دين ودنيا

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة (23)

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

على هامش الدولة الأموية
ب- قطري بن الفجاءة

مقتله سنة 78هـ وقيل 79 وقيل 99
خلافته بضعة عشر سنة، وقيل 20 سنة
اسمه ونسبه:
أبو نعامة قطري بن الفجاءة، واسم أَبِيه جعونة، بن مازن بن يزيد بن زياد ابن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر، التَّمِيمِي المازني الخارجي.
رَأس الْخَوَارِج فِي زَمَانه كَانَ أحد الْأَبْطَال
وكانت كنيته في الحرب أبا نعامة (ونعامة اسم فرسه) وفي السلم أبا محمد.
قيل لأبيه الفجاءة لأنه كان باليمن، فقدم على أهله فجاءة، فسمي به وبقي عليه، ولا عقب لقطري.
وقد قيل: إن قولهم قطري ليس باسم له، ولكنه نسبة إلى موضع بين البحرين وعمان، وهو اسم بلد كان منه أبو نعامة المذكور، فنسب إليه، وقيل إنه هو قصبة عمان، والقصبة هي كرسي الكورة.
بداية أمره:
خرج فِي خلَافَة ابْن الزبير لما ولي مصعب العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير وكانت ولاية مصعب في سنة ست وستين للهجرة فبقي قطري عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة، جَهَّزَ إِلَيْهِ الحَجَّاجُ بن يوسف الثقفي جَيْشاً بَعْدَ جَيْشٍ، فَيَكْسِرُهُم، وَبَقِى يُقَاتل الْمُسلمين ويستظهر عَلَيْهِم بضع عشرَة سنة، وَغلَبَ عَلَى بِلاَدِ فَارِسٍ، وَلَهُ وَقَائِعُ مَشْهُوْدَةٌ، وَشجَاعَةٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَشِعْرٌ فَصِيْحٌ سَائِرٌ.
وحكي عنه أنه خرج في بعض حروبه وهو على فارس أعجف وبيده عمود خشب، فدعا إلى المبارزة، فبرز إليه رجل، فحسر له قطري عن وجهه، فلما رآه الرجل ولى عنه، فقال له قطري: إلى أين فقال: لا يستحيي الإنسان أن يفر منك. ( وفيات الأعيان 4/ 93، الوافي بالوفيات 24/ 186)
وقد ذكر أبو العباس المبرد في كتاب الكامل من أخبارهم ومحارباتهم قطعة كبيرة. (كتاب الكامل للمبرد في الأدب، وهو غير كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير، ويعتبر كتاب المبرد مصدراً لإخبار الخوارج وآدابهم وأشعارهم)
مقتله ونهاية أمره:
ولم يزل الحال بينهم كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فظهر عليه وقتله في سنة ثمان وسبعين للهجرة، وكان المباشر لقتله سودة بن أبجر الدارمي، وقيل إن قتله كان بطبرستان في سنة تسع وسبعين.
وقيل عثرت بِهِ فرسه واندقت عُنُقه بطبرستان سنة تسع وَتِسْعين لِلْهِجْرَةِ وَحمل رَأسه إِلَى الْحجَّاج وقيل انْكَسَرَتْ فَخِذُهُ (وفيات الأعيان 4/ 94، سير أعلام النبلاء ط الرسالة 4/ 152، الوافي بالوفيات 24/ 186)
هكذا قال أهل التاريخ والله أعلم، وقد أقام عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة، وقيل تاريخ خروجه وقتله بخلاف ذلك فتأمله. (وفيات الأعيان 4/ 94)
سماته وصفاته:
وكان رجلا شجاعا مقداماً كثير الحروب والوقائع، قوي النفس لا يهاب الموت، وقطري هو الذي عناه الحريري في المقامة السادسة بقوله: فقلدوه في هذا الأمر الزعامة، تقليد الخوارج أبا نعامة، ومن شعره:
أقول لها وقد طارت شعاعا .. من الأبطال ويحك لا تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم .. على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبرا في مجال الموت صبرا .. فما نيل الخلود بمستطاع سبيل الموت غاية كل حي .. وداعية لأهل الأرض داعي
ومن لا يغتبط يسأم ويهرم .. وتسلمه المنون إلى انقطاع وما للمرء خير في حياة .. إذا ما عد من سقط المتاع
وهذه الأبيات تشجع أجبن خلق الله، وما أعرف في هذا الباب مثلها، وما صدرت إلا عن نفس أبية وشهامة عربية.
وهو معدود في جملة خطباء العرب البلغاء، ومن الشُّعَرَاء المشهورين بالبلاغة والفصاحة.
قال أحدهم في وصفه: ” كان طامة كبرى، وصاعقة من صواعق الدنيا في الشجاعة والقوة.
بين الحجاج وقطريّ:
كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى قطري بن الفجاءه:
سلامٌ عليك، أما بعد.
فإنّك مرقت من الدين مروق السَّهم من الرميَّة، قد علمت حيث تجرثمت ذلك أنك عاصٍ لله ولولاة أمره، غير أنك أعرابيٌ جلفٌ، أميٌّ، تستطعم الكسرة، وتشتفي بالتمرة، والأمور عليك حسرة، خرجت لتنال شَبْعَةً، فلَحِقَ بك طغامٌ صُلُوا بما صُلِيتَ به من العيش يهزُّون الرماح، ويستنشقون الرياح، على خوفٍ وجهدٍ من أمورهم، وما أصبحوا ينتظرون أعظم مما جهلوا معرفته، ثم أهلكهم الله بنزحتين والسلام. (البيان والتبيين ص 366)
وقد أسر الحجاجُ قطريَّ بن الفجاءة، ثم مَنَّ عليه، فأطلقه؛ فقيل لقطرىّ: عاود قتال عدوّ الله.
فقال هيهات، أَشُدّ يد مُطلِقها، وأرق رقبة معتقها، ثم قال:
أأقاتلُ الحجاجَ عن سلطانه * بيدٍ تُقِرُّ بأنها مولاته
ماذا أقول إذا وَقَفْتُ إزاءَه * في الصفِ واحتجّت له فعلاته
أأقولُ جارَ عليّ، لا، إني إذًا * لأحقّ من جارت عليه ولاته
وتحدّث الأقوام أن صنائعًا * غُرِست لديّ فحنظلت نخلاته
(الأحكام السلطانية ص 60) وهذ أخلاق تدل على المروءة، والإقرار لغيره بالفضل
وروي أن الحجاج قال لأخي قطريّ: لأقتلنك، فقال: لم ذلك، قال: لخروج أخيك، قال: فإنَّ معي كتابَ أميرِ المؤمنين أن لا تأخذني بذنب أخي، قال: هاتِهِ، قال: فمعي ما هو أوكد منه، قال: ما هو قال: كتاب الله عز وجل، حيث يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، فعجب منه الحجاج، وخلَّى سبيله، وكان وقافاً عند كتاب الله. (الوافي بالوفيات 24/ 186، وفيات الأعيان 4/ 95)
وقد ذكرت طرفاً مما كان بين الحجاج بن يوسف الثقفي وقطري بن الفجاءة في كتابنا الحجاج مواقف وطرائف وقد طبع طبعتين والحمد لله رب العالمين.
مصادر ترجمته:

  • سير أعلام النبلاء ط الرسالة 4/ 151
  • الوافي بالوفيات 24/ 186
  • وفيات الأعيان 4/ 95
  • شذرات الذهب 1/ 86
  • البداية والنهاية 9/33.
  • الأعلام للزركلي 5/ 200

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى