حقوق وحريات

إضاءات سياسية (6)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

المؤامرة المستمرة (2)

09/11/2006

سبق أن كتبت في شهر أيار/مايو من هذا العام مقالاً كشفت فيه جانباً من تآمر بعض القادة العرب على القضية الفلسطينية ، وقلت أن الأنظمة العربية كذبت على شعوبها حين قالت أنها حاربت الكيان الصهيوني الدخيل على منطقتنا ، إذ أن الحقيقة أنه لم تجر حروب بمعنى الحروب وإنما وقعت معارك حارب فيها مقاتلونا بشرف ، وللذكرى فقط فإن ثلة من الجيش السوري الذي كان في عام 1948 ضعيفاً هزيلاً لم يمض على إنشائه سوى بضعة سنوات ، هذه الثلة احتلت وبالسلاح الأبيض مستعمرة كعوش -أو ما يطلقه عليها الصهاينة مشمار هاردن- وجرت مصادمات أظهر فيها المقاتلون سواء على الجبهة السورية أم المصرية أم الأردنية بطولات متميزة ، إلا أنه كما كان يقال باللهجة العراقية -ماكو أوامر- .

لقد أدرجت في مقالي السابق نص الاتفاقية التي أبرمها فيصل الأول مع وايزمن من أجل هجرة اليهود إلى فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني ، مع الإشارة إلى أن والده الشريف حسين ، كان موافقاً على إعطاء فلسطين لليهود حسبما ما أورده محمد حسنين هيكل في كتابه (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) .

وافق الملك عبد العزيز آل سعود على بيع فلسطين لليهود ، وأدرج فيما يلي نص الكتاب الذي أرسله  إلى الحكومة البريطانية عبر مندوبها (برسي كوكس) وهذا نصه :

بسم الله الرحمن الرحيم

(أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن السعود أقر وأعترف ألف مرة للسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى ، لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة) .

وحتى يكون واضحاً للقارئ مدى تآمر بعض الحكام العرب مع البريطانيين وزعماء اليهود أدرج النصوص التالية المأخوذة من كتاب محمد حسنين هيكل السابق الذكر وهي كما يلي :

مراسلات مع الملك عبد الله ملك الأردن :

وقام “ساسون” بخطواته الأولى ، وكتب اللواء “عبد الله التل” القائد الأردني لمنطقة القدس :

  “في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الجمعة الموافق 01/12/1948 كلمني رئيس مراقبي الهدنة الدولي هاتفياً ، وقال : إن الكولونيل ديان يريد مقابلتي في المنطقة الحرام لأمر هام .

 فتوجهت لمنطقة باب الخليل حيث اتفقنا على الاجتماع . ولما وصلت وجدت ديان ينتظر ومعه أحد المراقبين المعينين لتلك المنطقة . وتقدم ديان وقال إنه يحمل رسالة هامة جداً من شخصية يهودية كبيرة إلى صاحب الجلالة الملك عبد الله . فأخذت الرسالة ووعدته بتأمين إيصالها إلى الملك . ثم افترقنا بعد أن أكد لي أهميتها وألا يفتحها إلاّ جلالة الملك نفسه . ولكني ما كدت أصل لأقرب نقطة فيها ضوء حتى أحسست بعوامل قوية تدفعني إلى فض الرسالة والإطلاع على ما فيها ، فقد كنت أشك في سير الأمور وفي نوايا الملك عبد الله . وفضضت الرسالة غير مبال بعاقبة الأمر ، وأزلت عنها الشمع الأحمر أمام (مرافقي) الرئيس قسيم محمد وقرأتها” .

كانت الرسالة بخط “ساسون” باللغة العربية التي يجيدها . وكان نصها كما يلي :

“مولاي المعظم

إجلالاً واحتراماً وبعد ،

أرجو أن تكون جلالتكم بغاية الصحة أدامها المولى عزَّ وجلَّ عليكم .

سيدي

لقد وصلت اليوم إلى القدس عائداً من باريس لمدة قصيرة جداً للاتصال بجلالتكم إذا تفضلتم وأمرتم بذلك ، والتعاون على حل الأمور المعقدة ، والوصول إلى ما نتمناه جميعاً من إحلال السلام في ربوع هذه البلاد العزيزة على جلالتكم وعلينا . فأرجو جلالتكم والحالة هذه أن تتكرموا وترسلوا إلى القدس لمقابلتي والبحث معي أحد الأشخاص الذين تثقون بهم ، وأن يكون هذا الشخص مصحوباً بالصديق شوكت باشا (طبيب الملك عبد الله الخاص ورسوله إلى الإسرائيليين في مرات عديدة) ، وأن يكون كذلك من المخلصين للقضية المشتركة .

هذا وأرجو أن يأتي هذا الشخص في أسرع ما يمكن . وإن أمكن غداً السبت حيث أوقاتي قصيرة ومضطر أن أعود إلى باريس في أسرع ما يمكن . هذا وإني أتمنى أن تساعدني الظروف على التشرف بمقابلة جلالتكم في إحدى الفرص السعيدة إن شاء الله . وأرجو أن يكون الشخص الذي سيأتي لمقابلتي حاملاً الكثير من ملاحظات جلالتكم بشأن كافة الأمور لنسترشد بها في حديثنا . وأطال المولى بقاء جلالتكم . آمين .

المخلص إلياس ساسون                         القدس الجمعة 01/12/1948

ويستطرد اللواء “عبد الله التل” مستكملاً روايته :

“سافرت إلى الشونة مبكراً صبيحة السبت الموافق 11/12/1948 . واجتمعت بجلالة الملك الساعة الثامنة تماماً . وقدمت له الرسالة بعد أن وضعتها في مغلف جديد ختمته بالشمع الأحمر . وما إن بدأ الملك قراءتها حتى انبسطت أساريره وتهلل وجهه فرحاً ، وأعاد إليّ الرسالة لأقرأها . ثم خرج برهة ، وعاد معه الدكتور شوكت الساطي طبيب جلالته ، وطوى الرسالة وقال بالحرف الواحد :

“تذهب يا باشا للقدس وتقابل ساسون للتفاهم معه .. وعبد الله بك (اللواء عبد الله التل نفسه) يساعدك في الأمور الفنية” .

ثم أمر بإحضار ورقة بيضاء وبدأ يملي على الدكتور ما يلي ليبلغه لساسون :

  1. يسرنا أن تكون مذاكرة معكم .
  2. تعلمون أن أية مذاكرة منفردة إن لم تكن موفقة فهي ستجر متاعب من الناحية العربية ، وبالأخص من الخصوم السياسيين فوق ما تتصورون .
  3. قرار مؤتمر أريحا (تتويجه ملكاً على شرق الأردن والضفة الغربية) يجب أن يكون بالغ الاحترام” .

وتم اللقاء ، وتكرر مرة ثانية لأن “ساسون” بعد قراءة أولية لرسالة الملك رأى أن يبحثها مع “بن جوريون” في تل أبيب .

وفي اللقاء الثاني كان “ساسون” هو الذي يملي ، والدكتور “شوكت الساطي” هو الذي يكتب رد “بن جوريون” على رسالة الملك . وكان الرد كما يلي بلسان “ساسون” نقلاً عن “بن جوريون” : “تحيات لجلالة الملك من دافيد بن جوريون وموشى شرتوك” . وتنتهي التحيات ، وتبدأ نقاط الرد :

  1.  إذا كان جلالة سيدنا يرغب في تنفيذ مقررات أريحا فلا اعتراض على ذلك . ونظن أن من المستحسن أن ينفذها في أسرع وقت ممكن حتى يضع خصومه وأصدقائه أمام الأمر الواقع . وللأمر الواقع أهمية كبرى عند دول أوروبا وأمريكا ، وقد جربنا ذلك بأنفسنا .
  2.  في حالة إقدامه على تنفيذ هذه المقررات نرجوه ألا يتعرض للناحية اليهودية لا بخير ولا بشر ، ويكتفي بالقول بأنه يقدم على ذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولإعادة الهدوء والسعادة إلى الشعب العربي الفلسطيني .
  3. 3-  نرجوه في حالة إقدامه على تنفيذ المقررات ألا يحدد موقفه النهائي من ناحية مصير القدس لا القديمة ولا الجديدة لأننا نعتقد أنه يجب ترك مصيرها إلى مباحثات واتفاقات بيننا وبين جلالته مباشرة في القريب العاجل . ونعتقد أن هناك حلاً يرضيه  ويرضينا .
  4. 4-  ننصح لسيدنا بإعلان الهدنة الرسمية الطويلة هدنة دائمة . وهذا يساعد على سحب جيوشه من جميع الجبهات ، واستخدامها في جهات أخرى إذا ما اقتضت الحاجة ذلك . وإذا كانت الظروف الحاضرة تحول دون إعلان هذه الهدنة ، فبالإمكان الاتفاق على ذلك سراً بيننا . وفي مثل هذه الحالة نؤكد له بأننا لن نتعرض بسوء إلى مراكزه في جميع الجبهات ونحترمها كل الاحترام حتى نهاية المباحثات ، حتى ولو طال الأمر شهوراً .
  5. 5-  نحن ننصح لسيدنا أن يعمل بسرعة على سحب القوات العراقية من الحدود ، وإحلال قوات أردنية محلها للمحافظة على الأمن الداخلي فقط وإذا فعل ذلك فإننا نؤكد له بأننا لن نمس هذه الأماكن بسوء حتى نهاية المباحثات . أما إذا بقيت القوات العراقية في مراكزها ، فنخشى أن نصطدم بها في يوم من الأيام .
  6. 6-  ننصح لسيدنا أن يسعى جهده لسحب القوات المصرية من جنوب القدس والخليل (منطقة النقب) ليخلص من المتاعب السياسية التي يخلقها وجود هذه القوات في أي وقت . ننصح لسيدنا أن يتجنب بقدر الإمكان وساطة الأجانب لتسوية الأمور بيننا وبينه ، وأن يفضل مثلنا المباحثات المباشرة . فإن هذا في نظرنا أدعى للنجاح سواء كان من الناحية العسكرية أو السياسية .
  7. 7-  إذا أعرب سيدنا عن موافقته على النقط السبعة السابقة ، فإن في استطاعتنا أن نؤكد له بأننا سوف نقوم بالدعاية لمقررات أريحا في جميع أرجاء العالم” .

ووافق الملك على المقترحات التي بعث به “ساسون” وتم ترتيب لقاء بينه وبين “ساسون” في الشونة ، وقد حضره “صديقنا الأعور” وهو الوصف الذي كان الملك “عبد الله” يطلقه على “موشى ديان” .

مفاوضات مع فاروق ملك مصر :

كما جرت مفاوضات مكثفة مع الملك فاروق بواسطة السفير الأمريكي في القاهرة وأدرج ذيلاً مقطعاً من هذه المفاوضات .

إنني ذهبت إلى مقابلة الأمير محمد علي-ابن عم الملك فاروق وولى عهده- وفي حديث بيننا يوم السبت الماضي ألح على ثلاثة شروط ضرورية هي :

  1. 1-  تدويل القدس .
  2.  إخراج بعض اليهود الروس الشيوعيين من دولة إسرائيل لأنهم خطرون عليها وعلى العرب .
  3. 3-  ضمان للحدود في المنطقة تقترحه الولايات المتحدة وبريطانيا .

وقلت للأمير أنه ليس في مقدورنا تقديم ضمانات ، وإن الأمم المتحدة هي وحدها التي تملك هذا الحق ، وإذا فشلت فيه فشلنا جميعاً . لكنه يبدو لي أن كل الناس هنا يريدون ختماً أمريكا على أية تسوية .

m        m        m

إن ما أوردته سابقاً هو غيض من فيض من رسائل هؤلاء الزعماء الأفذاذ الذين تآمروا مع كل أجنبي على كل عربي ومسلم وكذبوا على شعوبهم زاعمين أنهم حاربوا وفشلوا ، إلا أنهم تآمروا وكانت كراسي الحكم والتي “لم يحصلوا عليها” أثمن لهم من كل ما عداها وضحك عليهم الغرب حتى انضموا إليهم في محاربة العثمانيين “المستعمرين” -فكان أن ضيعوا أنفسهم وبلادهم وقدموا فلسطين لقمة سائغة دون مقابل للصهيونية- ثم كان سلوكهم تمهيداً لسايكس-بيكو .

كان ولا زال بعض الحكام العرب يشيدون بجهود جيوشهم في حربها مع الصهاينة في فلسطين ويتذرعون بأنهم اتجهوا نحو إنهاء حالة الحرب مع الكيان الصهيوني في فلسطين لذلك السبب وذهبوا جميعاً إلى مدريد ليقروا هناك إنهاء حالة الحرب واتخاذ قرار باعتبار أن السلام هو الخيار الاستراتيجي للدول العربية ورفعوا الرايات البيضاء أمام الصهاينة وأسيادهم الغربيون .

أبرمت السلطة الفلسطينية برئاسة المرحوم ياسر عرفات منذ أكثر من خمسة عشر عاماً اتفاق أوسلو الذي سلمت بموجبه بكل ما أرادته دولة الإرهاب الإسرائيلي ومرت على الاتفاقية عشر سنوات من الهدوء فماذا حققت ؟؟! لم تحقق إلا مزيداً من قضم الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية ومزيداً من التوسع في المجمعات السكانية اليهودية -مستوطنات- وبناء للجدار الفاصل ، ثم استمرت بالقتل والتخريب ، وتوجه المجرم شارون إلى الحرم القدسي ليشعل فتيل حرب جديدة وانطلقت انتفاضة الأقصى وعمدت دولة الإرهاب إلى تدمير البنى التحتية لفلسطين فاقتلعت الأشجار ودمرت البساتين والطرق .. الخ وهيجت العداوات واغتالت الرجال والأطفال والنساء ، ثم بعد ذلك يطالب الحكام العرب الشعب المحتل الواقع تحت الحصار أن يتنازل لجلاده وقاتله عن كرامته وعزته بعد أن فقد كل شيء ، ثم تقدمت القمة العربية في بيروت بمشروع السلام العربي دون أي مقابل ، بينما هرولت أنظمة عربية أخرى في اتجاه العدو الصهيوني لإقامة علاقات معه سواء على الصعيد التجاري أو السياسي وجهرة أو خفية فماذا بقي بعد ؟؟ . 

لقد أسقطت المقاومة الفلسطينية الباسلة في فلسطين وسطر أبناءها ملاحم بطولية يعجز عن وصفها البيان كما أسقطت المقاومة الإسلامية في لبنان مقولة العدو الذي لا يهزم فأنزلت به ضربات موجعة وأرسلت رسالة له ولمن وراءه من الغربيين المنافقين والحاقدين على أمتنا يظهر فيها الحق ويزهق الباطل كما المقاومة العراقية الباسلة التي أربكت أقوى دول العالم وأكثرها عنجهية وتكبراً ومرغت وجهها في الوحل ، فهل سيستيقظ الحكام العرب المارقون من عروبتهم واللاهثون وراء سراب الصهيونية الخادع ووعود الولايات المتحدة المضللة حول التقدم والحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والتي كشفت مسيرتها في العصر الحديث من أنها في الحقيقة الشيطان الأكبر ، ولا هم لها سوى الاستيلاء على ثرواتنا وتدمير بنياننا الاجتماعي وتمزيق صفوفنا أكثر مما هي ممزقة ، ونسف معتقداتنا .

إن الأمة مدعوة لأن تفتح عيونها على ما يجري في الخفاء وكواليس السياسة بعيداً عن مشروع الأمة الحقيقي لها ، وهو مشروع المقاومة الذي لا غنى عنه ولا خيار حتى يتم تحرير كامل ترابنا .

(نص رسالة الملك عبد العزيز بن سعود)

عاش نضال الشعوب من أجل الحرية والسيادة وحقوق الإنسان                                                          

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى