مختارات

أي الفريقين أحق بالعقل يا بنديكتوس؟! 1 من 3

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

هذا المقال نشر بموقع المقريزي عام 2006

تقدمة:

بتاريخ 12-9-2006  ألقى رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا بنديكت السادس عشر محاضرة بعنوان (العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام والمسيحية) وكان من ضمن ما قاله واقتبسه حبر الكاثوليك (بنديكتوس) العبارات التالية:

“تداعت هذه الذكريات إلى ذهني عندما قرأت منذ فترة وجيزة جزءا من حوار نشره البروفيسير تيودور خوري، من جامعة مونستر، جرى بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل منهما خلال إقامته بالمعسكر الشتوي بالقرب من أنقره عام 1391”.

 “يبدو أن هذا الإمبراطور قد سجل هذا الحوار إبان حصار القسطنطينية بين عامي 1394 و1402، ويدل على ذلك أن مناظرته كانت أكثر توسعا من مناظرة محاوره الفارسي”.

ثم يقتبس بنديكت ما ذكره البروفيسير (خوري) المذكور حول الجهاد في الإسلام وربطه بالعنف:

“ففي جولة الحوار السابعة كما أوردها البروفيسير خوري تناول الإمبراطور موضوع الجهاد، أي الحرب المقدسة. من المؤكد أن الإمبراطور كان على علم بأن الآية 256 من السورة الثانية بالقرآن (سورة البقرة) تقول: لا إكراه في الدين.. إنها من أوائل السور، كما يقول لنا العارفون، وتعود للحقبة التي لم يكن لمحمد فيها سلطة ويخضع لتهديدات. ولكن الإمبراطور من المؤكد أيضا أنه كان على دراية بما ورد، في مرحلة لاحقة، في القرآن حول الحرب المقدسة”.

أقول: يعني أن القرآن ذكر (لا إكراه في الدين) عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مرحلة استضعاف في مكة أي من باب التقية حسب فهم خوري والإمبراطور وبنديكتوس!! بدليل أنه قال إن الإمبراطور كان على دراية بما ورد في مرحلة لا حقة في القرآن حول الحرب المقدسة؛ بقصد عندما فرض الجهاد في الحقبة المدنية؛ هذا يعني أن البابا (بنديكتوس) دارس، وفاهم، ويعي ما يقول! عكس ما قاله شيخ الأزهر طنطاوي ومن على شاكلته من علماء المسلمين الذي اتهموا البابا بالجهل بالإسلام!!!

ثم ينتقل البابا بنديكت إلى فقرة السب المباشر الذي نقله على لسان الإمبراطور البيزنطي في صورة الموافق والمادح لتحليل الإمبراطور الحقود على النحو التالي: 

“وبدون أن يتوقف عن التفاصيل، مثل الفرق في معاملة (الإسلام) للمؤمنين وأهل الكتاب والكفار، طرح الإمبراطور على نحو مفاجئ على محاوره(…) السؤال المركزي بالنسبة لنا عن العلاقة بين الدين والعنف بصورة عامة. فقال: أرني شيئا جديدا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف”.

أقول: من الذي برأ البتول مريم؟! أليس هو القرآن الذي أوحاه الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟! ومن الذي برأ الرسل الكرام الذين اتهموهم بأنهم أولاد زنا ولصوص؟ أليس هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم؟!  فهل وصل الحقد والحسد إلى هذا الانحطاط الأخلاقي؟!

لله در شوقي! في رده على حاسدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا أيها الأمي حسبك رتبةَ ** في العلم أنْ دانتْ بك العلماءُ

فإذا رحمتَ فأنتَ أمٌ أو أبٌ ** هذان في الدنيا هما الرحماءُ

ويستمر بنديكت في غيه متهما مقتبساً العبارة التالية:

“الجملة الفاصلة في هذه المحاجة ضد نشر الدين بالعنف هي: العمل بشكل مناف للعقل مناف لطبيعة الرب، وقد علق المحرر تيودور خوري على هذه الجملة بالقول: بالنسبة للإمبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الإغريقية، هذه المقولة واضحة. في المقابل، بالنسبة للعقيدة الإسلامية، الرب ليست مشيئته مطلقة وإرادته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل”.

هكذا يخلص حبر الكاثوليك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بجديد! وأنه صلى الله عليه وسلم (حاشاه) لم يأت إلا بما هو شرير وغير إنساني!! وأن الإسلام دين عنف! الإسلام دين مخالف للعقل!! ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(الكهف:5)

وانطلاقا من تلكم التقدمة:

أود أن أعلق انتصاراً لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، وللذب عن دين الإسلام العظيم؛ الذي نحمد الله أن جعلنا مسلمين عبر النقاط التالية:

 أولاً: مدخل تمهيدي: الباقلاني وخبر الروم الأعظم.

ثانياً: العنف المقدس من كتابهم المقدس!.

ثالثا: التاريخ المخزي.

رابعاً: صفوة القول.

  أولاً: مدخل تمهيدي: الباقلاني وحبر الروم الأعظم:

قد يتساءل البعض ما علاقة القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني البغدادي إمام المالكية في زمانه المتوفى 403هـ بالبابا (بنديكتوس) السادس عشر؟!

العلاقة أن سلف هذا البنديكتوس (حبر الروم الأعظم في زمانه)؛ قد طلب إمبرطوره في القسطنطينية من الخليفة العباسي؛ أن يرسل له أحد علماء المسلمين ليناظر الحبرالأعظم للنصاري؛ فانتدب الخليفة العباسي الإمام العلامة الباقلاني؛ ليناظرهم. وقد ذكر هذه المناظرة القاضي عياض في ترتيب المدارك، وذكرها باختصار أيضاً الذهبي في سير أعلام النبلاء، وأشار إليها ابن خلكان في وفيات الأعيان.

وقد كان القاضي أبو بكر الباقلاني أعجوبة زمانه في العلم، وقوة الحجة، وكان يلقب بلسان الأمة وشيخ السنة، وكان مضرب الأمثال في الذكاء وسعة العلم، وقد استطاع أن يناظر عدة فرق في وقت واحد! حيث قضى على أساطين المعتزلة، وكل أصحاب البدع في زمانه! الشاهد من هذا السرد أن هذا العالم لم يتزلف إلى النصارى ويدعوهم إلى ما يسمى بحوار الحضارات الزائف!! بل إن إمبراطور الروم هو الذي سعى وطلب ليناظرهم في أس عقيدة الملتين؟!

نبذة حول سير المناظرة:

لقد رفض القاضي الباقلاني أن يخلع عمامته عندما دخل قصر الإمبراطور؛ بل أنه أصر على عدم نزع خفيه لما طلب منه ذلك.

وقال: لا أفعل ولا أدخل إلا بما أنا عليه من الزي! وقال: أنا رجل من علماء المسلمين، وما تحبونه منا ذل وصغار! والله قد رفعنا بالإسلام وأعزنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وأيضاً فإن من شأن الملوك إذا بعثوا رسلهم إلى ملك آخر، رفع أقدارهم،لا إذلالهم؛ سيما إذا كان الرسول من أهل العلم، ووضع قدره انهدام عند الله تعالى وعند المسلمين! فما كان من الإمبراطور إلا أن رحب به ووافق على كطالبه وشروطه!

أقول: هذا درس لعلماء المسلمين لا سيما الذين يهرولون للحوار مع الغرب! لدرجة أن أحدهم لو طلب منه أن يخلع جبته، وعمامته وكل ما يشير إلى هدي ظاهر من لحية وغيرها لا ستجاب غير متردد!!؛ بل إن من هؤلاء العلماء والدعاة على استعداد أن يتنازل عن المعلوم من الدين بالضرورة، وقواعد الإسلام الكبرى بزعم التقريب والتحبيب إلى الشريعة الغراء!! بالطبع هذا الذي شجع بنديكتوس وبطانته، وبوش وعصابته، وكل من هب ودب على وجه البسيطة؛ الطعن في الإسلام، وصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، بل وفي الاستهزاء من رب العالمين سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً!

يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى