ثقافة وأدب

القضية قضية شرف

محمد الفضلي

كاتب وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

اللاذقية: 1/25/ 2012
الانتخابات البلدية
الساعة العاشرة ليلاً.
المكان: المدينة الرياضية الشاطئ الأزرق.
تم تكليفي في مركز فرز الأصوات الموجود ضمن المدينة الرياضية في منطقة الشاطئ الأزرق في اللاذقية، بصفتي كمعاون لرئيس قسم الشاطئ، وبرفقة العميد رئيس القسم وعناصر القسم لتأمين الحماية للمركز والإشراف الأمني.
كان منظر أحد المرشحين للانتخابات من “حلب الأصل” يثير الضحك ببزةٍ رسميةٍ بالية، وتصرفاتٍ لا تدل على شخصٍ متزن.
كان في الخمسينات في العمر، ولا يحمل أي شهادة علمية، ويمشي كالملسوع، يلتفت يمينا ويتكلم مع زوجه بضع كلمات، ثم يجد السير لتسير وراءه محاولة الحاق به، وكأنك أمام شخصية هاربة من رواية لعزيز نيسين.
ولقد علمت منه أنه: تم إلزامه بالترشح للانتخابات من قبل فرع أمن الدولة، وهو بالأصل يملك “محل فلافل” في شارع أنطاكية في اللاذقية، والذي أغلقه، وفرّ إلى الشاطئ اﻻزرق، بعد قيام ثورة اللاذقية، وخوفه من انتقام الشعب الثائر، كونه كان أحد المخبرين لفرع أمن الدولة، وقيامه بإيذاء عديد من الأشخاص، وأدى إلى القبض عليهم من قبل الفرع، بعد إخبارهم عنهم من قبله.
أنا، والقاضي الطائفي حسان صقر، والعميد جمال رئيس القسم … نجلس سويةً في غرفة اﻻشراف على عملية الفرز، والاعتراض، والمراقبة في أحد قاعات المدينة الرياضية.
فجأة… ودون سابق انذار، اقتحم هذا المرشح غرفتنا، وبدأ يصيح:
قضية شرف ياسيدي!! يا سيدي قضية شرف!! .
ذهلنا من القضية المطروحة، وما دخل قضية الشرف في مكان كهذا؟!
أجلسته في أحد الكراسي، وهدّأت من روعه.
ثم سأله القاضي: خيراً…ما الذي حدث؟!!
فأجابه: ياسيدي أرجوك، قضيتي قضية شرف.
نظرنا إلى بعضنا البعض مستغربين.
فسأله القاضي مرةأخرى: وما قضية الشرف هذه؟!
أجاب المرشح: دخلت أنا، وزوجي مدرسة “دمسرخو” في الشاطئ، وصوتنا نحن الإثنين لصالحي في الصندوق الانتخابي، والآن انتهوا من فرز الصندوق، وحصلت على صوت واحد فقط لصالحي منه!!
أرجوك وأتوسل إليك يا سيدي.. أريدك أن تفتح لي الأوراق، لأعرف لمن صوتت زوجتي؟!
بدأنا بضحك هستيري جميعاً، وكلما زادت جديته في الموضوع، كلما علت أصوات ضحكاتنا.
كان يتفرس وجوهنا الضاحكة، كالمستهجن على ماذا نضحك؟!
وسأله القاضي مازحاً: أأنت متأكد أنك أنت لم تصوت لأحد آخر؟!
فأجاب بالحلفان، وأقسم الأيامين أنه صوت لنفسه، وهو متأكد.
ثم قام العميد بتهدأته ..وأقنعه القاضي باستحالة ذلك، وأنه لا يمكن التلاعب بأصوات الصندوق، وربما زوجه نسيت أن تضع اسمه، وكثير من المبررات، حتى غادرنا وهو يقنع نفسه، بأن خطأً ما حدث.
المهم تم فرز الأصوات، والتي بلغت حوالي 27 ألف صوت.
وفاز فيها جمال نصور وأمير إسماعيل من القرداحة، بأعلى الأصوات حوالي 24 ألف، وفاز 17 شخص من منطقة دمسرخو “العلوية”، ولم يفز أي سني، أو مسيحي في اﻻنتخابات المحلية، ولربما كان ذلك بسبب أحداث الثورة التي تركزت في مناطق السُّنة والمسيحيين.
قبل إعلان النتائج… تم اﻻتصال من قبل طه حاج طه رئيس فرع الأمن السياسي في اللاذقية
وتم إعادة تعيين (صديق مطره جي) العميل السني اللص في المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة، على الرغم من حصوله على 23 صوت فقط، وعدم نجاحه، على اعتبار أن له في كل انتخابات، كرسي جاهز لاستلامه كممثل للسنة في مدينة اللاذقية، والذي يبلغ نسبتهم ضمن مدينة اللاذقية حوالي 65% فيها.
وتم تعيين بعض الأسماء السنية، والمسيحية والخلطة السحرية من جميع الطوائف في المحافظة.
حاول بعض مرشحي دمسرخو من العلويين الاعتراض، إلا أن آخرين قاموا بتهدأتهم، ولقد سمعتهم يقولون لبعضهم البعض:
“الآن ليس وقتها، بلا ما نشمت جماعة “الحرية” فينا”
بعد أن هدأت الأمور، وأعلنت النتائج بشكل رسمي…هتف الجميع:
((يعيش الوطن، والقيادة الحكيمة للسيد الرئيس ))

ألم أقل لكم بداية أنها ( قضية شرف )
لكنه شرف بلدٍ كامل مغيب في انتخابات مزورة، ورئيس مزور، وخطابات مزورة، ووطنية مزورة، وتعايش مزور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى