حقوق وحريات

إضاءات سياسية (3)

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

الفصل الثاني :

الافتتاحية

حضرة السيدة ماري روبنسون (*)

17/03/2001

تعلمون أن معظم الأنظمة الحاكمة في العالم العربي وخاصة في الدول التي تحكم مباشرة من قبل المؤسسة العسكرية ، أن هذه الأنظمة تقيم لديها محاكم عسكرية لا يتوفر فيها الحد الأدنى للدفاع عمن يحال إليها من خصوم النظام السياسيين الذين يساقون إليها بأعداد كبيرة وتصدر بحقهم أحكام عديدة بدءاً من السجن مدداً متفاوتة وانتهاءً بالإعدام ، وتجري تصفية المعارضة السياسية بأبسط الوسائل وباسم العدالة عن طريق هذه المحاكم الاستثنائية وبشكل يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان .

وفي سوريا يسود نظام استبدادي شمولي تحكم فيه أجهزة الأمن بفروعها المختلفة قبضتها على رقاب الشعب منذ نحو أربعين عاماً في ظل الأحكام العرفية التي أعلنت استناداً إلى قانون الطوارئ بدءاً من آذار/مارس 1963 .

وفي ظل هذه الأحكام يحكم النظام قبضته على المواطنين بصورة لا يدع لهم أي هامش للحرية ، ولقد ساق هذا النظام أعداداً كثيرة من معارضيه إلى المحاكم العسكرية الميدانية -الخاصة بمحاكمة العسكريين في قطعاتهم وأثناء الحروب فقط- ليحاكم معارضيه تحت شعار الأمن والاستقرار .

فلقد أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد مرسوماً تشريعياً في عام 1980 بسط بموجبه صلاحيات المحاكم العسكرية الميدانية لمحاكمة المدنيين .

هذه المحاكم العسكرية لا يقوم عليها أساساً قضاة ، ولا يشترط فيمن يتولى المحاكمات فيها أن يكون حاصلاً على مؤهل علمي من كلية الحقوق ، فضلاً عن أن القضاة فيها ليس لديهم الخبرة الكافية ليحاكموا من يساق إليهم من المدنيين ، وهم فوق كل ذلك عسكريون يأتمرون بأوامر قياداتهم العسكرية ولا يملكون إرادة القضاء الحرة .

ولقد تم بموجب أحكام هذه المحاكم العسكرية إعدام أعداد كبيرة من المواطنين المعارضين للنظام وحكم آخرون بأحكام مختلفة بالسجن .

ويجري تباعاً الإفراج عن بعض السجناء ، إلا أن من يفرج عنهم لا يستطيعون ممارسة حقوقهم المدنية العادية كما لا يتم إعادة العاملين في الدولة إلى وظائفهم ولكن يتم طردهم من هذه الوظائف وحرمانهم حتى من حق الحصول على الراتب التقاعدي ، وأما الأشخاص الذين لا يعملون لدى الدولة فلا يجدون عملاً بسهولة ، ذلك لأن جميع وثائق المفرج عنهم -سواء سجلهم المدني أم السجل العدلي أم في القيود العقارية– كل هذه الوثائق تكون ممهورة بعبارة أن هؤلاء مجرمون محكومون ، وبالتالي تضيع فرص العمل على هؤلاء ، ولو تمكن أحدهم من مغادرة القطر -وهو أمر صعب أحياناً- فهو ملزم بالحصول على وثائق من الجهات المعنية في الدولة بأنه غير محكوم وطبعاً لا يمكن الحصول على مثل هذه الوثائق لما بيناه آنفاً . 

إن هذا الوضع الشاذ يؤدي إلى أن يفقد المفرج عنهم فرص العمل سواء داخل البلاد أم خارجها ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان لجهة ضمان العمل ومستقبل الإنسان ومستقبل أسرته وحتى على الاستقرار الداخلي .

ومن هنا أحببت أن أكتب لكم واضعاً أمامكم المعاناة التي يعانيها هؤلاء ، ولدي الوثائق المؤيدة لكل ما ذكرته آنفاً ، وفي سبيل تقديم العون لهم فإنني أضع أمامكم اقتراحاً محدداً ، هو أن تعملوا إلى إصدار قرار أو توصية بقرار يتضمن إهدار القيمة القانونية للأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية والاستثنائية بحق المدنيين من السياسيين والتوصية للجهات المعنية بعمل هؤلاء خارج أوطانهم وفي الدول المختلفة بعدم الأخذ بهذه الأحكام وإهدار قيمتها القانونية وذلك في معرض توظيف هؤلاء المحكومين .

هذا الاقتراح يلعب دوراً هاماً في كبح جماح الحكومات العسكرية . راجياً الأخذ بالاقتراح لدعم حقوق الإنسان . 

(*) السيدة ماري روبنسون (بالإنجليزية : Mary Robinson) سياسية أيرلندية (ولدت في 21 أيار/مايو 1944) . تولت منصب الرئيس في جمهورية أيرلندا من 03 كانون الأول/ديسمبر 1990 إلى 12 أيلول/سبتمبر 1997 ، فكانت بذلك سابع رئيس لتلك الجمهورية ، وأول امرأة تصبح رئيساً لأيرلندا .

عملت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من 1997 إلى 2002 . تعرضت لانتقادات بسبب انتقادها للسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، لدرجة أن أكاديمياً أمريكياً في أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت (بالإنجليزية : American Enterprise Institute) يدعى مايكل روبن اقترح محاكمتها بتهمة ارتكاب جرائم حرب لقيادتها (حسب زعمه) “مذبحة فكرية ضد اليهود وإسرائيل” .

هذا بيان للناس :

أيها الإخوة المواطنون

06/03/2011

منذ أن أقدم العسكريون من الجيش السوري على الانقلاب واغتصاب السلطة ، في الثامن من آذار/مارس 1963 أعلنوا حالة الطوارئ خلافاً لنصوص قانون الطوارئ ، وذلك من أجل أن تستتب لهم الأمور ، واستمر نظام البعث يحكم البلاد منصباً نفسه قائداً للدولة والمجتمع ، عملاً بالمادة /8/ من الدستور المفصل على قياس سلطة استبدادية شمولية ، والتي أصدرت المرسوم التشريعي رقم (14) لعام 1969 المتضمن إحداث جهاز أمن الدولة والذي حصّن في مادته /16/ العاملين في الجهاز من المساءلة القانونية ، عن الجرائم التي يرتكبونها من الملاحقة القضائية ، وفي ظل انتخابات تشريعية صورية ، أصدر مجلس الشعب القانون (49) لعام 1980 المتضمن إعدام المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين ، خلافاً للدستور ولقانون العقوبات فيما يتعلق بعدم رجعية قوانين العقوبات ، وبذلك وضع المجلس لسلطة مستبدة سلاحاً فتاكاً ، استعملته لارتكاب جرائم القتل في السجون (تدمر ، المزة ، ودور التوقيف الأخرى) ، وأحيلت إلى محاكم ميدانية عسكرية ملفات مدنيين ، حكم عليهم قبل أن يحاكموا ، وساهمت هذه المحاكم مع محكمة أمن الدولة في إجراء تصفيات جماعية دون وازع من ضمير أو أخلاق ، وتم إعدام الآلاف من السجناء بتوقيع وزير الدفاع ، ومن غير توقيع رئيس الجمهورية حسب ما ينص على ذلك قانوني العقوبات العام والعسكري ، ثم طالت يد الاغتيال العديد من الشخصيات ، في الداخل والخارج ، ولم يحاسب أي مجرم على جريمته حتى الآن ، ولم يفتح أي تحقيق عما وقع بين عامي 80-1990 من جرائم وتدمير ، خاصة أحداث حماة المؤسفة 1982 .

في ظل حالة الطوارئ ، وفي ظل قوانين غير دستورية ، تم تعطيل الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد ومارس وزير الداخلية ولا يزال سلطة واسعة ، في الزج بالمواطنين في السجون لمدة يحددها هو دون مؤيد قانوني ، ودون أن يسعفه في ذلك حتى قانون الطوارئ ، وكذا فعل رؤساء فروع الأمن المختلفة .. وأعقب كل ذلك استيلاء السلطة على النقابات العلمية : محامين- أطباء – مهندسين .. الخ ، وألحقت بأجهزة الأمن تحت شعار الحزب ، وكانت السلطة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد قد سيطرت على التعليم والقضاء ، وبذلك تم تمهيد الطريق لسلطة مطلقة لا رقابة عليها .

وعقب مجيء الرئيس بشار الأسد للسلطة ، وارثاً لأبيه ، استبشر بعض الناس خيراً ، بتغيير الحكومة ، وخاصة بعد سماعهم خطاب القسم الذي كان يشبه إلى حد كبير مقولة الوالد “لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ ولا أن يتستر على العيوب ، والنواقص” ، وفي كلتا الحالتين ظن المواطنون إمكان رفع أصواتهم ، فكان مصيرهم السجون والمعتقلات ، ولم يسلم أحد حتى كبار السن ، وتوضحت صورة نظام غاشم لا يراعي قانوناً ، ولا خلقاً .

ولقد دأبت منذ مجيء الرئيس الحالي ، كما دأب غيري على محاولة حوار السلطة بالكتابة والكلمة والاعتصام فذهبت جميع الجهود أدراج الرياح ، وأصمت السلطة آذانها عن سماع كلمة الحق وطي الملفات العالقة (معتقلين – مفقودين – مهجرين) وعاثت يد المتنفذين في المال العام فساداً ، وتم نهب ثروات البلاد ، ولم يعمد أي مجلس من مجالس الشعب لمحاسبة الحكومة عن أية ميزانية ، وتم عزل الشعب عن رقابة السلطة ، التي خرجت عن القوانين واعتمدت في إدارة البلاد بالأوامر والبلاغات والتعليمات ، التي أصبحت فوق القانون ، وفوق المعاهدات الدولية ، ومنع المواطنون من السفر ومن التعبير بحرية ، وبذا أصبحت سلطة فاشلة بنظر القانون الدولي ، ثم عمدت السلطة لإلغاء حالة الطوارئ ومحكمة أمن الدولة العليا إلا أنها استعاضت عن ذلك بما هو أسوأ حيث أصدرت المرسوم التشريعي رقم (55) وأدخلت بموجبه تعديلاً على المادة /17/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي أعطت الضابطة العدلية سلطة التحقيق التي كانت منوطة بالنيابة العامة وذلك فيما يتعلق بالجرائم السياسية ، وبهذا فقد مارست السلطة خداعاً للرأي العام الداخلي والخارجي من أنها ماضية في خطى إصلاحية ، ولهذا فإنني :

1- أطالب الشعب بضرورة الاستمرار في التظاهر للدفاع عن مصالحه وحقوقه ، والتصدي للانحراف والفساد .

2- أطالب السلطة بالتنحي عن الحكم ، والتمهيد للانتقال سلمياً إلى سلطة تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً .

( … وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) [الشعراء : 227]

06/03/2011 من سجن دمشق المركزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى