دين ودنيا

طاعات الصغار من فرص المكث في الدار

بشير بن حسن

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

ونحن في الحجر الصحي منذ ما يزيد عن شهرين تقريبا ، وقد أغلقت من جملة ما أغلق المدارس والمعاهد ، وسائر المؤسسات التعليمية، ها هي الفرصة سانحة أمام الأولياء ليعوّدوا أبناءهم على جملة من الطاعات والقربات ، خاصة في هذا الشهر الكريم ، شهر رمضان ، فلا ينبغي أن ينسى أو يتخلى الوالدان عن واجب التربية والتعليم ، وغرس القيم النبيلة في نفوس أبناءهم ، لأنهما مسؤولان أمام الله تعالى عنهم ، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في أهل بيتها ومسؤولة عن رعيتها ) .
وفي سنن النسائي عن أنس بن مالك رضي الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) .
ومن منطلق هذه المسؤولية ، يأتي دور الوالدان في توجيه الأبناء ، واستغلال فترة الحجر في البيوت ، لأمرهم أولا بالصلاة ، عملا بقول الله عز وجل ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ) .
و بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة إذا بلغلوا سبع سنين ….. ) الحديث رواه أبو داود .
وهذا يتحقق أولا بتعليمهم قبل أمرهم بها ، كتعليمهم الطهارة وأحكام الصلاة مبسطة ، ويمكن الاستعانة ببعض الكتيبات للصغار في ذلك، أو الفيديوهات التي وجّهت بالأساس إلى الناشئة، وقد امتلأت بها الأنترنت .

كما هي فرصة أيضا لتعويدهم على الصيام ، فإن أهل العلم اتفقوا على مشروعية ذلك ، واستحباب تعويد الطفل على الصيام اذا كان جسمه يطيق ذلك ، فمن أهل العلم من قال إن ذلك يبدأ من السابعة كما يؤمر بالصلاة ، ومنهم من قال إن ذلك يعود إلى بِنية الطفل أو البنت ، و قدرتهما الجسدية على تحمل الصيام ،
وقد جاء في صحيح البخاري أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يأمرون أبناءهم بالصيام تعويدا عليه ،وكان الطفل يعطى لعبة من العهن ليتلهى بها عن الجوع “
فهي إذن فرصة لنا أن نعوّد أبناءنا على هذه الطاعة وهذا الركن من الإسلام ، إذ أنّ ذلك سيكون لهم عونا بعد الله سبحانه ، إذا بلغوا سن الرشد ، أن يقوموا بواجب الصيام عليهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاثة ، عن المجنون حتى يعقل ، وعن النائم حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ ) رواه أبو داود .
وقد قرّر علماء التربية والنفس ، أن الطفل يسهل عليه التكليف بالتعويد عليه والتمرين على القيام به ، ناهيكم عن التقليد لآبائهم وأمهاتهم ،

مشى الطاووس يوما باختيال * فقلّد مشيته بنوه
فقال على ما تختالون؟ *قالوا بدأت ونحن مقلّدوه
وينشؤ ناشؤ الفتيان منا * على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحِجًى * ولكن يعوّده التديّن أقربوه .

ولكن كم من الآباء من لا يهتم بهذا الجانب في التربية ، ولا يعوّد أبناءه على الصيام ، بل لا يأمرهم حتى بالصلاة ؟؟؟في تفريط بواجب التعليم والإرشاد والنصح ، و اعتقاد أنهم لا يزالون صغارا ، وأنهم احوج الى اللعب واللهو من كل شيء!!
، حتى إذا ما بلغوا ، تعسّر عليهم ذلك كله ، خاصة بإدراكهم سنّ المراهقة وما يصاحبها من صعوبة توجيههم ،

يقول الشاعر :

إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت * ولا يستقيم إذا قوّمته الخشب .

كما يستحب تعويدهم على القيام أيضا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الليل عند ميمونة زوجته ، وقام معه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي لم يجاوز السادسة من عمره ، فذلك كله يحسب لهم من نوافل العبادات إذا صاروا مكلفين ، وهو في ميزان حسنات آباءهم ،
وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل لترفع له الدرجات في الجنة فيقول يا رب أنّى لي ذلك ؟، فيقول باستغفار ولدك لك ، وفي لفظ بدعاء ولدك لك ، وإن الولد من سعي أبيه وقرأ قول الله تعالى ” وأن ليس للإنسان إلا ماسعى ” ) رواه أحمد وإسناده صحيح .

كما أذكركم بأن خير ما يؤتاه العبد في هذه الدنيا ، صلاح الذرية ، فإنه ( اذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم

فرحم الله أباً حرص على صلاح أبناءه ، ورحم الله أُمّا قامت بواجبها تجاه أبناءها ،
عامليْن بقول الباري جل في علاه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) .

فالله اللهَ ، في فلذات الأكباد في هذا الشهر المبارك .

كما أنصح بأن يكون ذلك كله بالرفق واللين ، والتشجيع والتحفيز ، لا بالقسوة والتعنيف ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الرفق ما كان في شيء الا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ) وقال أيضا ( إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة ) .
ويا حبذا لو كان ذلك بوعدهم بالهدايا في آخر رمضان أي يوم العيد مع الوفاء ، و بث روح التسابق والمنافسة بينهم ، فذلك أمر مطلوب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى