تحقيقات

الجزيرة السورية الغنية بالثروات منطقة نائية!

مطيع السهو

سياسي وكاتب
عرض مقالات الكاتب

منذ استقلال سوريا وإلى هذه اللحظة الراهنة، يطلق تسمية مناطق نائية على منطقة الجزيرة التي تقع في شمالها الشرقي، والتي تشمل محافظات الحسكة، ودير الزور، والرقة، ولا يعرف لماذا الإصرار على هذه التسمية الدونية، التي لاتزال مستمرة؟ ولا يعرف إلى متى ستبقى ؟ على الرغم من كل الثروات النفطية والزراعية والحيوانية التي تزخر بها، ولكن أغلب أهلها يعانون الفقر والحاجة!
وهذا ما جعلنا نتذكر البيت الشعري الذي يقول: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ- والماء فوق ظهورها محمول.
المعروف أن الجزيرة السورية هي السلة الغذائية والعمود الاقتصادي لسوريا، فمنها القمح والقطن والنفط والغاز والثروة الحيوانية، ومن المتعارف عليه في الدول التي تحترم إمكاناتها، وتسود في ربوعها الديمقراطية، وأن تحظى مثل هذه المنطقة التي تعد فيها الثروة الاستراتيجية الوطنية بالاهتمام والرعاية من جانب الحكومة بسبب الاستفادة من ثرواتها الطبيعية في بناء البنى التحتية، وفي بناء المواطن من أجل التقدم والرقي ودخول المستقبل بثقة.
ولذلك ليس من الوطنية، ومن غير المنطقي أن تهمل مثل تلك البقعة الجغرافية الاستراتيجية، وتبقى مهملة ومهمشة والأقل تنمية، وأهلها الأكثر فقرًا، والأكثر عرضة للتخلف وعدم الاستقرار عن سابق إصرار وتصميم !
إذا أخذنا محافظة الحسكة كأنموذج فهي على الرغم من غناها الهائل بالثروات والإمكانات البشرية، ولكن بسبب عدم العدالة بالتنمية، فقد عدتها الأنظمة والحكومات التي حكمت سوريا محافظة نائية، وهذا ما جعلها نتيجة الإهمال والتهميش من أكثر مناطق سوريا تراجعًا من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
إن حالة الاهمال والتهميش الإعلامي لمحافظة الحسكة، باعتبارها منطقة نائية حسب التوصيف الرسمي غير المسؤول، قد جعل الإعلام الحكومي على اختلاف الأنظمة الحاكمة سوريا، وبخاصة إعلام النظام الأسدي، لا يسلط الضوء على معاناة أهلها.
لقد بقيت محافظة الحسكة، على اختلاف الأنظمة التي حكمت سوريا، كالبقرة الحلوب المعطاء المهملة الرعاية، وخيرها لا يفيض على أبنائها، ولكن في عهد النظام الطائفي المستبد الفاسد لآل الأسد، فقد نظر إليها على أنها منطقة أجنبية محتلة، ويجب الاستحواذ على ما فيها من ثروات لحسابهم الشخصي، ولذلك كان معظم ضباط الأمن، وأزلام النظام، الذين يأتون إلى محافظة الحسكة، يحاولون بأسرع وقت ملء حقائبهم وجيوبهم من ثرواتها من دون حق، بل وصلت الأمور إلى درجة أنَ ضباطًا في الأمن ملكوا أراض زراعية، وعقارات، وشاركوا أهل المحافظة في أرزاقهم، وسطوا حتى على نهر الخابور الخالد، الذي ذكرته الفارعة بنت طريف- بكثرة أشجاره التي تحف الخابور- وهي ترثي أخاها:
أيا شجر الخابور مالك مورقًا- كأنّك لم تجزع على ابن طريف.
إن جشع مسؤولي النظام الطائفي الفاسد، قد دفعهم إلى حفر الأبار بشكل عشوائي على سرير نهر الخابور، ما أدى إلى نضوب مياه النهر في 2001، وتوقف التدفق الحر لمياه الينابيع التي كانت تجري منذ آلاف السنين، ورغم انعدام جريان الماء في مجاري نهر الخابور، فقد استمر حفر الأبار حتى أصبحت تعد بالآلاف ، وكان أغلبها لمسؤولين قدموا من خارج المحافظة، ما تسبب في حرمان سكان البلدات والقرى على طول مجرى النهر من مياه الشرب والري، وكانت الإجراءات حيال ذلك هشة، ما أدى إلى حالات ضغط كبيرة وجديدة على محافظة الحسكة المهملة التي كانت بالأصل شديدة الفقر ومهمشة، وضعيفة الخدمات ، فظهرت على إثرها أزمات تتعلق بازدياد الطلب على الغذاء والماء، وقد أجبرت هذه الأزمات الآلاف من سكان المحافظة إلى النزوح والسكن في أرياف دمشق وحمص وحوران، لتعمل أسر بكاملها كالعبيد في المزارع لقاء أجور متدنية لا تكفي طعامهم وشرابهم.
عندما اندلعت الثورة السورية، بقيت محافظة الحسكة إلى حين بمنأى عن الاشتباكات، والقصف والبراميل المتفجرة، وبقي التنوع الديني والقومي والاثني محافظا على نسيجه المتماسك، إلا أن ذلك لم يكن مستساغًا على ما يبدو لدى النظام الطائفي، فبدأ بالحرب النفسية لتهشيم المحافظة وضرب تماسكها، فالكهرباء التي كانت فائضة عن الحاجة دخلت مرحلة تقنين وصلت إلى خمس ساعات في اليوم، وترافق ذلك مع انقطاع الماء، والاتصالات، وخدمة الانترنيت لشهور طويلة، وبات المطلوب من الجميع اللجوء إلى الحلول الفردية، فأصبحت المياه تشترى، والمولدات الكهربائية الخاصة تبيع الكهرباء، وسيطرت خطوط الموبايل والانترنيت التركية على سوق الاتصالات، وانتشر في زوايا الشوارع الرئيسة باعة المحروقات المكررة، وغدا الناس يشترون كل شيء بأسعار مضاعفة.
وبناء على ما تقدم:
إن الإهمال والتهميش الحكومي وبخاصة في عهد النظام الأسدي الطائفي الذي سرق وظلم وأنهك وخلّف منطقة الجزيرة السورية، التي تشمل محافظات الحسكة، ودير الزور، والرقة، ولذلك لن تحيا هذه المحافظات، ومعها كل المدن المهمشة في سوريا، وتأخذ حقها من العناية والاهتمام، وتعطى فرصة الحياة الحقيقية والتقدم بشكل عصري، إلا في ظل نظام ديمقراطي قائم على المساواة والعدالة، وبخاصة العدالة في عملية التنمية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كانت العملية مقصودة من الفاطس حافظ الاسد وحتى ان معظم العاملين بالمراكز الحساسة في آبار النفط كانو من ملته الحاقدة ولهذا لقد وضعت البلسم على الجرح استاذ ابو سعد المحترم اليس الاجدى ان يستفيد أعالي تلك المناطق من هذه الثروات
    شكرًا لكم عما تكتبه وتسلط الضوء على اهم مخلفات وراوسب نظام محرم حاقد مستبد فالطاقات الموجودة عند اهل الجزيرة هي اكبر بكثير مما عملته وهي مقيدة من النظام المجرم
    شكرًا لكم واتمنى لكم كل التوفيق ودمتم بخير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى