مقالات

كيف نواجه ثقافة العنف؟

د. صابر جيدوري

أكاديمي وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب

كتب اليوم السينارست والكاتب السوري الدكتور محمد الفروح، مؤلف مسلسل “كحل العيون” الذي بثته القنوات السورية منذ سنوات على صفحته في فيس بوك سؤالاً مهمًا يتصل بثقافة العنف المنتشرة في سورية عموماً، وفي حوران بشكل خاص. قائلاً: “لم أفهم ولم أجد تفسيراً لمسألة أن القتل والنصب والاغتيال والاغتصاب صار هينًا وممكنًا في هذا البلد” !
بداية لا بد من الإشارة إلى أن الدكتور الفروح أقدر مني على فهم تفاصيل الإجابة عن سؤاله، وربما أكثر من التفاصيل في هذا الموضوع، الذي أصبح يؤرق الشرفاء والأحرار في حوران وعموم سورية، حتى جعل بعضهم، ومنهم الدكتور الفروح، يطرح مثل هذه الأسئلة الاستنكارية وهو يعلم أن الإجابة عنها لم تعدّ تجدي نفعًا بعد أن سيطرت على شريحة الشباب في المجتمع ثقافة العنف التي تدفعهم بسهولة إلى القتل والنصب والاغتصاب، فضلاً عن قلة الأدب وعدم احترام الكبير.
ومع أنني كتبت سابقاً عن هذا الموضوع، ولكن لا بأس من التذكير به مرة أخرى، فكما هو معروف أن المجتمع السوري يعيش تداعيات كارثية بسبب الحرب الدائرة فيه منذ سنوات. هذه الحرب التي شكّلت الركن الأساس في عملية انهيار المجتمع السوري، ووقوعه في براثن فوضى كان من أهم نتائجها تمزيق منظومة القيم السائدة بمختلف أشكالها ومسمياتها، ما أدى إلى تحول المجتمع إلى مجتمع عاجز عن تحقيق أبسط مقومات العيش في بيئة آمنة.
ومما زاد الطين بلة غياب دور التربية النظامية وغير النظامية في ذلك، فلم نرصد خلال سنوات الحرب أي دور مهم للتربية غير النظامية المتمثلة في دور المساجد والكنائس والأسرة، ووسائل الاعلام في ضبط سلوك الشباب، وما يطرحه بعض رجال الدين أو المشايخ لم نرصد له أية نتيجة مفيدة على صعيد تغيير أو تعديل سلوك الشباب، وبخاصة في حوران، لأن الطرح من أساسه غير صحيح، فليس مهمًا أن يعرف الشباب ماذا قال الله وماذا قال الرسول، بقدر ما يجب أن يعرفوا آليات تنفيذ هذا القول على أرض الواقع. أي يجب أن نعلمهم كيف يسلكون وفق هذا الحديث أو تلك الآية القرآنية سلوكاً واقعياً، مع ملحوظة أن التعرف على مثل هذا الموضوع متوافر على النت، ويمكن أن تبحثوا عن أية قيمة لتعرفوا كيف يمكن غرسها في نفوس الشباب معرفيًا ووجدانيًا وسلوكيًا.
أما التربية النظامية المتمثلة بالتربية المدرسية، فهي الأخرى في حالة يُرثى لها بعد أن غابت عن مدارسنا أبسط مقومات العملية التربوية، ولا احتاج هنا إلى كثير من الأدلة والبراهين، ولكن يكفي أن أقول :إن 99% من المعلمين لا يُنفذون ما يُسمى الهدف السلوكي، وأتحدى إذا توجد مدرسة أو مجمع تربوي أو مديرية تربية في سورية قد وضعت في يوم ما خطة أسبوعية أو شهرية أو فصلية أو سنوية للأهداف السلوكية !
الهدف السلوكي يا سادة هو الذي يعكس عمل المعلم التربوي وليس التعليمي، وكذلك عمل مدير المدرسة، ومدير التربية والوزير.
هل يوجد مدير مدرسة أو موجه تربوي وضع هدفًا سلوكيًا في بداية العام الدراسي وقال للمعلمين عليكم تخصيص الدقائق الثلاث الأخيرة من كل حصة في الأسبوع الأول عن هدف يتصل بنبذ العنف مثلاً، أو هدف يتصل بالنظافة، أو الصدق، أو التسامح؟
ما زال معلم الرياضيات أو الفيزياء أو اللغة الإنكليزية، يعتقد أن دوره فقط ينحصر بتعليم التلاميذ الرياضيات أو الفيزياء أو الإنكليزي، ولم يدرك بعد دوره التربوي المهم في تغيير وتعديل سلوك التلاميذ تجاه ما يُعاني منه المجتمع من مشكلات عرض بعضها الدكتور الفروح في سؤاله.
من هنا يُمكن القول: إن من أعظم النتائج المأساوية التي تعرض لها المجتمع السوري بسبب لغة السلاح، وغياب دور التربية، وتغليب المصلحة الفردية على مصالح المجتمع، وغير ذلك من أسباب يصعب حصرها في هذا المنشور، هي التي جعلت منه بيئة غير آمنة يكثر فيها القتل والنصب والاغتصاب، ويبقى الأمل معقود على النخبة المثقفة أن تقوم بمجموعة من التدابير التي تواجه مثل هذه المشكلات التي يعاني منها السوريون، وأن تنتفض أقلام النخب الحرة ناقدة ومستنكرة مثل هذه الممارسات اللاأخلاقية التي لا يقرها عقل ولا دين.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قاقد الشيء لا يعطي كثير من المشايخ والمعلمين ليس لديهم اية فكرة عن هدف السلوك ولهذا السبب تراهم مصرين على المضي في اغراقنا في التفاصيل النظرية يحدثك عن الامانة بعد فترة وجيزة تجده خرق كل مقومات الامانة دون رادع وكذلك الامر بالنسبة للصدق والاخلاص وكل مقومات السلوك لابد من زرع الاهداف السلوكية في نفوس من يتصدرون للعمل التربوي ومن ثم نطالب بنشرها بين صفوف الشباب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى