَحصل وَلماذا تَأمُرنا بارتكاب المَعاصي . كل ما نَراه أو نَسمعهُ من صُور أو كلمات يَقوم العَقل بالتفكير فيها وقد يُعجِبُ النفس وتَسرح في عالم الخَيال وتَتلَذَذ به وتُخَطط لتنفيذه ويكَرر هذا الأمر حَتى يُبرمِج عقلهُ الباطن لذلك ثُم يقوم به فِعلا . ولكن مازال يُمكنكَ التَغيير .
فيامَن أتعبتك نَفسك : أما آنَ الأوان أن تتَوقَف وتَلجمُها وتقَودها إلى ما يُسعدك في الدارين فأنتَ قد تَشعُر بِلذَة قَصيرَة لمَعصيَة تَرتكبها لكن تأثيرَها السَلبي سَيبقى مَدى حَياتك ويُؤذيك النَدم وسَتَرى نَتائجها يومَ العَرض على الله وتُكشَف الصُحُف فَقد قال رَسول الله ﷺ ( إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان ابن فلان ) وسيعرفُ الأبُ والأخُ والزوجَة والأهل والناس ما كُنا نَظنُ أن لا احَد رآنا فقد كانَ يُسجَلُ . قالَ تَعالى ( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( 29)
تَأكَد انكَ كُلما طاوَعتَها لارتكاب المَعاصي خَسِرتَ جُزءا مِن شَخصيتك وسَعادتك وقد تَكسِر وَتَفقد قُلُوبا لا يُمكِنُكَ تَعويضَها فَعَجِل بِالتوبَة قَبلَ فواتِ الأوان .
قالَ تَعالى ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى