مقالات

هل مصطلح الزعماء العرب صحيح؟

د. صابر جيدوري

أكاديمي وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب

المدقق في الواقع العربي يدرك عمق التخلف والخراب الذي تسببت لنا فيه حفنة من الأشخاص تسميهم الصحافة عموماً الزعماء العرب. فهل هؤلاء فعلاً زعماء أم يمكن تسميتهم أي شيء آخر؟
في الحقيقة، لا يوجد عاقل يطلق على هؤلاء مصطلح زعماء بعد أن اتضح لمن يفهم ،ولمن لا يفهم أن من نصبهم على كراسي الحكم هي قوى خارجية، ومكنتهم من أن يكونوا أوصياء إلى الأبد على مصير الأمة بعيداً عن رأي شعوبهم بهم ؛ولا يمكن أيضاً تسميتهم قادة، لأن القائد من يقود الناس نحو الاتجاه الصحيح، فضلاً عن أن القيادة تعني دوماً فتح طريق الشعوب وتعبيده إلى الأمام، في الوقت الذي ما انفك هؤلاء يجرّونا إلى الوراء.
لا يمكن أن نسمّيهم زعماء، لأن الزعامة هيبة ومصداقية وقدوة، وهذه خصائص لا يوجد عربي واحد يعترف أنها موجودة بمن يحكمهم، بل ما يوجد فيهم هو النقيض تماماً مثل: الاجرام والخسة واللصوصية وقلة الهيبة.
لا يمكن حتى وصفهم بالحكّام، لأن في الكلمة ضمنياً معنى الحكمة، ولو كان لهم منها الحدّ الأدنى لما وصلنا إلى هذه الكوارث التي وصلنا إليها الآن. أنظروا إلى سورية وسوف تكتشفون بسرعة إلى أي مدى يفتقد “قائدها” إلى الحكمة، وكذلك إلى مصر والسعودية ودول الخليج وغيرها ! ولأن وجودهم مرتبط بالسلطة والتسلّط فيمكن تسميتهم بالسلاطين، فهذا المصطلح أدقّ وصف وأقرب تعريف لهم إلى الموضوعية.
مع ملحوظة أنه عندما نتذكر ملايين الموتى على يد من تُسميهم الصحافة زعماء لا نستطيع إلا أن نوجه اللعنة تلو اللعنة لهؤلاء المجرمين الذي مروا على السلطة في بلادهم أمثال: هتلر، وستالين، وماوتسي تونج، وبول بوت، والأسد الأب وأبنه الوريث وغيرهم.
لقد تغلّب في القرن العشرين الرأي القائل: إن ما يتحكم في مجرى التاريخ هو صراع البنى الفوقية والتحتية مثل الطبقات، أو الأيديولوجيات، أو الحضارات، أمّا الأشخاص فمجرّد أدوات في خدمة قوى تتجاوزهم هذه الايديولوجيات. المضحك في الأمر أن الماركسية التي نظّرت أكثر من أي مدرسة فكرية أخرى لهذه المقولة هي التي أفرزت ستالين، وماو تسي تونح، وبول بوت، وقد اثبتوا كلهم ما لشخص واحد من قدرة هائلة على التحكم في الهياكل الكبرى التي يفترض أنه مجرّد أداة لها. والسؤال هو: كيف يمكن إذاً تفسير الظاهرة؟ لماذا نصنع نحن وبقية الأمم من دون توقف المستبدّين رغم تكلفتهم الباهظة؟
في الإجابة عن هذا السؤال يقول المنصف المرزوقي: (قد يكون نموذج البيولوجيا للفيروس مدخلاً لفهم الظاهرة، علماً أننّا لا ندّعي تشابهاً مطلقاً بين الجسم البيولوجي والجسم الاجتماعي. فالفيروس مثل الدكتاتور خليّة بسيطة لا يحسب لها حساب إذا قارنتها بالعدد المذهل لخلايا الجسم، وتعقيدها المخيف، ومع هذا فيه من القدرة الخارقة التي يمتلكها لإلحاق أذى لا يقاس ببساطة تركيبه أو حجمه ؛ هو يستطيع أن يتسلّل إلى الجسم فيدمّره عبر تقنية ثابتة تتمثّل في الاستيلاء على آليات تسيير الخلايا، وتقويض قدراتها لصالحه الخاص غير عابئ بما في هذا من تدمير بقية الجسم).
تماماً كما يحصل في سورية حيث تسلل الفيروس (الدكتاتور) إلى كافة انحاء الجسد الاجتماعي السوري عبر مخابراته وشبيحته، وعاث في الجسد السوري خراباً ودماراً وفساداً. ولكن يبقى لحسن الحظّ أن التاريخ لا يحفل فقط بأسماء أفذاذ القتلة بالجملة، والذين قادوا شعوبهم إلى التهلكة، هو حافل أيضاً بأسماء تنحني لها الرؤوس إجلالًا، لا خوفاً ولا طمعاً، وإذا أردنا معرفة عينة من هؤلاء، فأول ما يتبادر إلى الذهن الطيب أردوغان، وحليمة يعقوب، ومهاتير محمد، وانجيلا ميركل، ولولا دي سيلفا، الذي أطلق عليه الشعب البرازيلي لقب بطل الفقراء، وغيرهم كثير.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نعم يا سيدي كما قال الفلاح الثلم الأعوج من الثور الكبير هو من أفسد الحرث …….أعطني حاكماً مثالياً عادلاً مقداماً ….أعطيك شعباً حضارياً لا يفسد في الأرض من وجهة نظري صلاح المجتمع يبدأ بالفرد و ليس بالحاكم كما يقال صحيح ……و لكن الأصح صلاح المجتمعات و الشعوب تبدأ بصلاح رأس الهرم الحاكم و ليس القاعدة …..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى