تحقيقات

إدلب والنفق المظلم

رسالة بوست – فراس العبيد

مقدمة:

قتل أربعة من المعتصمين على طريق “M4” الدولي، وجرح آخرون، خلال محاولة القوات التركية فض “اعتصام الكرامة” بهدف تطبيق بنود الاتفاق التركي الروسي الموقع في الخامس من شهر آذار/مارس الفائت. 

لتدخل الساحة مفترقاً جديداً، يكشف “هشاشة” الموقف التركي، والفصائل الثورية، في المحرر، وصدام المصالح بين الطرفين اللذان يروجان لتحالفٍ مزعومٍ بينهما.

وهذه ليست المرة اﻷولى التي تحاول فيها القوات التركية، فض اﻻعتصام، فقد سبقتها عملية مشابهة لم تتطور إلى استخدام “الرصاص”، بتاريخ الثالث عشر من نيسان/أبريل الجاري. بين بلدتي الترنبة والنيرب في ريف إدلب الشرقي الواقعة على أوتوستراد حلب-اللاذقية الدولي المركز بال M4.

وبحسب بعض التسريبات، فإنّ أنقرة أوقفت الدعم عن الفصائل الثورية الموالية لها، عد امتناع عناصر الأخيرة عن التوجه للقتال في ليبيبا.

وتشير تسريبات أخرى، أنّ “هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها الجوﻻني، تزج ببعض المحسوبين عليها، في حكومة اﻹنقاذ للمشاركة باﻻعتصام المذكور، مقابل مبالغ مالية!

تركيا لم تنقلب:

ويعتقد محللون أنّ تركيا انقلبت على الثورة من خلال تبديل موقفها، بالنسبة للدوريات المشتركة، ويخطئ هؤلاء في فهم موقف أنقرة، التي تتعامل مع الواقع، وفق سياسة “امتصاص الشارع”، ومن ثم “تمرير مشروعها” وضمان “مصالحها” التي تتوافق مع اتفاقها مع “الروس”.

وعلى العكس من موقف موسكو، بدت “أنقرة” غير واضحة بما يخص ملف “إدلب”، وتلعب على نقطة غاية في الخطورة، من خلال اعتبار نفسها “المتبوع/السيد” أمام فصائل “مترهلة”، قبلت بدور “التابع”، في المعادلة.

وأمام فكرة المتبوع السيد والتابع الخائف، ﻻيحق للأخير، التعقيب على تصرفات سيده، أو مخالفة أوامره، التي تبدو في مقدمتها مراعاةً لمصالح اﻷول على حساب البقية التي وجدت نفسها تعيش “شتاتاً” آخر.

نظام الجرعات:

ويمكن اختزال الموقف التركي والروسي في التمهيد لتسيير الدوريات المشتركة بالنقاط التالية؛ التي تؤكد المؤشرات أنّ نظرية “نظام الجرعات” بدأت فعلياً وهي؛

بعد إيهام الشعب أن تسكير طريق طريق “M4” الدولي، بالسواتر هو الحل الوحيد، اتفقوا على دورية تركية، تفتح الطريق ليزول الحل السحري.

ثم دورية تركية مع بعض العساكر الروس يركبون السيارات التركية.

ثم دورية تركية ومعهم سيارة واحدة روسية من دون علَم روسي والسائق تركي والمرافقة تركية.

ثم العمل على تبديل المرافق التركي بآخر روسي بلباس تركي.

وتدريجياً تبدأ مرحلة “زيادة الجرعة”، اعتماداً على “اعتياد الشارع واﻹعلام” على “الحدث اليومي”.

لتبدأ مرحلة الزيادة بالتالي؛ مرافق  روسي ببدلته الرسمية بحجة أنه قادم مع صديقه..!

ثم علم روسي صغير جداً على السيارة بحجة أنه ﻻ يؤثر.، وبعد مدة تكبر الراية، وهكذا حتى ندخل مرحلة “العيار الثقيل”. ونقرأ عبر الصحف؛ “دخول أرتال روسية”.

ولعل المشهد لن يتوقف، فالسيناريوهات مفتوحة على اﻷخطر، لكنها بمجملها تؤكد “نظرية الجرعات”، التي جربها “المحرر”، في الدخول التركي الأول! حين زعموا أنها 3 نقاط وعدد من العساكر “شكلياً”، حتى بات رؤوساء تحرير الصحف يمرون على الخبر وفق عبارة؛ “اتركوا خبر عادي، أرتال طبيعية”!!

وبذلك دخلت “إدلب” مرحلة رهن النفس للقرار التركي، والرهينة عليه موافقة وحمل نتائج السيد “الحامي” بزعمه.

ليس شيطنة وإنما:

وليس الهدف “شيطنة اﻻعتصام” إنما التنبيه على خطورة المرحلة، وفهم تكتيكات التعامل معها.

فقد كتبت الدكتورة، علا الشريف، على صفحتها في تلغرام؛ نقاطاً غاية في اﻷهمية، تقول؛ “لم يكن اعتصام الكرامة حركة عبثية لقطع الطريق الدولي كما يحلو للبعض اختزاله، ولكنه حركة مقاومة شعبية لعرقلة اتفاقيات دولية لا تعطي أدنى اعتبار لموقف السوريين المتضررين من هذه الاتفاقيات، أو هو على أقل تقدير تثبيت موقف عملي رافض لهذه الاتفاقيات”.

وتكشف “الشريف” موقف تحرير الشام، من اﻻعتصام، بالقول؛ “من جانب آخر، تحاول هيئة تحرير الشام؛ متمثلة بقياداتها؛ استثمار هذا الاعتصام لصالح إيران التي استُبعدت من الاتفاقيات الأخيرة وصارت خارج اللعبة، فحركت ذراعها الجولاني للضغط على الطرفين التركي والروسي، والتهديد بقدرتها على تخريب أي اتفاق لا يراعي مصالحها”.

طبعاً، الشريف، معروفة بموقفها المعادي لتحرير الشام، ورغم اﻻختلاف معها في الموقف من “الجوﻻني”، الذي يؤكد أنه “غرّ” في عالم السياسة، دخل درجة “العمالة” بالمجان، وليس بـ”التشغيل المباشر” أو “التكليف الرسمي”. وهذه نقطة تحتاج تفصيل أطول، ليس المقام مقام التعريج عليها.

ما يهمنا في هذا المقام، التعريج على تصريحات “الشريف، التالية؛ التي تؤكد أنها كتبت لـ”التحذير من عواقب عدم امتلاك الثوار قرارهم، والجهة التي في مقدورها استثمار نتائج الاعتصام، فليس من الصواب الاستمرار في أسلوب التضحيات المجانية التي يحصد ثمراتها المتفرجون ومن يقدر على امتلاك أي شكل من أشكال القرار الثوري.

الثوار والمجاهدون المعتصمون لديهم مطالب واضحة، ولكن من هي الجهة التي تتكلم باسمهم وتفاوض الأتراك عنهم؟!”.

وأضاقت؛ “الأتراك وجدوا الثورة تركة بلا أوصياء فاستثمروا فيها، وعقدوا الصفقات مع أثرياء الحروب والمرتزقة وتجار الأزمات لتحقيق مصالح لا أظنها إلا مصالح زهيدة فيما لو اعتبرنا المصالح العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة، ولا أعرف إن كان ساسة الأتراك يعنيهم هذه المصالح الآجلة حقًّا!

من واجب الثوار الضغط على الأتراك لفرض مطالبهم، ولكن كيف يضغطون وليس لديهم من يمثلهم ويتكلم باسمهم؟!”.

وتضع تلك النقطة الملح على الجرح، كما يقال، إذ تغيب حتى اللحظة القيادة الموجهة للاعتصام، كما غابت عن الحراك الثوري، للأسف، واستبدلت بـ”الوصايات الخارجية” التي ولّت بعد أن “قضت وطراً”.

الضامن في قفص اﻻنتحار:

عموماً؛ المؤشرات كلها حتى اليوم، تشي بأنّ “الضامن” التركي، دخل تاريخياً، “القفص”، في المواجهة مع “أهل الشام”، بل في حال توغله في براغماتيته، عدم فهم “حقيقة الصراع”، سيكون على عتبة “اﻻنتحار” وفقد ثقة اﻷمة، وأعتقد أنها مسألة وقت ليس أكثر!

الخسران المبين:

وبالعودة إلى خيارات الساحة، فهي لن تخرج عن إحدى السيناريوهات التالية، إمّا القبول بوصاية تركية، لفترة محددة، ريثما يتم ترتيب أوراق الروس والنظام، وهذا ما تؤكده عادةً تصريحات الساسة “اﻷتراك” التي تؤكد على “وحدة التراب السوري”، وإمّا عودة اﻻشتباك بين فصائل الثورة والنظام، ولعل هذه اﻷخيرة ستصب في خدمة التيار الجهادي، الذي سيلعب دوراً جديداً، من خلال مواجهة غير “مفتوحة أو غير تقليدية” متمثلة بـ”حرب العصابات” التي دعت إليها بعض بيانات التنظيمات العاملة في الساحة.

وبالتالي؛ الدخول في حرب انهاك واستنزاف، تدرك موسكو والمجتمع الدولي، مدى خطورتها.

وستكون العاقبة خسراناً مبيناً، لكن ليس في اﻷجل القريب، للأطراف اللاعبة في الملف السوري، وسبباً في تحويل الصراع إلى “التأجيل” وليس “الحسم”.

مجرد تذكير:

واقتضى اﻷمر بيان لبنود الاتفاق الروسي_التركي، “اتفاق 5 آذار/مارس الفائت”، والتي تتمثل بالتالي؛

أولاً: وقف إطلاق النار في يوم 6 مارس بتمام الساعة 00.01.

ثانياً: أن تصبح 6 كم شمال الأوتوستراد و 6كم  جنوبه منطقة آمنة تتشاور بمراقبتها وزارتي الدفاع الروسية والتركية بعد مرور الدوريات المشتركة “التركية الروسية” بـ 7 أيام.

ثالثاً: تسيّر الدوريات المشتركية روسية وتركية بتاريخ 15 آذار بين نقطتي “الترنبة” الواقعة على طريق M4 غرب مدينة سراقب ونقطة “عين الحّوار”.

ويشار إلى أنّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، فسّر البند الثاني، بقوله؛ “جنوب الأتوستراد 6 كم سيخضع للرقابة الروسية و6كم شماله تخضع للرقابة التركية”، في مقابلة بثتها قناة TRT عربي.

وكانت نشرت مواقع روسية خريطة لتوضيح الاتفاق، وأكدت أن جنوب طريق M4 سيخضع للرقابة الروسية، والمنطقة الواقعة جنوبه ستكون خالية من الجماعات المسلحة والسلاح، فيما تتولى تركيا ذلك من خلال مراقبة الداخلين إلى جنوب الأوتوستراد عبر انتشارها شمال الطريق.

على طبق ألماس:

قديماً، كنا نسمع أغنية “على طبق ألماس مقدم قلبي”، ومثلاً شعبياً شهيراً يقول؛ “قدم له غرضه على طبقٍ من ذهب”، وبالمختصر؛ لا يكاد يشك عاقل أنّ “المعارضة الهزيلة” قدمت “الثورة”، “ثروةً” على “طبقٍ من ذهب”، واستثمر فيها الجميع وآخرهم “التركي”.

ويؤكد اﻻتفاق الروسي _التركي، أنّ اﻷخيرة أيضاً، قدمت للروس بالمجان، كامل طريق M4، ويشير تطبيق اﻻتفاق أنّ المناطق التالية “جبل شحشبو – جبل الزاوية – جبل الأربعين – سهل الغاب – جبال كبانة”، ذات الأهمية الاستراتيجية والجغرافية الجبلية الواقعة جنوب خط M4 في قبضة الروس.

النفق المظلم:

سعى المجتمع الدولي إلى إنهاء ملف “الثورة السورية” بالقوة الناعمة، والخشنة، خشيةً من إسقاط “نظام اﻷسد”، ويبدو أنّ مصير الثورة يدخل في “نفقٍ مظلم”.

والمحرر اليوم أشبه بأرض “الموت”، مع غياب “القرار السيادي /الثوري”، بل يمكن الذهاب أبعد بكثير للتأكيد على نقطة ستكون مفصلية في تاريخ اﻷتراك الحديث، ونتحدث عن “السياسة التركية” التي تزعم محاولة تصدر قيادة اﻷمة الإسلامية، حيث يقف هؤلاء بدورهم عند مفترق طريق، وهم أمام توازنات واضحة، اعتبار مصالحهم ومكاسبهم والمتاجرة بقضية الشام، وإما امتثاﻻً لقوله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة”، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.

بالمجمل؛ الجميع على المحك، والسياسة التركية على موعد مع متغيرات ترتبط بشكلٍ وثيق في تعاملها مع ملف “الساحة الشامية”؛ فإمّا علمانية برغماتية ﻻ تراعي حق الله وإما تجه تدريجياً لمنحىً آخر، يجعلها في المقدمة، وبالتالي، ستكون محط سهام المجتمع الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى