مختارات

أي الفريقين أحق بالعقل يا بنديكتوس؟! 2 من 3

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

عود إلى مناظرة الباقلاني:

ونظراً لطول المناظرة فإني أنقل بعض المواقف منها على النحو التالي:

الموقف الأول:

قال الذهبي في السير ج10 ص408 طبعة مكتبة الصفا بالقاهرة: “إن الطاغية (إمبراطور الروم) سأله: كيف جرى لزوجة نبيكم؟ يقصد توبيخاً. فقال: كما جرى لمريم بنت عمران، وبرأهما الله، لكن عائشة لم تأت بولد، فأفحمه”.

الموقف الثاني:

جاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض مج2 ص210 طبعة دار الكتب العلمية بيروت: حيث قال له الملك (الإمبراطور:”هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟ قلت (الباقلاني): هو صحيح عندنا،وانشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأى الناس ذلك. وإنما رآه الحضور، ومن اتفق نظره إليه في تلك الحال.

فقال الملك: وكيف لم يره جميع الناس؟

قلت (الباقلاني): لأن الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقوقه وحضوره.

فقال (الملك): وهذا القمر بينكم وبينه نسبة وقرابة؟ لأي شئ لم تعرفه الروم وغيرها من سائر الناس، وإنما رأيتموه أنتم خاصة؟

قلت (الباقلاني): فهذه المائدة (أي المائدة التي نزلت على عيسى عليه السلام من السماء) بينكم وبينها نسبة؟ وأنتم رأيتموها دون اليهود،والمجوس، والبراهمة،وأهل الإلحاد، خاصة (يونان) جيرانكم، فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن، وأنتم رأيتموها دون غيركم. فتحير الملك”.

وهنا استدعى الملك أحد القساوسة الكبار ليتدخل:

قال الباقلاني: “فلم أشعر إذ جاؤوا برجل كالذئب أشقر الشعر مسبله، فقعد، وحكيت له المسألة فقال (القسيس): الذي قاله المسلم لازم، هو الحق لا أعرف له جواباً إلا ما ذكره. فقلت له: أتقول إن الكسوف إذا كان يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي بمحاذاته. قال (القس): لا يراه إلا من كان في محاذاته. قلت: فما أنكرت من انشقاق القمر، إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية، ومن تأهب للنظر له؟ فأما من أعرض عنه وكان في الأمكنة التي لا يرى القمر منها فلا يراه.

فقال (القس): هي كما قلت. ما يدفعك عنه دافع. وإنما الكلام في الرواة الذي نقلوه. وأما الطعن في غير هذا الوجه، فليس بصحيح. فقال الملك: وكيف يطعن في النقلة؟ فقال النصراني: شبه هذا من الآيات، إذا صح وجب أن ينقله الجم الغفير، إلى الجم الغفير، حتى تصل بنا العلم الضروري به، ولو كان كذلك لوقع إلينا العلم الضروري به. فلما لم يقع به العلم الضروري به، دل على أن الخبر مفتعل باطل. فالتفت الملك إلي وقال: الجواب.

قلت (الباقلاني): يلزمه في نزول المائدة، ما يلزمني في انشقاق القمر، ويقال له لو كان نزول المائدة صحيحاً، لوجب أن ينقله العدد الكثير، فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا ثنوي إلا ويعلم بهذا بالضرورة. ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة، دل ذلك على أن الخبر كذب. فبهت النصراني والملك، ومن ضمه المجلس، وانفض المجلس على هذا”.

الموقف الثالث:

قيل إن ملك الروم وعد القاضي الباقلاني الاجتماع معه في محفل من محافل النصرانية، فحضر الباقلاني وبولغ في زينة المجلس، وأدناه الملك منه وأجلسه بجانبه وكان الملك في أبهته، وخاصته عليه التاج ورجال ممكلته يحيطون به، ثم جاء البطرك قيم ديانتهم (البابا في زمانه)، فسلم القاضي عليه أحفى سؤال.

ولنترك القاضي عياض والذهبي  يحكيان لنا ما حدث في هذا الموقف الطريف:

“وقال له (الباقلاني): كيف الأهل والولد؟ فعظم قوله هذا عليه، وعلى جميعهم وتغيروا له، وصلبوا على وجوههم، وأنكروا قول أبي بكر عليه (الباقلاني)”.

“فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا! فقال (الباقلاني): تنزهونه عن هذا، ولا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة والولد!”. انتهى بتصرف.

أقول: هكذا كان العلماء الأفذاذ الذين استعلوا بإيمانهم على الباطل؛ فلم يقتاتوا بعلمهم، ولم يعطوا الدنية في دينهم! فكانوا بحق نجوماً في سماء التاريخ.

ثانياً: العنف المقدس من كتابهم المقدس!:

لقد رمى البابا بنديكتوس السادس عشر الإسلام  بالعنف! ومن ثم لن نرد عليه بالقرآن ولا بالسنة ولا بالنقل من الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولا حتى مناظرات الشيخ أحمد ديدات الذي كسر شوكتهم في العصر الحديث رحمة الله عليه رحمة واسعة! ولكن من العهد القديم الذي يؤمن به البابا بنديكت وأهل الملة النصرانية جمعاء لنعلم بالدليل القاطع من الكذاب الأشر؟!

وهذه عينة من بعض أسفار العهد القديم:

(1) سفر التثنية: الإصحاح 20:

الخروج للحرب: ” فاَضْرِبوا كُلَ ذكَرٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ. وأمَّا النِّساءُ والأطفالُ والبَهائِمُ وجميعُ ما في المدينةِ مِنْ غَنيمةٍ، فاَغْنَموها لأنْفُسِكُم وتمَتَّعوا بِغَنيمةِ أعدائِكُمُ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم. هكذا تفعَلونَ بجميعِ المُدُنِ البعيدةِ مِنكُم جدُا، التي لا تخصُّ هؤلاءِ الأُمَمَ هُنا. وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ التي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكًا، فلا تُبقوا أحدًا مِنها حيُا بل تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم، وهُمُ الحِثِّيّونَ والأموريُّونَ والكنعانِيُّونَ والفِرِّزيُّونَ والحوِّيُّونَ واليَبوسيُّونَ “.

(2) التثنية: الإصحاح 12:

“هذه هي الفرائض و الأحكام التي تحفظون لتعملوها في الأرض التي أعطاك الرب اله آبائك لتمتلكها كل الأيام التي تحيون على الأرض. تخربون جميع الأماكن حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة و على التلال و تحت كل شجرة خضراء و تهدمون مذابحهم و تكسرون أنصابهم و تحرقون سواريهم بالنار و تقطعون تماثيل آلهتهم و تمحون اسمهم من ذلك المكان”.

(3) التثنية: الإصحاح 13:

“إن سمعت عن إحدى مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولا. قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك و طوحوا سكان مدينتهم قائلين نذهب  ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها وفحصت و فتشت و سالت جيدا و إذا الآمر صحيح وأكيد قد عمل ذلك الرجس في وسطك. فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف و تحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد”.

(4) التثنية: الإصحاح 7:

” ولكن هكذا تفعلون بهم تهدمون مذابحهم و تكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار. أنك أنت شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض “.

(5) سفر حزقيال: الإصحاح 9:

” اعبروا في المدينة وراءه واضربوا لا تشفق أعينكم و لا تعفوا الشيخ و الشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك ولا تقربوا من إنسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسي فابتدئوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت. وقال لهم نجسوا البيت واملأوا الدور قتلى أخرجوا فخرجوا وقتلوا في المدينة”.

(6) سفر العدد: الإصحاح 31:

“وكلم الرب موسى قائلا:  انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين ثم تضم إلى قومك . فكلم موسى الشعب قائلا جردوا منكم رجالا للجند فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان. (..) فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم آوى وراقم و صور وحور ورابع خمسة ملوك مديان وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف.  وسبى بنو اسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم و كل أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم و جميع حصونهم بالنار. وأخذوا كل الغنيمة و كل النهب من الناس و البهائم. و أتوا إلى موسى و العازار الكاهن و إلى جماعة بني إسرائيل بالسبي و النهب و الغنيمة إلى المحلة إلى عربات موآب التي على أردن أريحا. فخرج موسى و العازار الكاهن و كل رؤساء الجماعة لاستقبالهم إلى خارج المحلة. فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب.  وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حية. إن هؤلاء كن لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرب في أمر فغور فكان الوبا في جماعة الرب. فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال و كل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها”.

أقول: فماذا عسى حبر النصارى الأعظم (بنديكتوس) أن يجيب على هذه النصوص الصريحة في التحريض على القتل، والعنف، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعدم استعمال الشفقة والرأفة والرحمة معهم؟!

 ماذا عسى بنديكتوس وبطارقة الفاتيكان أن يردوا على هذه النصوص التي تحرض على هدم البيوت وتدمير المدن رأساً على عقب فوق سكانها؟!

فماذا عسى بنيكت وأخبار النصارى أن يفسروا لنا هذا التحريض الوحشي، وعدم الرحمة حتى مع البهائم والأمر باجتثاث الأشجار والزروع وكل ما يمت إلى خصومهم؟! وماذا .. وماذا .. وماذا..؟! حقاً رمتني بدائها وانسلت!

وصدق شوقي في تألمه من الذين يزعمون أنهم يحاربون باسم المسيح عيسى عليه السلام وهو منهم براء:

ما كنت سفاك الدماء ولا امرءاً ** هان الضعاف عليه والأيتامُ

يا حامل الآلام عن هذا الورى ** كثرت علينا باسمك الآلامُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى